أعود اليكم بعد غياب طويل، وبعد مرض أشتد بي.
كل عام وانتم بخير، وشكراً للذين سألوا عني.
انتحر اليوم الجلاد غازي كنعان، فما الغرابة في ذلك؟
غازي كنعان انتحر أم نحروه، فالنتيجة واحدة!
جلاد نفق كما تنفق الكلاب الضالة في شوارع العراق من المنتحرين المفخخين.
جلاد أفاق فجأة، فوجد أن الضمير العربي والعالمي يحاصره ولا مفر فانتحر. أو أن النظام الذي صنعه وجد أن مهمته قد انتهت فنحره واستراح منه. ولكنه لم يكن كبش الفداء.
فلو انتحر الشعب العربي كله لما كان كبش فداء للنظام السوري الذي ارتكب من الجرائم بحق لبنان وحق العراق وحق العرب ما لا يمكن أن يُغفر له، ولو أُدخل جهنم مليون مرة وأُخرج منها ثم أُدخل فيها، ثم أُخرج منها.
فما لحق العرب من النظام السوري من أذى ومصائب وحرائق وتخلف لا يمكن أن يُعد ويُحصى. ويكفي النظام السوري ما فعله بالمعارضة السورية، وما فعله في لبنان والعراق وفلسطين، ومن قبلها الأردن وغيرها.
فشره عميم وخيره سقيم.
انتحار غازي كنعان أو نحره، وأنا ارجّح نحره لأن الجلادين جبناء لا يقدمون على الانتحار تكفيراً عما اقترفوه من جرائم، يعني أن جريمة مقتل الحرير قد ثبتت على القتلة.
أصحاب الضمائر الحية وحدهم هم الذين ينتحرون تكفيراً عما اقترفوه من جرائم.
فهل يمكن لابن لادن أو الظواهري أو الزرقاوي أن ينتحروا يوماً ما؟
هم بلا ضمير، وبلا عقل، وبلا ايمان، وبلا رحمة، وبلا انسانية، فكيف ينتحرون؟
الجلادون لا ينتحرون.
هل انتحر عبد الحميد السراج؟
هل انتحر صلاح نصر؟
هل انتحر محمد رسول الكيلاني ؟
هل انتحر حافظ الأسد؟
هل انتحر عبد الناصر؟
هل انتحر شاوشيسكو؟
هل انتحر ميلوسوفيتش؟
هل انتحر صدام حسين؟
هل انتحر مدير مخابرات عربي سابق، أو وزير داخلية جلاد من أنظمة القمع والديكتاتورية العربية؟
الجلادون لا ينتحرون لأنهم فقدوا الإحساس بالحياة والموت، لكثرة ما أعدموا من حيوات، وأهانوا من كرامات.
وغازي كنعان الجلاد في لبنان وسوريا كان واحداً من هؤلاء الأشقياء، فلما انتهى دورهم وأصبح وجودهم خطراً على النظام وسمعته، قالوا له توكل على الله. طلقة واحدة تكفي. هذا هو الثمن.
ما أرخص دم الجلادين لو كانوا يعلمون.
كان غازي كنعان من أولئك المجرمين المنتحرين الذين نراهم في شوارع العراق ينفقون بالسيارات المفخخة كما تنفق الكلاب الضالة.
نفوق غازي كنعان نفوق الكلاب على هذا النحو، ادانة كبيرة للنظام السوري ليس في مقتل الحريري ولكن في كل الجرائم التي ارتكبها النظام في سوريا ولبنان والعراق. فالأمر الأن لا يحتاج إلى تحقيق من ميليس أو من فيلس. فقد انكشف الغطاء وبان المستخبي. ووفر نفوق كنعان على ميليس عسر التحقيق، وجدل الفرقاء، ومضيعة الوقت في سين وجيم.
كاد المريب أن يقول خذوني.
فكيف يفسر النظام السوري نفوق غازي كنعان؟
لا تفسير إلا تفسير واحد. وهو أن كنعان وغيره من رجالات الحكم في سوريا هم (شباشب) النظام يخلعها النظام متى شاء ويلبسها متى شاء، وحسب مصلحته. وكان غازي كنعان أكثر هذه الشباشب اهتراءً الآن من كثرة ما رقع به النظام السوري معارضيه في سوريا ولبنان والعراق. فاهترأ.
هكذا بكل بساطة، ولد غازي كنعان ونفق.
وكان يوم ميلاده عسراًً، ونفوقه يسراً.
ولا رحمة للجلادين.