رؤية انثربولوجية

مقدمة

هذه الدراسة ليست دراسة مخصصة لدراسة الوضع المجتمعي لفئة معينة من المجتمع وليست دراسة طقوس فئة معينة من المجتمع العراقي، وانما هي دراسة الطقوس كظاهرة في المجتمع العراقي بشكل عام وعلاقتها بعملية التحول من الطقسي الى المسرحي، و بالمنجز المسرحي بشكل عام، وانطلاقا من كوني معنيا بالعملية الاخراجية ومصادر العرض المسرحي اقدم هذه الدراسة. المسرح كما الطقوس، يشكلان في كثير من الاحيان التاريخ الجمعي للمجتمع، تاريخ وشكل تطوره، ان المسرح وبالضرورة يستعير طرق تعبيره ورموزه وشخصياته من الاشكال الطقسية، الدينية منها والمدنية. ان حركة المجتمع بكل مفاصله الحركية والتعبيرية والاحتفالية تشكل مرجعا للدراما.
تخضع الطقوس في المشهد العراقي - في كثير من الاحيان- لتاثير شخصيات روحية، او فوقية متفوقة، و تلجا هذه الطقوس في اغلب الاحيان الى الخيال والترميز وتستخدم الصور الحية المتحركة. او تكتفي بالسرد المباشر احيانا
عادة ما تاتي الطقوس في المشهد العراقي استجابة للتجربة الدينية والسياسية -وعادة- ما تعبرعن المقدس فيها، وتكون الموسيقى الايقاعية والحركة الحرة هي من اول اشكال وايقاع هذه الطقوس، وبتاثير الايديولوجيات الدينية والسياسية تحولت معضم هذه الطقوس الى طقوس مقننة تجري تحت ضوابط وقواعد مرسومة- وذلك، كي لا تخرج من الاطر* التعبوية* التي تكونت من اجلها تلك الطقوس- حاملة في كنفها في الوقت نفسه كم كبير من المحرمات الضمنية الغير مرئية والتي يستجيب لها المرء ويخضع لقوانينها خوفا من المقدس او من العقاب. ترتبط غالبية هذه الطقوس كما ذكرت، بشكل مباشر بالنظام الديني، حيث تعمل- هذه الطقوس-
على توضيح معتقداته -اي الدين- وتدخل في صلب تكوينه، وهما يشكلان حالة ديمومة لبعضهما البعض، فالزيارت الدينية واحتفالات الاستذكار الديني واشكال العزاء الديني، كلها تصب في منظومة التذكير بقدسية ووجود الدين كقوة منظمة ومهيمنة على الشان الاخلاقي والاجتماعي العام. وتحاول الطقوس- وخصوصا في العراق- ان تحافض على هذا النضام الديني لمنعه من الانهيار من خلال التذكير بطقوسه ورموزه الطقسية، و تفقد هذا الطقوس كل مقوماتها اذا انهار النظام الديني وتتحول بالضرورةالى ممارسة دنيوية تنتمي الى نوع اخر من الظواهر الاجتماعية .
الدين هنا، اذن، هو الذي يضع ويصنف ويشفر، كودات ومعاني و رموز تلك الطقوس وهو الذي يحدد العلاقات، شكلها، طبيعتها، هو الذي يصنف المحرمات، حتى على مستوى النظم الاجتماعية، ويحضر استعمال تلك الكودات والرموز خارج الاطر التي حددها الدين مسبقا، فتلك الكودات تنتمي الى الكودات *المقدسة* المرتبطة بشكل مباشر بذلك الطقس *المقدس*.

آلية عملية التحول من الذهني الى المادي في المشهد المسرحي العراقي

إن الحالة التمثيلية هي حالة قد تعبرفي بعض الاحيان عن منطق و جهد فرديين، ولكن الطقس هو حالة جماعية، ويجب النظر هنا، عن نوعية تلك المؤثرات التي اثرت في تلك المجاميع وبالتالي اثرت على تكوين تلك الطقوس، من الناحية الشكلية والادائية.ان منطق خلق الشخصية وبناء الاسس الادائية في المسرح وبناء المكان وخلق الزمان ليس هو بالضرورة نفس منطق الطقوس التكويني ومنطق مكانها وزمانها الخارجيين.ان عملية تحول بعض اشكال الطقوس او محاولة مسرحتها، عادة ما تخضع للمؤثر الثقافي والايديولوجي المحلي، ولمشروع الاسلبة في عملية تحول كودات ورموز هذه الطقوس، من مكان خاضع لرؤية عفوية او خاضع لرؤية ايديولوجية، الى مكان اخر يخضع الى رؤية شرطية،
وقد تفقد تلك الرموز جذورها واتصالاتها في الذاكرة الجمعية في عملية التحول هذه وتاخذ شكلا بعيد كل البعد عن الطقس المحلي. quot;ان الحركة التي تتشكل في الفراغ تنم عن طريقة تفكير ما، وكانها حركة مجسدة للفكر وتبدو جلية، ويمكن للممثل ان يبدء نقطة انطلاق من العضوي او من الذهني، سيان، طالما انه يمر من احدهما الى الاخر مشكلا بذلك وحدة لا تتجزء، ان الحضور وان كان في ظاهره بدنيا الا ان جذوره تؤكد وجود مرادف غير بدني، أي ذهني quot; .

انه عادة ما يتم التعامل مع الطقس في -عملية التحول- كخزين رمزي ومعرفي، بشكل احاي الجانب، فعندما يتم تقديم او عرض المادي من الطقس، يتم في الوقت نفسه استبعاد الذهني بشكل تلقائي، وفي كثير من الاحيان يتم فبركة رموزمختلقة تعبر عن هذا الخزين الذهني المغيب، اي ان الوحدة الذهنية والمادية المعبرة عن جوهر الطقس لم تقدم بشكل مكتمل في حالات المسرحة. الرمز هو اصغر وحدة في الطقس والتي بدورها تحتفض بالخواص المحددة للسلوك الطقسي، quot; انها وحدة حافضة، او خزين ممتلئ بكم وافر من المعلوماتquot;. وهذا ما نبحث عنه، الخزين المرئي والغير مرئي، تلك الادواة، والصور، وحوافز الفكر، والحركة، والالوان، والشخصيات المتنوعة، والتي بدورها قد تحرك ديمومة الخلق المسرحي، شكلا ومضمونا.

ان العديد من هذه الطقوس الدينية تحمل في خزينها الكثير من الوحدات الرمزية والتجريدية واشكالا تتنوع بين البصرية والسردية. العرس هو واحد من هذه الاشكال التقليدية في المشهد العراقي، احتفال يمتزج فية الديني والاضحوي، يحركه في الغالب الواعز الديني، تكتنفه الكثير من الرموز التعبيرية والكثير من التابو، فمعاني الرموز متعددة الاوجه والغايات، شكلها الخارجي يعززوحدة منظومة الاخلاق المحلية، وداخله يعزز مكانه السلطة الدينية ويحافض عل هيكلها.فما زال خزينه حكرالطقس نفسه، ولكننا اذ راينا بعض رموزه ممسرحة، فاننا نرى اشياء مجتزءة، تعبر عن الشيئ المجتزء نفسه، وتغفل الماهية التي من اجلها اكتسب تلك القيمة، من قيمة الاحتفال نفسه.

عادة ماينظر الى الرموز كاشياء، بمعزل عن الحدث، وعن علاقتها بحالة صيرورة المجتمع وتطوره.وبالتالي تفقد تلك الرموزقيمتها الدلالية، النابعة من حدث شامل، مكتمل بكل رموزه واشكاله وتكويناته المختلفة. يقول فيكتور تورنر، بهذا الصدد،
quot;لا استطيع تحليل الرموز بدون دراستها في متتاليات وقتية، في الصلة فيما يتعلق بعلاقتها بالاحداث الاخرى، معتبرا ان الرموز، ايضا كحدث، بدلا من اعتباره شيئ. لان الرموز متداخلة بشكل جوهري في العملية المجتمعية. quot;

ان شكل الخاتم الدائري، قد لا يثير الكثير اذا اجتزء من حالة شاملة-احتفال الزواج- وقدم على انه خاتم فقط، ولكنه ضمن محتوى شامل قد يمثل- بشكل رمزي- ابدية الحالة الجنسية والقدسي فيها، وقد لا يكون هذا في الشهد العراقي فقط، قد يعبر ايضا عن حالة الحصار والاغلاق، شكل يحفز ويثير الكثير من التساؤلات، على المستوى البصري والمستوى الذهني. وهناك تصنيف واضح للالوان ومعانيه في هذا الاحتفال، فجاء اللون الابيض معبرا عن عذرية المراة وحالة الطهارة والصفاء التي تتمثل في هذا اللون، وياتي اللون الاحمر، حيث اعتاد المحتفلون في هذا الطقس ان يرو لون الدم، يغطي الملائة البيضاء بعد دخول الرجل على زوجته لاول مرة، ياتي اللون الاحمرهنا، مزدوج المعاني، فهو يعبر بشكل مجرد عن حالة فض البكارة من قبل الرجل وعذرية المراة قبل الزواج، ويعبر الاحمر ايضا عن الاضحية، -التي غالبا ما عبرت عن المحتوى الديني لكثير من الطقوس- ولكن بقيت الكثير من تلك الوحدات الرمزية، على مستوى التناول الفكري والمشهد البصري، حبيسة المشهد الطقسي بسبب حالة الاجتزاء اولا، وبسبب المقدس الذي تكتنفه الاسرار والمحرمات، ولم تشكل حالة استلهام يمكن استعارتها كاشكال غنية بالتعبير والتحفيز، و يعود ايضا الى حالة التابو المفروضة من المقدس والكامنة في الا وعي عند المجاميع وخصوصا فيما يتعلق التعامل مع الجنس والدم.

quot;فواقعة ان اعضاء المراة الجنسية هي مكام تدفق الدم الدوري كانت على الدوام تثير انفعال الرجال بشكل عجيب لانها تبدو مؤكدة الصلة الجلية في نضرهم بين الجنس واشكال العنف الاكثر تنوعاquot;وعادة ما يقوم المسرحي وتحت وطاة التابو المفروضة على المجتمع من- قبل المجتمع نفسه، ومن قبل المسرحي نفسه على ذاته- بالالتفاف على تلك الرموز وعلى الواقع، بغية التعبير عنه دون التعرض للمقدس ودون استثارة المؤسسة الدينية والسياسية وذلك بترميز الحدث الواقعي او الطقسي، بكودات مستعارة من ثقافات مختلفة، وعشوائية احيانا، ويصل المرء في كثير من الاحيان بترميز الرمز نفسه فيدور الباحث في عماية ترميز دائرية، تبدء من نقطة وتنتهي في نفس النقطة التي بدء منها، من دون الولوج في صلب الرمز ذاته، المعبر عن الطقس او الاحتفال وهذا يعزز الهوة الواقعة بين الموروث الطقسي والمشهد المسرحي المحلي.
وهذا بالضرورة يوثر بشكل جاد على عملية الخلق المسرحية ويصيبها بالشلل والفقر الصوري. ولهذا يعتمد الكثيرون في المشهد المسرحي العراقي الى استعارة الرموز الاجنبية لاسقاطها على المفاهيم المحلية هروبا من الرقيب الديني او السياسي. وبالتالي فان غالبية المسرحيون اعتمدو على المعايير والكودات الغربية في عملية فهم الية الخلق المسرحية وفي عملية اسقاط تلك الكودات على المشهد العراقي .
ان الكثير من مسارح العالم تحوي في طياتها اشكال وانماط ادائية استمدتها من الطقوس والاحتفالات المحلية معبرة عن الحالة السايكولوجية والسيسولوجية لذلك المجتمع، وعلى سبيل المثال فان quot; القفزة في الغرب هي حجر الاساس للراقص لانها تعبر عن الرغبة في التحليق بعيدا، بينما يميل الشرق الى الغوص في الاعماق والارتباط بالجذور، واذا كان هناك في اليابان ميل الى حجب الوجه عن طريق المكياج او ارتداء الاقنعة فذلك بهدف ابراز حركة القدمين بصورة اوضح.
quot; كذلك تحولت بعض الاحتفالات او الطقوس بمرور الزمن الى اشكال وانماط مسرحية كرقصة باريس المعروفة في جزيرة بالي والتي استمدت من التدريبات العسكرية، واستمد الكاتاكالي من الفنون القتالية الكلاريباياتو الكثير من اشكاله القتالية والتدريبية، وفي منطقة مانيبور وهي منطقة في شمال الهند هناك فنون قتالية اخرى كالتنجو والتاكوسارو والموكنا وقد اثرت الى حد بعيد على الرقصات التقليدية في تلك المنطقة.ان اعادة تمثيل ادواة ورموز الثقافات لا يقل اهمية من دراستها بشكل نضري، quot;وربما كان علينا ليس فقط دراستها وانما تقديمها او تمثيلها، وذلك من وجهة نضر انثروبولوجيةquot; .
( ان التعاون الذي تم بينوبيتر بروك والذي تم على اساسه تحويل الدراسة التي اعدها تيرنبول حول ال the mountain people الى سلسلة من الحلقات، اثارت اهتمام دارسي الانثروبوبوجيا حول، IK of Uganda امكانية تحويل بعض المعلومات الانثروبولوجية الى نص مسرحي ويقول فيكتور تيرنر ان quot;هذه التجربة اقنعتني بان العمل المشترك بين الانثربولوجيكل و عاملي المسرح ليس فقط ممكنا، وانما قد تكون ادواة اساسية في التعليمquot;. ويصف نهج التعاون بين الانثروبولوجيست وعاملي المسرح على المستويات العديدة في مشروع التمرين والاعداد، على ان يقدم الانثروبولوجيست لعاملي المسرح سلسلة من المعلومات الانثروبولوجية القابلة للعرض،
على ان يحول الى نص مسرحي اولي قابل للاشتغال المسرحي فيما بعد. استشعار الحوار، فهم اعدادات الاكسسوار، الدلالات الكلامية، تمتزج مع فهم الانثربولوجيست للمعاني الاجتماعية، المعايير اللغوية المحلية، والثقافة المادية. ويكون النص المقترح خاضعا للتعديل طوال فترة الاشتغال او التمرين، وستكون هناك حتمية مراجعة وتحليل للعناصر والتفاصيل الانثروبولوجية المقدمة لاعادة تمثيلها او تقديمها بشكل دائم، حيث يتم تركيبها ودمجها في العملية الدرامية التكوينية، والتي تحوي تراتبية مشهدية، وصل احداث وحوارات الشخصيات بالاحداث الماضية والحاضرة.ويقترح تيرنر مخرجا على معرفة بالاسس الانثربولوجية و خبير بالنضام الاجتماعي وبمسرح المجتمع المقترح التعامل معه.


[email protected]

Reference

1-anthrobology of theatre، collection essay، Barbra، Arabic version
2-، The drums of affliction A study of religious processes
among the Ndembu of Zambia. Oxford: Clarendon Press.
1968.
3-victor turner، from ritual to theatre، the human seriousness
of Play. New York. P21،

4- La violence et le sacre، Rene Girard، P 52، Arabic version،
translated by، Jihad howash..
5- Ferdinando tafiany. Anthropology of theatre. Collection essay.p212.