سواء انتحر الجلاد غازي كنعان أم نحروه فقد ثبت جرم اغتيال الحريري على سوريا حين تم تنفيذ حكم الإعدام بغازي كنعان. فقد بلغ الغباء بالحكم السوري أن دمغ نفسه بنفسه باعدام كنعان في جريمة اغتيال الحريري. وبعد ساعات من تنفيذ حكم الأعدام بغازي كنعان وتحت المحاصرة والضغط الأمريكي - الفرنسي خرج الإعلام السوري ومعلقو السلطة السورية (كوليت خوري، عماد الشعيبي، فايز صايغ وغيرهم) بسيناريو واحد محفوظ ومضحك ومخجل، وهو أن الجلاد كنعان قد انتحر نتيجة لحملات التشهير الإعلامية ضده في لبنان، ونتيجة لحالة الاكتئاب التي تلبّسته، وهو يرى أن انجازاته "العظيمة" في لبنان، قد تحولت إلى سباب وشتائم واتهام بجريمة مقتل الحريري.
فعلى من تسوق بعصاك يا موسى؟
لم نكن ندري أن الجلاد كنعان ربيب عهد الجلادين البعثيين في سوريا والذي بدأ حياته كجلاد بمجزرة حماة 1982 التي راح ضحيتها أكثر من عشرين ألفاً من السوريين، حساس ورهيف وخفيف تجاه حملات الإعلام المعادية له، وهو الرجل العسكري الحديدي المخابراتي الذي تموت الناس بين يديه خوفاً ورعباً لمجرد سماع اسمه، ولا يموت هو بين أيدي الإعلام، كما ادعى عبيد السلطة في دمشق.
كيف أصبح جلاد سوريا الأكبرفي لبنان، لمدة عشرين عاماً (1982-2002) ذا احساس رهيف وخفيف كاحساس الشعراء الرومانسيين الرقيقين، وهو وريث الجلاد الأشهرعبد الحميد السراج الذي وضع فرج الله الحلو الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في 1959 في برميل من الأسيد وأذابه كما يذوب قمع الآيس كريم في عهد الوحدة السورية – المصرية، وعلى مسمع ومرأى من سيده الطاغية عبد الناصر؟
كيف أصبح جلاد سوريا الأكبر، ذا احساس رهيف وخفيف كاحساس الصبايا الغافرات، وهو الذي قتل سليم اللوزي رئيس تحرير مجلة "الحوادث" اللبنانية بعد أن سلخ لحم ذراعه عن عظمه ووضعها في الأسيد كما فعل معلمه الأول السراج، ورماه في حرش في بيروت لتأكله الكلاب عام 1980؟
كيف أصبح جلاد سوريا الأكبر، ذا احساس رهيف وخفيف كاحساس الطيور الوادعة، وهو الذي قتل نقيب الصحافة اللبنانية رياض طه 1980، ومفتى لبنان الشيخ حسن خالد1989، والشيخ حليم تقي الدين رئيس القضاء المذهبي الدرزي 1983 ، ورينيه معوض رئيس الجمهورية اللبنانية 1989 وكمال جنبلاط الزعيم الدرزي 1977، وخطف ميشيل أبو جودة رئيس تحرير جريدة النهار وضربه وكسر أضلاعه؟
ومن؟ ومن؟ ومن؟ ومن؟ إلى آخر الزمان.
سلسلة طويلة من الاغتيالات والخطف والنسف والحرق.
وبعد أن صفّى الجلاد كنعان أعداء النظام السوري في لبنان، ومن ضمنهم الحريري، قالوا له:
باي باي.
انتهى دورك أيها الغبي.
وقامت محكمة النظام السوري بالحكم بالأعدام على الجلاد كنعان بدون محاكمة، وبدون شهود، وبدون محامين، وبدون دفاع، كما هي العادة دائماً وأبداً في محاكم النظم الديكتاتورية الشمولية التي لا تعرف للحق وجهاً، ولا للحقيقة طريقاً، ولا للعدل ميزاناً.
وهكذا يكون الجلاد كنعان أول المحكومين عليهم بالاعدام في جريمة اغتيال الحريري، والحبل على الجرار قريباً، وبالجملة.
فلو لم يكن الجلاد كنعان متهماً رئيساً لما تم اعدامه بهذه الطريقة. وقصة انتحاره المضحكة والصبيانية الذي سمعناها لا يمكن أن نصدقها ولا حتى في أفلام اسماعيل ياسين أو في مسرحيات غوار الطوشة. فلم يكن الجلاد كنعان بائع فلافل في دمشق حتى ينتحر بهذه السهولة، وفي مكتبه، وليس في أي مكان آخر، وهو في قمة سلطته الحديدية.
لقد كان الجلاد كنعان الرجل الحديدي الأقوى في النظام السوري. فكيف يتحول الحديد إلى حرير شفاف، تثنيه نسمات الصحافة اللبنانية الرقيقة بهذه السهولة، وينتحر من جراء تعليقات الصحافيين اللبنانيين، وهو الذي أرعب الصحافيين، وخطفهم، وقتلهم شر قتلة، كما فعل باللوزي ورياض طه وأبو جودة وسمير قصير ومي شدياق وغيرهم؟
ما يغيظ فعلاً ، هو تصريح فاروق الشرع وزير خارجية سوريا الأحمق، الذي حمّل الإعلام اللبناني مسؤولية نفوق الجلاد كنعان.
يا للمهزلة، ويا للبؤس، ويا لقلة العقل!
والسؤال الكبيرهنا:

- ولكن، من يتحمل مسؤولية هذا الصف الطويل من الإعلاميين اللبنانيين الذين راحوا ضحايا الجلاد كنعان؟
علينا أن نذكر، بأن نفوق الجلاد كنعان هو السطر الأول في قصة نهوض وسقوط نظام الحكم السوري، وستتلوه أسطر كثيرة، فانتظروا.
لقد فعل خيراً النظام السوري بقتله للجلاد كنعان، الذي كان لن يعدم إلا بيد جلاد أكبر منه، وقد سخر الله هذا الجلاد الآن انتقاماً لأرواح الأبرياء من الإعلاميين وغير الإعلاميين اللبنانيين الذي قضوا ضحايا لهذا الجلاد الأصغر وذاك الجلاد الأكبر.

ولا عزاء للجلادين اليوم وغداً.