منذ (صهيل المارة حول العالم) المجموعة الأولى للقاص والمسرحي جليل القيسي قبل ثلاثين عاماً (1968) وهو يعيش في أتون معركة لا يدري (أهيَّ معركةُ سقوط أم انتصار، لا فرق... ) المهم...إنّه يعجز عن معرفة (إذا كان ذهنُهُ هو الّذي اخترعها، أمْ أنّها.. المعركة الحقيقية)... معركةٌ بكل ما في الكلمة من معنى واشتقاق، ماراً فيها بعذاباته وآلامه
كاتب المقال مع الراحل جليل القيسي |
ليخرج بعد ثلاثين عاماً أُخرى (خارطةً مجسمةً للعالم) واضعاً أسماءَ أخطر الأشرار وحسب تواجدهم وكلّ حسب مسؤوليته، وهو موقنٌ بأنَّ (العذابَ والفسادَ) مستمران (طالما هؤلاء يعيشون هنا وهناك), وهو موقنٌ أكثر بأنّ الآلهة لنْ تفعل له أيَّ شيءٍ بعدما ألقى الجميع (نظرة طويلة على الخارطة وقائمة الأسماء وبسرعة فهموا كلَّ شيء).. حين قال مردوخ : (إنّهم كثيرون..) ومنذ البداية الأُولى لصهيل المارة، كان جليل القيسي يعيش لحظاتٍ رهيبة من الإنسحاق والإنكسار اللذين كانا يسيطران على الوضع العربي عموماً بعد أن خرج الكل من نكسة حزيران فنرى كيف تهيمن الأجواء الكابوسية quot;الكافكاوية - الديستويفسكيةquot; على الخط العام للمجموعة وتصيب الذات الراوية بقطيعة مع الآخر والإنفكاء نحو الذات المؤرشفة في الإحباط والإحساس بمرارة العجز والهزيمة والفشل والبحث عن نهاية لهذا الكابوس المريع حتى لو كان المخلص تابوتاً في صحراء ! بعيداً عن مدينته (المدينة المغلـّفة تغليفاً كثيفاً ووحشياً برعبٍ لا وصف له) (ص9) والجميع مقتنعون (مع الكاتب) بما لا يقبل الشكّ (أن ليس ثمَّةَ حلَّ لهذه اللحظات الرهيبة التي تفرض نفسها بلزوجة لا إنفلات منها البتة) (ص9)... وأين تفلت منها، والمخلوقات الدخيلة التي تسيطر على الأرض كلها (ممسوخة وطويلة) تحاول إهانة المخلوقات الأرضية ولا سلاح لهذه المخلوقات الصغيرة سوى الصهيل حتى تَهزم الدخلاء، وهذا الوضع والضياع يدفعان بالكاتب إلى أنْ يتساءل (حقّاً مَنْ نحن؟ ماذا نفعل هنا؟ أيّ شيءٍ يرادُ منّا؟ وإلى متى سنبقى هنا؟) (ص18) ويتألم أكثر حين يرى أنّه يتآمر على نفسه ولا يستطيع رفض ذلك الواقع المرير والاكتفاء بالصمت كحلٍّ بديل، أو الضحك (النابع من الأعماق) لمحاربة طوفان الجراد رمز الخراب أو البقاء في (عزلةٍ صمّاء بكمّاء) يقف فيها الكلُّ (عارياً وخالياً من الرتوش).. والإنسان الراوي في تلك العزلة (لا شيءَ يناصبُهُ العداء سوى ذاته التي تكلسّت كصخرةِ الجرانيت، والتي لَمْ تتصور يوماً...) أنَّ الكاتب سيقذفها في (هذا الأتون) ويترك (آلاف الأفاعي السامة تلسعها كلّ يوم) (ص30) وإضافة إلى تلك الأفاعي كانت هناك (عشرات الأيدي الطويلة، والبشعة خارقة جدار الظلام)... إيادٍٍ تهيمن على المشهد الكلّي، تعبثُ، ترعب، تسحق، تشعرُ الآخر بحقارتها وهشاشتها، وتشعره بالظلمة التي تضاجع كلّ شيء (بثقةٍ مهيبة) وبالليل كحقيقة مطلقة (تمثّل فيها كلّ أبعاد الزمن والأبدية والصفر) وتضعه في الطين الذي يشدّه بجاذبية خرافية حتى درجة التخبّط.. فيضطّرُ مجبراً إلى سحب عربته الوهمية quot;الزمنquot; وهذا ليس شكّاً كما خامرُهُ (في أنَّ آخرينَ يجرّون عربات أخرى إلى المجهول) (ص49) الذي لا كوَّة فيه ولا أمل، وإنْ كانت هناك كُوَّة (أما إلى أينَ تؤدي تلك الكوَّة، فأمرٌ يجهله الجميع) (ص 68) ووسط هذا الإنسحاق تتألّق فكرةٌ للتمرد - ولو بفسحةٍ صغيرةٍ ndash; على الأشياء المُسْتلَبة معاً، لأنَّه من الممكن أنْ يحمل كل شيء صفة جبان (هذه الأرض، هذه السماء، هذه الدنيا، بأكملها أمّا الإنسان فلا..) (ص21) وعلى هذا الإنسان في وضع كهذا أن يكون شجاعاً وهو يختار ميتته (خصوصا إذا لَمْ يبق ثمَّةَ مجالٍ لتجاوز الاختبار) (ص31) ويعلو صوته المسحوق الرافض (أيَّتُها الكلاب، أيّتُها الوحـوش، أيُّها الحمقى، إلى متى سيبقى هذا الطـين؟) (ص49) وهو يعرف بأنه ليس في حلمٍ، بل في كابوس، تكون المدينة فيه قد ذابت في دمائه وأصبحت جزءاً من تأريخه الذي بوسع الجميع أنْ يقرؤوه على شكل لوحات مبعثرة في كل مكان، وهذا (التاريخ الذي يسير على رجل واحدة، وأنّه من المحتمل أن ينزلق في مسيرة فتبقى الأشياء مجرد أشكال هلامية) (ص10) أشكال تعني مسخاً لذاكرة تنتكس بين لحظة وأخرى، وتعني إغتراباً وانسحاقاً جديدين كلّما ازداد الليل ظلاما وزاد الطين كثافةً وتخبّطاً، وسيكون العالم العدو الوحيد له، ولذلك عليه أن ينزل المعركة وحيداً مع هذا العالم.. وهي محاولة للتمرد على صورة تلك الهزيمة وعلى تلك الحقيقة كونه (كالآخرين لا يمثّل إلا الفشل) (ص127) وكأنّه صدى لإنكسار النفسية العربية بعد النكسة التي ألقت بظلامها على مجموعة (صهيل المارة حول العالم) بكاملها عام (1968)، فتحسّ بأنَّ شخوص قصصها يمكن إعتبارها شخصا واحداً هو الإنسان المثقف المسحوق الذي يحمل نفس الملامح والحزن ويعاني من الإحباط في مواجهة واقع يحاول تعريته من كلّ شيء، وتتأكّد هذه المسألة في المجموعات اللاحقة لـ (صهيل المارة حول العالم) وصولا إلى (مملكة الانعكاسات الضوئية) محاولاً فيها اللجوء إلى عالم آخرَ، عالم الميثولوجيا، هارباً من حاضر مريض وأفراد لا هويّة لهم ولا ملامحَ تدلّ عليهم، ويتسلّل من زمنٍ لا جذور فيه إلى أغوار الماضي لإحضار بهائه وأسطرته والتعويض به عن خسارات الحاضر وفقداناته المرسومتين على الجسد الهشّ والمنثورتين على طينه اللزج، عابراً نحو مستقبل منشود، وإن كان على الورق فقط لتضعنا عناوين القصص التالية لـ (صهيل المارة) أمام تأكيد آخرَ على ذلك الانسحاق والعزلة السائرتين قدماً نحو الهروب إلى عالم الأساطير، حتى لو كانت تنطوي على فكرة الموت خلاصاً في المجموعة الأولى والموت خلوداً في المجموعة الأخيرة فلاحظ معي :
من الكوابيس إلى الأحلام:
1.صهيل المارة حول العالم (قصص68):- الليل والطين / إسطوانة الزمن / إذا فقد الملح طعمه / أيام مثقوبة / صهيل المارة حول العالم...
2.جيفارا عاد أفتحوا الأبواب (مسرح1971):- نجنسكي ساعة رقصة مع الربّ / جيفارا عاد.. / غرقوا في الظلمة.
3.زليخة البعد يقترب (قصص 1974):- معسكر الاعتقال الصحراوي/ الرجل الذي كانت روحه عارية /سفر الجسد الأخير/سفرة حول المقبرة/ الطيور المهاجرة غرباً تأخرتْ..
4.شفاه حزينة المسرحيات (مسرح 1979):- أيُّها المشاهد جد عنواناً لهذه المسرحية / في انتظار عودة الأبناء الذين لم يعودوا إلى الوطن ثانية / غداً يجب أن أرحل / زفير الصحراء / هي حروب طروادة أخرى / شفاه حزينة..
5.في زورق واحد (قصص 1985):- أنا لمن وضد من / أوه، أنّها طيور بائسة / مَن الذي قتل كرومويل / خريف امرأة / الجذر التربيعي للألم / هذا السهر الإنتحاري / الفتاة التي أرادت أنْ تصعد إلى جلجلة.
6.وداعاً أيُّها الشعراء (مسرح 1988):- خريف مبكر/ مرحباً أيتها الطمأنينة/ ربيع متأخر..
7.ومضات من خلال موشور الذاكرة (مسرح 1990):- الليلة الأخيرة للوركا / مدينة مدجّجة بالسكاكين / إنهزامية حزينة / ومضات من خلال موشور الذاكرة..
8.وأخيراً مملكة الإنعكاسات الضوئية (قصص 1995):- غابة من الأحلام / أحلام بيضاء / هذا الحلم الوديع / الميثوبي / مملكة الانعكاسات الضوئية / توهّج بلازما الخيال / أُمسية قصيرة مع الأمير.
عابرين من تلك الكوابيس إلى أحلام أسطرة الذات ومملكة صنع الأحلام الضوئية وطريقها الأمثل إلى اللاشعور، والى نافذة تطلّ على أعماق النفس المحملة بانكسارات قوى دافعة تعجز من رفض وقوع الظلم عليها من قوى مانعة تقود quot;جليلquot; نحو الداخل وأسطرة الراوي حتى ولو بالإنتحار الذي يرمز إلى الموت ndash; غصباً ndash; بأبعاده الرمزية والمثالية والتركيبية وبأشكاله المتعدّدة حيث ينطلق جليل القيسي الكاتب من أزمته الذاتية، سارداً بضمير المتكلّم حـواراته أو تناصاته مع الآخر الذي يعيش ذات الأزمة وكأنَّ ديستويفسكي / كافكا / سرفانتس / نجنسكي / الحلاج / علي بن محمد / كوبرنيكوس / سيمون بوليفار / شكسبير / موزارت / ماركس / و(الآلهة التي ترسم أقدارَ البشر): آلهة العطاء والغلال الوفير والعدل... و... و.. بمثابة بوابة يدخل فيها القصّاص المجهول والمسرحي القاص آلامه وإحباطاته القديمة ليجد مَنْ يشاركه تلك الإحباطات بنهايةٍ جديدة مفتوحة كالأفق الدامي أو كالأفق المقفل على سلسلة من الخيبات ؛ المحاصرة والمؤرخة لإنتكاساتٍ تهيمن عليه وعلى مَنْ يشاركه، وكأنّه قرين أو حصيلة تماثل إسقاطي، ينسلخ فيه جليل القيسي عن تأريخه المليء بالكوابيس.. والتمرّد ويؤرّخ للآخر في آماله وآلامه ليماثل نفسه تماماً حتى يصل إلى تماهي السرد الذاتي والموضوعي، وكأن الكاتب هو السارد غير المتدخل في روي نزيفه.. حتى الأسطرة الأكيدة للألم، وتبلغ أسطرة الذات بأنّه يطلق على نفسه quot;الميثوبيquot; صانع الأساطير، الصانع الذي يتناص مع نفسه ملتصقاً بتناصٍ مع خطاب الآخر الذي يظهر بسيرته مندمجاً بسيرة الميثوبي حتى إذا أرادت أن تعزل شخصية الميثوبي (جليل القيسي) عن الآخر (المنشطر ndash; الملتصق) لَمْ يبق من النص شيئاً وكأن النص كتب من أجل كاتب النص ومن أجل عالمه المغلق الذي لا يريد هذه المخلوقات أن تشاركه فيه وما عليها سوى القراءة والتطلع نحو البدايات والنهايات، نحو بدء الحكاية وإنتهائها، أعني الأسطورة التي هي عين النهاية والبداية، وهي ذلك الرمز السرّي الممتد من الماضي إلى المستقبل مرتكزاً على حاضرٍ عاجزٍ عن فهم اللغز أو الرمز بل يعجز عن فهم نسيج الجدب المتشعّب في خلاياه، أملاً بالإنعتاق من حجابه المظلم والإنعتاق من سوء الفهم الناشئ من وجود الكلّ في دائرة الكلّ بتشابكٍ ليلي، وبالإنسحاق للغة والحياة أيضاً، مردّداً مع شيلي (كيف يمكنك أن تسمع وأنت لا تعرف لغة الموتى) الموتى المنتشرين في كلّ المدائن المقترحة في مدينته آرنجا المرسومة خطأً والتي تغفو في الثامنة مساء، حيث لا أفراح فيها ولا هناءات يحاصرها زمن محدّد ومكانٌ شبه خاوٍ، مهجور باستثناء نارها الأقدم في فنارات التأريخ البشري والموجودة لإرشاد الضائعين، ومنهم هذه الآلهة الهابطة على الجسر ( كروحِ الخمر الخفية)... الآلهة القاصرة عن فهمه، رغم أنها آلهة الفطنة والذكاء والماء العذب، فيضطر إلى البوح (ليس المهم أنْ تكون معي بل المهم أنْ تفهمني وأنت تستمع إليّ ولكي تفهمني وأنت تستمع إلي، يجب أن يكون لديك يقين هادئ، ولا يكون لديه يقين الهادئ والفهم إلا بتعريض شخصيته إلى مزيد من النور) وبأسطرة كوابيسه وتحويلها إلى أحلام ترضى الرغبات المكبوتة وتطلق الأفكار من هيمنة العقل الواعي (كما يقول فرويد).. نحو خيالٍ مجنح (يستطيع أنْ يلامس كل حوافي وضفاف العالم) , واصلاً إلى لا زمنيته بطرد الواقع وساعته وزمنه المحاصر بعقارب كسيحةٍ وميناء لاسمة فيه يجتازه (بقوة سحرية) إلى اللاشعور والزمن المساويين للأسطورة في بعض الأحيان: (قلت مع نفسي يا صحاري اللاشعور.. هل حقاً أنا جليل القيسي في هذا المجمّع المقدس، ترى هل اللازمنية نتاجُ زمنٍ معين)، وفي عبوره من الزمنية إلى اللازمنية يحول المكان إلى اللامكان ويدمج المسمّيات ويدمّرُها تحت اللامسمّى فالقصة هي المسرح، والمسرح هو شعر الحياة مختزلاً الفواصل الوهمية بين المسمّيات أعلاه ولاجئاً إلى ملاذِ يحميه معتكفاً نحو الذات وأسطرتها كوسيلة للهروب من الضغوطات والكائنات التي تحاول تهشيمه وتهشيم لغزه وتفكيك متاهته وحيرته لتحويله إلى هامشٍ لا ساحل له ولا متن.
أسئلة في طريق الأسطرة:
1.كيف سيقيم علاقة متكافئة مع الآخر اللامسمّى خالية من الإضطهاد، والوحشية التي تحوّل الإنسان إلى حنجرةٍ تصهل في أزقة الخراب الممسوخة وتحوله إلى معادل موضوعي لأيدٍٍ وهمية تحاول أنْ تطمس تأريخ كل شيء وتحجب وجه القطارات المتناوبة بالصعود والنزول؟
- سيضعَ عناصر سيرته كبديلٍ لكلّ العناصر الموضوعية ويحول حياتَه إلى مناجاةٍ لذلك المعادل الموضوعي المهدور!
2- هل يلجأ إلى عزلته، العزلة التي هي الوجه الآخر للأسطورة؟
-حين يحس باللاّجدوى من وراء تلك المحاولات التي تجعله عالماً مصغّراً من عزلة هذا العالم الكبير quot;اللغزquot; سيرضى بأنَّ (العزلة والضعف الإنساني أحياناً نعمة).
3. إلى أين تقود العزلةُ حين يخترقها أحدٌ ما؟
- حين يعجز بالإحتفاظ بتلك العزلة (المشاعة لأنّه كاتب) سيلجأ إلى فكرةٍ مشاعةٍ أيضاً، فكرة الموت.. والموتُ عزلةٌ أخرى، الموتُ بكل الطرق والأشكال والوسائل، الموت الشبيه بموت الآخر (القرين) : مثلا فان كوخ = الإنتحار ؛ إنتحار الفكرة.. أو القتل = لوركا والعكس هو الصحيح قتل الفكرة والنور أيضاً أو الانتظار المساوي لكل شيء الموت البطيء، الإستلاب، التغرّب، والإضطهاد المفروض من الخارج، والمحو لأسم المدينة الأصلي quot;أَربخا وتحويلها إلى quot;آرنجاquot; وبذلك تتعرض لإستلابٍ ومسخٍ غير مقصود وبالنتيجة سيكون مسخاً للزمن والمكان لتصحو المدينة على اللامكان , والميثوبي على زمن يصنع الأساطير ويطارده (الخريف المبكّر والربيع المتأخّر) وتحاصرُهُ نهايات قصصه ومسرحياته حيث العودة والرحيل المساويان (لموت الكلمة) : (وداعاً.. تذكرني مع شوبرت) / (وداعاً جروشنكا وداعاً اليوشا) / (غادرت معبد نابوشناي إلى آرنجا الحبيبة) / وهذه النهايات تساوي ولادة زمن ميت، أو توديع لمكانٍ آخر مليء بالفراغ والخيبة.. (الموت العلني).. والموت المعلن المخفي في كل ما تقدم!
4. كيف يرى الحلم أعني كابوسه؟
- سيودع حلمه إلى كابوس مهذب يجلس على مصطبة تحت شجرة سرو في ظهيرة خريفية حزينة يتملّى الأرض المليئة بالأوراق الصفر الذابلة المتناصة مع (الخريف وهو يسرع لأن يصبح ذهباً) والمساوية لـ (جليل القاص والمسرحي والميثوبي والراثي) لربيع ذي فراشات ساقطة والمذكَّر بميتاتٍ متشابهة ومبكّرة، في إنتظار العودة من أمكنة الحلم الشبيه بمصائد الموت المؤسطرة للكابوس الأخير ! والمسيطرة على سياق الأحداث والفعل والصراع بين الذات والذات الأخرى أو بين قوتين مضادتين تتقاسمان مسرح الأحداث، وتصعد بالميثوبي الخريفي إلى عالم آخر يمتزج فيه الواقع بالخيال (أو ليس المنطق أحياناً أحمق؟ الخيال هذا الهروب غير المرئي من الطبيعة الحالمة هو الحكم الحقيقي) ليلتقي مع هيراقليطس ويهتف: - (هل عمَّ السلام العالم؟)
ختام الكابوس:
(مسكينٌ حتى أحلامه كانت معارك.. ترى لماذا هذا الهوس؟ كيف تأتّي لهذا المعذّب فكرة إعادة العدل إلى الأرض؟ من أين كان يستمد هذا الحالم الهزيل كلّ تلك الإرادة الفولاذية والصبر والانضباط النفسي في المواقف اللامعقولة التي يقحم نفسه فيها، أو تلك التي كان يقحمه فيها رغماً عنه).
مقطع من أحلام الفارس الحزين دونكيشوت / مجموعة في زورق واحد (1968) فهل كان الشاهد على ثلاثين عاماً ببغاء خرساء تردّد ألم القتلى في مرآة مشروخة؟!
رعد مطشر - كركوك
التعليقات