كان يسير مع جنان في الممر المؤدي الى الندوة. وكانت حنان قادمة هي الاخرى، تحمل كوبا شفافا من الشاي في يدها وترتدي ثوبا شمسي اللون يصل الى قدميها، انعكس اللون الشمسي على وجهها فأشرقت بابتسامة حنونة. ظلت تسير وبقيا يسيران. وصل الثلاثة قرب بعضهم. واصبحت اقدامهم على الخط الارضي نفسه.
ألقت التحية عليهما فرد مقتضبا... ولم تستطع جنان ان تردالسلام... سوى بعينيها... مضيا الى قاعة الندوة... ومضت في طريقها الى غرفتها... وهي فرحة بكوب الشاي الذي كان يهتز في يدها.

....

قبل ان يدخل الى قاعة الندوة، وقف عند الباب ادار راسه نحو الممر الازرق.. فرأى صاحبة الضوء وظلها الشمسي... الذي يحمل كوبا من الشاي، قدغاب وذهب الى مكانه المعتاد. كان قد تعود ان يتأخر قليلا حتى يبقى الاخرين في انتظاره، دخل الندوة متجهم الوجه، قام الجميع وجلسوا حين جلس. بدأيرتب الكلام في دماغه قبل الوصول ، الى شفتيه.. بدأيتحدث عن الندوات العلمية وضرورة أقامتها.. وفوائدها... صمت قليلا ثم القى نظرة متفحصة، معرية جميع النساء في القاعة.. تذكر نكتة طريفة تتحدث عن مواء القطط الغريب في شهر اذار... كان يريد اضحاك اكبر عدد ممكن من النساءالمجتعات... للاستماع اليه.. هكذا استدار من موضوع فوائد الندوة العلمية، الى مواء القطط العجيب في شهر اذار.
....

أنتهت الندوة. وعادت الفتاةالخمرية اللون الى غرفتها، جلست مقابل طاولة حنان... وبدأت تتحدث عن الندوة التي أدراتها مع مدير الشعبة الهندسية. قالت أن الجميع قد أعجبوا بها وبحديثها. كانت حنان تنظر الى الظهيرة المشمسة خلف النافذة وتستمع الى جنان... وهي تتحدث عن مناقبها التي أخفتها صوت الاذان... الاتي من الجامع القريب ورنين الهاتف الموضوع على طاولة حنان ، كانت سكرتيرة المدير على الطرف الاخر من الهاتف.. تطلب جنان قالت حنان لجنان
-عيني مدير الهندسية يريدج

تأوهت جنان مثل صورة قطتها المعلقة على الجدار.. خلف طاولتها، وبقيت تأكل الكيكة التي اخرجتها من حقيبتها للتو غير ابهة بالمدير الذي طلبها. قالت لها حنان مرة اخرى
ـ المدير يطلبك
أجابت جنان بدلال مفتعل
ـ وماذا يعني أريد أن أكمل كيكتي
كانت جنان متأكدة من عودة رنين الهاتف... ظلت تأكل الكيكة ببطء شديد وحنان تنظر أليها بغيظ أشد، دق الهاتف مرة أخرى وكان المدير قد عاد في طلب جنان، أوحت جنان للجميع بأنها والمدير على علاقة خاصة ومختلفة عنهم... والوحيدة التي يهتم بها ويناقشها، في عملها الهندسي... وهي الوحيدة التي تأتي وقت ماتشاء وساعة ماتشاء.... وقد قررت أن تتخذ يوم السبت عطلتها الرسمية، من دون ضجر بارك لها هذا القرار. كان اللغط الذي يدور حولهما كبيرا جدا... مما أفرح جنان.
....
أنطلقت الاشاعة لتملأ أفق العمل... ولتصبح شغل الاخرين المسلي... كأيةقصة حب مسلية. قيل ( زوجته السرية لابل عشيقته )...
قامت جنان وهي تتأوه وتسير بغنج متعمد، التفتت صوب حنان وهي تتمطى كالقطة... وقالت لها
ـ أذا اتصل احد يسأل عني قولي له عند المدير.
........

فتحت جنان الباب وأغلقته، بعنف سمع صوته... ظلت تسير ببطء، وحولت الثواني للوصول الى الكرسي الى دقائق متثائبة...
جلست تنظر اليه... وقالت له بغضب
ـ لماذا أرسلت في طلبي وقد خرجنا للتو من الندوة
ـ أشتقت أليك...
أبتسمت وقد شعرت بذلك الغرور الذي يصيب الانثى، حينما تشعر بأن امامها انسانا لايستطيع مقاومتها... كان يبقيها في غرفته ساعات طوال. يحدثها عن الحب.. وعن العمل.. وعن الرسوم الهندسية... وعن أهم شئ الا وهو الحب الذي يربطهما. وكيف أنه يأرق حين يتذكرها، فيقف قرب النافذة ليلا... يستحضر روحها لتأتي أليه... ومرة تمنى أن يتصل بها هاتفيا في الساعة الثالثة ليلا.. وقد حاول فأدار الرقم على بيتها. لكن صوت والدها الذي سمعه على الهاتف، قد أخافه فأغلق الهاتف، كان يقول لها أن صباحاته السعيدة... سعيدة بوجودها، فحين تغيب عن غرفتها.. وعن الممر.. وعن كأس الشاي... يصاب بأكتئاب شديد.
كانت تتأوه وترفض.. وتفتح له كل الاشارات القريبة، من لون حديقة الارض.. ومن سلوك قطتها التي تعيش في غرفتها.. فتبدأ من الغنج الى الدلال... ألى التمنع.. وتصل الى الرضا.. والى أعلان الحب كنتيجة حتمية بينهما. ولم تكن تتوقف، عند أية أشارة حمراء الا حينما يمس عملها، أو يذكر أسم أمراة أخرى أمامها، وخصوصا حنان، كانت الغيرة من تلك الفتاة، تشعلها ولاتعرف سببا وجيها لتلك الغيرة.
كان هناك أحساس غامض كلما ذكر... أسم حنان على شفتيه، كان الجميع خارج غرفة المدير ينتظرون.. الدخول.. فمنذ زمن والرجل في حديث هامس... والبلب المغلق يثير خيال المحرمات عند الجميع. خرجت من غرفته وقد علت عيونها لمعة.. كانت فرحة بأحتراق الانسان الذي تركته هائما على كرسيه الدوار... يراها وهي تغادر الغرفة وتغلق الباب وراءها خرجت ونظرت مبتسمة الى الجميع.. الذين كانوا في أنتظار أنجاز اعمالهم... همست في سرها وقالت ضحكت عليه...
..........

سارت في الممر الازرق.. تغني ( زيديني عشقا زيديني ياأحلى نوبات جنوني) مدت يدها نحو خصلات شعرها ألاسود الغامق القصير... لتبثه رسالة الرضا ولعبة الانوثة. حين أغلقت الباب واختفت، بقي وحده يتأمل حديثه الخالي من المشاعر، الملئ بالحب والغزل، طوال ساعات.. نظر من النافذة فرأها، تحمل حقيبتها... لفت نظره شعرها القصير جدا.. سأل نفسه، كيف استطاع أن يحدثها، عن الحب.. واللوعة... وشرب الخمر... وهو الذي ماأن يضع رأسه على الوسادة، حتى يشخرشخيرا قويا موقظا زوجته، كان فرحا بتلك الاشاعة، التي سرت بين الجميع وقد غطت باطنه الاخر... كيف خرج كلام الحب من فمه لامرأة لايحبها. ردد مع نفسه
( المرأة تحب الرجل الذي يكون مرحا معها.. ويمنحها الحب حتى لو كذب عليها... )
لذا لم يشعر بشئ، عدا فرحته في تعدد الحبيبات والعشيقات.
...........

في نها ر السبت، أعتاد أن يمر صباحا على غرفة المهندسات الفارغة من جنان وحنان.......... كان يستفسر عن غيابهما ويبدي أنزعاجه الظاهري... بعده كان يخرج بحجة الذهاب الى المستشفى، لاجراء فحوصات طبية، أعتاد ذلك اليوم.. أن ينطلق بسيارته ليقف، قرب محطة القطار، حيث تركب معه فتاة ترتدي ثوبا شمسي اللون، تضع على رأسها شالاأسود، وتحجب عينيها بنظارات بنية اللون، كان يقود سيارته ليذهب معها الى بيتهم الصغير، في المحمودية.. كانت حنان تحب البيوت البيض، وكان مهرها بيتا أبيض اللون، أحبها وتزوجها سرا ولم يلحظ... أحد في العمل غياب حنان يوم السبت، فقد كان الجميع مشغولين بقصته مع (جنان). غيابه السبتي يثير لغطا كبيرا... وغياب حنان التي لم تدخل ولمرة، واحدة على مديرها لم يثر لغطا أبدا.
..................

في العلن هناك حياة... وفي السر هناك حياة أخرىخافية على عيون المتلصصين... والسر كالحلم تراه وحيدا.. لاأحد من البشر، يشاركك هذا السر.. حين تنام وحين تحلم، الصفقات تتم في السر، والزواج يتم أحيانافي السر، الالعبة الحب، اللعبة الوحيدة، التي ترفض وضعها بين الاقواس السرية، وقصص العب في الحب كبيرة وكثيرة، جنان كانت نائمة في سبتها.. فرحة بأنها أصبحت حكاية الجميع.. وحنان كانت حزينة لقصتها التي الت الى السر جدا... جدا... جدا
zein52@hotmail. com
كاتبة عراقية