بيروت: يبدو الكاتب الليببي ابراهيم الكوني في كتابه الجديد كمن يدخل عالم اللغات بعقلية شاعر وأحيانا اخرى كمن يدخل اليها عبر الفلسفة ومعتقدات قديمة ويربطها بأوضاع حديثة. وعلى رغم تأثير لغة الكاتب الليبي البارز في القراء بشعريتها وامتلائها بالفكري الفلسفي والاسطوري الخرافي فلابد من القول اننا حين نتصرف احيانا كمن يلم الماما كبيرا وquot;بكل شيءquot; تقريبا فلا بد من ان يأخذ علينا البعض ما يعتبره اخطاء. وقد تؤخذ على الكوني ماخذ في المنهج كما في التفاصيل. اما المنهج فقد ينظر اليه على انه استند الى نماذج محددة ليتحدث عما يبدو للقارىء تعميما لا مسوغ جديا لاعطائه صفة عامة او شاملة. وأبرز ما في هذا انه -وهو ذو ثقافة متنوعة ملونة بما في ذلك الثقافة اللغوية- يدخل شعريا الى عالم اللغة وفي هذا على ما قد يحمل من جمال منزلقات ومخاطر.
كتاب الكوني الذي صدر في 100 صفحة عن quot;المؤسسة العربية للدراسات والنشرquot; هو واحد من سلسلة من نتاج الكوني الغزير روايات وابحاثا وغير ذلك. حمل الكتاب عنوانا مركبا اتبع بوصف بدا عنوانا اخر. وقد جاء الامر -وبعد اسم المؤلف- على الشكل التالي quot;ملحمة المفاهيم 3/ لغز الطوارق يكشف لغزي الفراعنة وسومر ( بيان في لغة اللاهوتquot;. انه عنوان طموح جدا دون شك يصلح لابحاث ضخمة وطويلة. لوحة اغلاف وصفت بانها quot;من رسومات فناني ما قبل التاريخ ) ليبياquot;.
قدم المؤلف للكتاب بكلمة عن اللغة quot;اللغة ليست قانونا موضوعا من قبل العلماء او مؤلفي المعاجم ولكنها حصيلة عمل.. حاجة.. علاقة.. فرح.. هوى وذوق اجيال الانسانية السالفة من خلال امتلاكها اسسا حميمة الصلة بأمنا الارض.quot; وتحت هذا الكلام ورد اسم قائله على الصورة التالية quot;وايت ويتمانquot;. ولم يذكر اي تعريف بالاسم. ترى هل هو quot;وولت ويتمانquot; الشاعر الامريكي البارز وقد ورد اسمه الاول خطأ..
ويبدأ المؤلف الكلام عما يسميه quot;زاي الكينونة ز.. زدquot;. يتحدث عن الامر منطلقا من اساس لغوي ولا يلبث ان يدخل في عالم الفلسفة اذ يقول quot;يقف حرف الزاي في لسان البدايات على طرفي نقيض مع حرف اخر قرين له في النطق ولكنه بعيد عنه في المدلول الا وهو السين. فاذا كان الحرف الاخير قد ارتحل عبر لغات العالم لتأدية رسالة الجوهر او كل ما له صلة بالباطن استعارة من لغة التكوين الحاملة لذخيرة الروح الانسانية من خلال لسان الحرف الساكن الواحد فان حرف الزاي قد اختار ان يسلك سبيل المظهر في رحلة العرفان من خلال حمولته الدلالية quot;ككيانquot; او quot;كينونةquot; ولما كان الكيان بطبيعته حاملا لمبدأ باطني مستتر وليس مجرد جرم اجوف فلابد ان يحتوي على سر اخر يصير له قرينا مكملا يكون له بمثابة شرط وجود عملا بناموس وحدة الاضداد المؤسس لاعجوبة الوجود.quot;
ننتقل الى عنوان اخر هو quot;زل (صلى - صلاة) طارقية. عربية. المانية. بدئيةquot; حيث يقول ان ازال وهي الاصل من ازل هو الاسم القديم لمدينة صنعاء وهو يعني بلغة الطوارق ان quot;يستقيمquot; بمدلولين تجريبي ومجرد اي بالمعنى الحسي وكذلك الاخلاقي. من البعد الاخير الاخلاقي استعارت العربية مفهوم الصلاة عندما كان الدين ايمانا او سلوكا عمليا يوميا وليس مجرد ممارسة شعيرية خالية من المضمون الاخلاقي...quot;
في مجال الحديث عما اسماه quot;سين الجوهر.. اسquot; بحث مستفيض ومقارنة بين عدد من اللغات في هذا المجال. لكن يلفت نظر القارىء مثلا ان المؤلف يربط بشكل غير مبرر كما يبدو بين مفاهيم حالية وأخرى قديمة لمجرد تقارب لفظي. في الحديث عن كلمة quot;مزرquot; التي تعني حامل الراية بالطوارقية كما يقول.. اذ ان زعيم القوم سمي كذلك quot;لانه يحمل الراية ويتقدم القبيلة عقلا او سيفا على حد سواءquot; ينتقل بسبب شبه لفظي الى القول quot;وفي اللغات الاوروبية استعارة لذات الكلمة البدئية بذات المعنى في كلمة quot;مودريتورquot; التي تدل على التقديم (مقدم برامج او مقدم كتاب او كاتب الكتاب) وذلك بابدال شائع بين الدال والزال لان الاصل في الكلمة هو quot;مودرquot;. من quot;مودرquot; هذه انبثقت كلمة مدير العربية التي لا تعبر عن مفهوم الادارة كما نعتقد بقدر ما تؤكد المفهوم البدئي الكامن في مبدأ التقديم كفعل اسبق في الكينونة من فعل الادارة.quot;
الا ان المؤلف -ومع الشك في صحة ما وصفه بانه اصل الكلمة- يغفل عن ان الكلمة الانجليزية هذه عبرت اصلا عن معان اخرى غير ما اشار اليه ومن هذه المعاني الغالبة quot;الوسيطquot; بين طرفين وأن من يدير حوارا هو في الاساس وسيط قبل ان نعرف فكرة ادارة الحوار او الجلسات. ويتهيأ للقارىء انها تأتي من معنى الاعتدال او الوسطية اكثر من معنى القيادة.
وفي الحديث عن quot;سيجنمquot; يقول انها تعني اصلا quot;علامةquot; باللاتينية وانبثقت منها كلمات بالجرمانية quot;اما في الانجليزية فنجد الاسم اللاتيني اكثر وضوحا في كلمة quot;ساينquot; التي تعني توقيعا الى جانب معنى العلامةquot; ويعيد هذه الكلمة الانجليزية مرتين وقد جاءت مهجأة بالاحرف الانجليزية بشكل غير صحيح لينتقل الى القول ان المقابل الطوارقي لهذه الكلمة هو quot;بصمةquot; التي تعني العلامة والتوقيع.
ما يثيره الكوني على اتساعه واهمية كثير منه وسعة اطلاع الكاتب جميل اخاذ. لكن القارىء الناقد قد يجد نفسه يقول quot;وفي ذلك قولان.. او اكثر.quot;