كغزال بري يأبى الترويض ويستعصي على الأسر
quot;سلامي لكَ مطرًاquot;.. مجموعة شعرية جديدة لآمال عوادndash; رضوان

رام الله- صدرت حديثًا مجموعة شعرية جديدة بعنوان quot;سلامي لكَ مطرًاquot; للشاعرة الفلسطينية آمال عوادndash; رضوان، وهي الثانية لها بعد quot;بسمة لوزية تتوهجquot;، وذلك بالتعاون مع دار الزاهرة للنشر والتوزيعndash; بيت الشعر الفلسطيني.
قدّم الشاعر والناقد المصري د. إبراهيم سعد الدين المجموعة تحت عنوان: quot;سلامي لك مطرًا- من غواية التشكيل.. إلى فتنة الرؤياquot;، والذي جاءت مقدمته أشبه بمقاربة نقدية للمجموعة الشعرية، بعد أن تطرّق بتكثيف إلى quot;قصيدة النثرquot;، حيث رأى أنها quot;كانت وما تزال مَحلَّ جدلٍ ومَثارَ نقاشٍ بين مؤيّديها ومُعارضيها، والمُتشَيّعين لها والمُنكرين لوجودها أصْلاً. وهو جدَلٌ قد يطولُ أمَدُه أو يقصُر، لكنّ الظاهرة اللافتة للنظرِ حقًّا هي خفوتُ أصواتِ المُعارضة أمامَ ذلك التّيّار الجارف من الشّعر النّثريّ الذي أصبحَ يستأثرُ الآن بالنصيب الأوفر من ديوان الشّعرِ المعاصر. الأمر الذي حَدَا ببعضِ المُتحمّسين لهذا التّيّار إلى الاستشهادِ به كدليلٍ لا يُدْحَض على أنّ قصيدة النّثر تتصدّرُ واجهة المشهدِ الشّعريّ الرّاهن. وهو قولٌ نتحفّظُ عليه جُملةً وتفصيلاً. لأنه ينطلقُ من قراءةٍ غير دقيقة ويبْني استنتاجاته على فرضيّاتٍ غير صحيحة ويعتمدُ معيارًا غير صائب في الحُكمِ والتقديرِ هو معيارُ الكَمّ وحده دون الكَيْف، أو بتعبيرٍ آخر الشّكل دون الجوهرquot;.
ويشير د. سعد الدين إلى أنه quot;لا ينبغي أن يُضلّلنا انحسارُ مَدّ المقاومة لهذا التّيّار وخفوتِ صوته عن إدراكِ فحوى هذه الظاهرة وفهْمِ مٌعطياتها. لأنّ مَردَّها- في تقديري- يعودُ إلى تراجع مكانة الشّعرِ عن صَدَارَةِ المشهد الأدبيِّ وانفضاضِ جمهوره عنه من جهة، وتَخَلُّفِ النّقد عن حركة الإبداعِ من جهة أخرى. كلا الأمْرَيْنِ أسهما إسهامًا مُباشرًا في غيابِ المراجعة النقديّة الأمينة والخلاّقة لهذه التجربة التي يتوارى جَوْهَرُها النفيس وإنجازاتها المٌبهرة وسط ضبابٍ كثيفٍ وخانق من رديء الشّعر والنّثر معاًquot;. ويخلص د. سعد الدين إلى أن quot;قصيدة النّثر أحوجُ ما تكونُ الآن إلى مراجعةٍ نقديّة شاملة وأمينة تعني بتقويمِ هذه التجربة سَلْبًا وإيجابًا، وتأسيس مَرْجِعِيّةٍ نقديَّة يُمكنُ الاحتكامُ إليها في تمييزِ الحقيقيّ من الزّائف والغَثّ من السّمين، واستخلاصِ ما أثمرته هذه التّجربة على أرضِ الواقعِ من مُنجزاتٍ أصيلة تُمَثّلُ تجديداً حقيقيّاً لدماءِ الشّعر العربيّ. وبديهيّ أن تطالَ هذه المراجعة أوّلَ ما تطال ذلك المُصطلح- قصيدة النّثر- ليسَ فقط لأنّه غامضٌ ومُلتبسٌ ومُثيرٌ للجدلِ ما يزال، وليسَ أيضًا لأنه تعبير فضفاض ومليءٌ بالثقوب التي تسمح بمرورِ شوائبَ كثيرة لا تَمُتّ لهذه التجربة بصلة، بل- وهذا هو الأهمّ- أنه أصبحَ قاصرًا عن استيعابِ كٌلّ حساسياتِ الإبداعِ والتجديد في القصيدة العربية المعاصرة والتعبير عنها بصدقٍ وشمولquot;.
أما في ما يتعلق بالمجموعة الشعرية، فإنه يثمّن هذه تجربة هذه الشاعرة في خضم quot;الكم الهائل من قصائد النثر المنشورة نشرًا ورقيًّا وإلكترونيًّاquot;، حيث أنه quot;في سياق هذا التّيّارِ الذي يجمعُ بين الأصالةِ والمُعاصرة، وينبثقُ من منابع الشّعرِ الخالص ويَصُبُّ في أنهارِه- تأتي تجربة الشاعرة آمال عواد- رضوان لتُشَكّلَ مَعْلمًا واضحَ القسماتِ جَليَّ الصّوتِ مُتَميّزَ الحضورِ في ديوانِ الشّعرِ العربيّ المعاصِرْ. فهي تتحَرّرُ من بعضِ موروثاتِ الشّعر العربيّ وتقاليده- كالوزن والقافية- لكنها تستعيضُ عن ذلك بموسيقى داخليةٍ تنسابُ انسيابَ النّسْغِ في قلبِ النباتِ المُزهر. وهي تستغني عن التفعيلة الخليلية كوحدة لبناءِ القصيدة مُستبدلةً إيّاها بتشكيلٍ صُوَريّ بالغ الإيحاءِ عميق الدّلالة يظلّ يتواترُ على مخايلنا رُوَيْدًا، ويلامسُ منابتَ الحسِّ فينا طيلة الوقت، ومع ذلك يبقى حُرًّا نافرًا- كغزالٍ برّيّ- مُتأبّيًا على التَّرْويضِ مُسْتَعْصيًا على الأسْرquot;.
quot;إليكَ.. ملاكَ الغفوةِ، تفتحُ خوابيَ الرُّوحِ دعاءً، فتمتلئُ صلاةً بكَquot;.. هكذا أهدت الشاعرة مجموعتها التي احتوت على اثنتي عشرة قصيدة هي: quot;خرافة فرح، حورية تقتات من ضرع النجوم، سلامي لكَ مطرًا، سماوية غوايتي، فتنة رؤى عذراء، ندى مغموس بغمامات سهد، أنّى يبللني غبار التثاؤب جزلا، شاهدة فوق لحد النهار، أسكبيك في دمي، إليك أتوب غمامًا، زغب شمعي، في ملاجئ البراءةquot;.
أما الشاعر محمد حلمي الريشة، فقد ختم المجوعة تحت عنوان: quot;تَحَسُّسُ الْمَجْهُولِ بِالْعَيْنِ الثَّالِثَةِquot;، والتي نرى مقتطفات منها على الغلاف الخلفي للمجموعة، حيث يشير إلى أن quot;كَثِيرًا مَا تَبْدُو قِرَاءَتُنَا، لِلإِبدَاعِ الشِّعرِي، حِجَابَ زُجَاجٍ مَرِنٍ، أَوْ جِسرَ قَصَبٍ هَشٍّ، أَوْ عَتَبَةً طَرِيَّةَ الطِّينِquot;، وأن هنالك ثلاثة مسارات في قراءة الإبداع الشعري جميعها quot;تُصِيبُ اللَّهْفَةَ بِعَطَبٍ كَبِيرٍ، وَتُبِيحُ الاصْطِدَامَ الْمُتَعَمِّدَ الدَّفْعِِ، أَوْ َتَغُوصُ بِنَا فِي وُحُولِ الوَهْمِ.. مِنْ هُنَا أَرَاهَا كَمَنْ لَمَسَ جَنَاحَيِّ الفَرَاشَةِ، فَالْتَصَقَ زُخرُفُهَا بِأَصَابِعِهِ، ثُمَّ دَعَاهَا أَنْ تَطِيرَ بِإِذنِهِ! فَلَمْ تَسْتَطِعْ..quot;. وأشار الشاعر الريشة إلى مسار آخر quot;لَيْسَ رَابِعَهُم، يَسِيرُ أُفُقِيَّ الرُّؤْيَةِ، وَيَعْرُجُ إِلَى فَضَاءِ الأَسْئِلَةِ، وَيَغُوصُ فِي سَابِعِ بَحْرٍ، هُو التَّأْوِيلُ الذَّاتِيُّ مِنْ خِلاَلِ تَفْتِيحِ ظِلاَلِ الشِّعرِ..quot;، كذلك فهو يعتقد أن quot;لاَ صُرَاخَ فِي وَجْهِ الشِّعرِ لأَنَّهُ لاَ يَصْرُخُ.. لاَ تَظَاهُرَةَ فِي قِرَاءَتِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ تَظَاهُرَةً فِي كِتَابَتِهِ.. الشِّعرُ هُوَ الشِّعرُ، لاَ يَرْضَى بِأَقَلَّ مِنْ هذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْثَرَ.. عَلَيْنَا رِضَاؤُهُ وَعَلَيْهِ الْقَبُولُ..quot;، وأن quot;بَرَاءَةُ الشِّعرِ، تُوجِبُ بَرَاءَةَ الْقِرَاءَةِ : تَحَسُّسَ الْمَجْهُولِ بِالْعَيْنِ الثَّالِثَةِ الدَّاخِلِيَّةِ.. مَسْحَ غُبَارِ الشَّاعِرِ، بِحُنُوِّ يَدٍ، عَنْ شَفِيفِ غَامِضِهِ الْعَذْبِِ.. لِلْمُخَيَّلَةِ هُنَا، أَنْ تَعْلَوَ فِي صِنَاعَتِهَا الإِبْدَاعِيَّةِ حَتَّى مَا بَعدَ سَقْفِ صَاحِبِهَا..quot;.
أما فيما يتعلق بقراءته لمجموعة الشاعرة، فإنه يرى أن quot;الشَّاعِرَةُ آمَال عَوَّاد - رَضْوَان فِي سَلاَمِهَا الْمَطَرِيِّ عَلَيْهِ quot;سَلاَمِِي لَكَ مَطَرًاquot;، تَخْطُو خُطُوَاتِهَا الثَّانِيَةَ بِنَاعِمِ أَجْرَاسِ فَرَحٍ، مُبَشِّرَةً أَنَّ فِينَا مَنْ يَسْتَطِيعُ، بِاقْتِدَارِ حُلُمٍ مُتَوَاثِبٍ، وَبِشِرَاعِ شَمْعَةٍ مُذْهِلَةٍ، اخْتِرَاقَ سِيَاجِ شُبْهَةِ الْحَيَاةِ إِلَى مَا يُشْبِهُهَا: الشِّعر!quot;.