أمامي،
قبل قرون اطول من خيط شمعة، رفع الجندي المنتصر كأس نشوته عاليا، وهو يجلس على علبة الصفيح، مترنماباغنيةٍ فارسيةٍ مكتظةٍ بالرمل. طوال صوته، المصاب بعدوى اللهيب، وحمى الاسلاك، رأيتُ أني لم أكـن طرفا في هذا الخيط الذي يروم اشعاله بعود ثقاب، لكنني ساكـون، بعد انطفائه، ذرة من الرماد، وساتلوى، في احشاء الريح، بين المنافي، حتى يضيع دمي بين المشاعل والحرائق.

أمامي الآن،
بعد قرون اقصر من خيط شمعة: جندي آخر يرفع كأس نشوته عاليا، وهو يترنم بأغنية اميركية مكتظة بالنفط: لم أره من قبل، الا أنني لكثرة ماجلس امامي، على علبة الصفيح، من فاتحين،
أحدس ما سيفعله: سيقوم منتصبا، ويحل أزرار بنطاله، ليبول على اجسادنا، في الخندق، أمامه، ثم يرحل، فجأة، تاركا على علبة الصفيح، كأسه المليئة حد النصف.

كما أنني أعرف طوية المخذول، وأحفظ، عن ظهر قلب، شكل الزلزال الذي ضرب حـِجر سريرته: سينظر الى الكاس مليا، ومن ثم يزحف نحو نصفها الفارغ، لكنه ما أن يمد يده ليشرب، حتى يصبح طرفا من هذا الخيط، الذي سيشتعل ويشتعل، كلما خطرتْ في خياله النارُ..

سليمانية / نيسان 2003