حمى الانتخابات تلفح الوجوه الفلسطينية هذه الأيام، إعمال الآلية الانتخابية بعد فترة انغلاق قاتمة داخل الغلاف الصخري الذي يحيط بالنخبة السياسية والوصول إلى مرحلة ما يسمى التدوير النخبوي السياسي خطوة مهمة وكبيرة في عملية الإصلاح والتنمية، شاهدنا نشاطا سياسيا وتنظيريا في مرحلة الانتخابات البلدية السابقة والتي لم تستكمل بعد، وجاءت أخيرا بشائر الإعلان عن موعد شبه نهائي ومؤكد للانتخابات التشريعية التي استغلقت سنوات طويلة، ومنذ إعلان الرئيس أبو مازن اعتبار شهر ديسمبر موعدا لإجراء الانتخابات التشريعية حتى انتشر المرشحون الطامحون لمقاعد البرلمان في نشاط وسباق فعال، وليس عيبا أو خطأ أن تبدأ فتح إجراء انتخاباتها الداخلية لفرز مرشحيها، لكن يبدو المشهد الانتخابي الداخلي شبيها بكوميديا سوداء، يمكن للعين والعقل والأذن وكل الحواس أن تلتقط عشرات التعليقات والملاحظات التي تتعلق بهذه الانتخابات في الإجراء والمضمون والشكل، وأكثر ما يلفت الانتباه الحجم الهائل لعدد المرشحين الذين يتطلعون لتمثيل الشعب - وضع تحت كلمة الشعب خط احمر_ ومساندة قضاياه وهمومه ومعالجة مشكلاته الصحية والاقتصادية والتعليمية ودعم المحرومين وتبني قضايا الخريجين وفوق كل هذا محاربة الفساد، وفي أعلى الالويات مواجهة إسرائيل وبطشها، وبطبيعة الحال يدعي كل المرشحين أنهم على أتم الاستعداد والجاهزية والكفاءة لتحمل هذه المسئولية، هذا الزحف من قبل المرشحين لتمثيل فتح والشعب في البرلمان يبدو كحالة هستيرية تقدم نفسها كمشكلة في المنظومة القيمية والاجتماعية التي أصابت مجتمعنا بالذبحة الصدرية أكثر من كونها حالة وعي ومسئولية وطنية وخدمة المصالح العليا للشعب، بعض أسماء المرشحين لانتخابات البرايمرزم تشير إلى أن العدد الكبير منهم يمارسون مسئوليات وظيفية وتنظيمية وسياسية، وقد عانى الكثير من الناس _ وأكثرهم من أبناء فتح نفسها _ من سلوكهم المهني تارة ومن استعلائهم وعنجهيتهم تارة أخرى ومن فسادهم الإداري والمالي مرة ثالثة، بل أن من هؤلاء ممن تقلد مواقع تنظيمية أو نقابية أو حركية كان نموذجا صارخا للفشل والعجز والأنانية، والعديد من أبناء فتح يتناقلون هذا الرأي بإضافة واحدة أنهم يذكرون أسماء الذين أفسدوا الحركة ومؤسساتها، ونسى الكثير من هؤلاء المرشحين _والذين يرشحون أنفسهم لخدمة الشعب_أنهم أبناء حركة سياسية تعتمد في بقائها وقوة قيادتها على الاتصال مع الجماهير والقواعد الشعبية كما كان يفعل كل القادة العظام للحركة وعلى رأسهم القائد الراحل أبو عمار لا على الوسائط السكرتارية التي تمثل حلقة الوصل بين المسئول الذي كان يصطف على أبوابه طوابير المنتظرين، أو على المرافقين الأشداء الذين يحرسون المسئول ببؤبؤ العين فيمنعونه عن الجماهير خشية على هيبة مقامه العالي أو حفاظا على سلامته الصحية وعدم نقل الأمراض إليه بسبب تقرحات الناس المعوية والنفسية والتنظيمية وأنفاسهم الجرثومية، عدد من هؤلاء المسئولين سكنوا في غير عمقهم الجماهيري بحكم عملهم التي يتطلب سرعة في الوصول إلى موقع الحدث(المكتب)، وآخرون نسوا شوارع بيتهم العتيق، ومنهم لم تطأ قدماه الطريق إلى أصدقائه وجيرانه_بحكم انشغاله حتى الركبة في المهمات الوطنية الملقاة على عاتقه_، وأكثر ما يغيظ أن البعض تاريخيا اثبت فشله في مهمته الحركية أو الوظيفية وجاء مقتنعا انه قادر أن يفعلها وينجح في تضليل الناس مرة أخرى أو كأنه ينتظر أن ترفعه الجماهير فوق الأكتاف والأعناق تقديرا لفشله أو فساده أو استعلائه، قد يعتبر البعض أن الترشيح حق لكل فتحاوي وهذا صحيح لا خلاف عليه، ولكن الترشيح في مثل حال بعض هؤلاء هو من نوع الفجور، أو مخالفة لقول نبوي"إذا بليتم فاستتروا"، نسوا أنهم أفلسوا بعد أن نفذ رصيد عطائهم التنظيمي والوطني والإنساني، لقد انقلبت الحال لدى هؤلاء الذين كانوا يرون الناس_وأبناء فتح خاصة_إلا من وراء حجاب، نسوا في غمرة تدفق طموحهم المحموم أنهم سقطوا في نظر أبناء فتح الشرفاء الذين تعلموا من فتح العطاء لا الأخذ، الفداء لا الأنانية، التواضع لا الاستعلاء، نسوا أن ابتسامات أسنانهم البيضاء هذه الأيام لن تعمي عيون المناضلين عن آثار عضاتهم السوداء في لحم فتح، بدأ المرشحون المقصودون باستخدام الابتسامة باعتبارها أسرع وأقدم طريقة للمواصلات بين الناس، بدأ موسم العناق والتواضع، موسم الكلام الرقيق والانحناءة الحنونة، موسم الإنصات إلى هموم أبناء فتح ومشاكلهم وأحزانهم وأحلامهم بعد أن كان هؤلاء لا يجيدون مهارة الاستماع ولا يقبلون رأيا أو نصيحة أو نقدا أو شكوى ولا يستمعون إلا لثرثرة أفواههم، هؤلاء الذين تخلوا عن الناس من قبل ودفعوا الصغار ليسددوا الفواتير المستحقة، هؤلاء يجب محاكمتهم اليوم بطريقة حضارية، يجب أن يتعلموا أن كل أخطائهم وخطاياهم يجب أن يحاسبوا عليها حتى لو فتحوا أحضانهم بطول الأرض وعرض السماء، لقد خسرت فتح كثيرا حينما تركت الجناة بدون عقاب، لا يمكن أن يكرم الفاسد والمتكبر والفاشل في هذه الحركة لو أرادت خلاص نفسها ومستقبلها، وهذه الانتخابات فرصة ليتمكن أبناء فتح ولو لمرة واحدة أن يستأصلوا شأفة الفاسدين والاستعلائيين الذين ساهموا في صناعة الهزيمة والإحباط، إنها لحظات المواجهة الحقيقية لكي يتجاوز أبناء فتح الشللية والتكتلات والنفاق حينما يعاقبوا هؤلاء، ويختارون بوعي وإرادة من يرون انه يستحق تمثيل فتح بجدارة في المجلس التشريعي الثاني، إنها لحظات الحساب التي تتطلب الصدق ومراجعة النفس والأمانة في الاختيار، اختيار تحكمه ضوابط العقل وأخلاقيات الضمير الفردي، اختيار لا يتأثر بتحرض المحاور والوقوع مرة أخرى في كذبة الوعود بعد أن خبرنا الكثير سرا وعلانية، وهناك العديد من الشرفاء الفتحاويين يستحقون أن يمثلون فتح وشعبنا، لا بد أن يتم الاختيار وفقا لمبادىء واضحة مستمدة من الإرث التاريخي المشرف لفتح، وهي مبادىء واضحة لا تمنح البركة إطلاقا لبعض المنتشرين الآن بين قواعد فتح لتزكية أنفسهم، لان بعض هؤلاء يعدون في ضجة ولكنهم سيخونون الأمانة مرة أخرى بصمت بعد الانتخابات، وليس من باب العقاب فحسب إسقاط كل هؤلاء بل لان فتح تنتظر مستقبل يجب أن يكون في أيدي الشرفاء الذين سنجد الكثيرين منهم أيضا في قوائم المرشحين، أرجوكم: لا تصدقوا ولا تنخدعوا بكل ما تروه في موسم العناق والقبل الانتخابي.
- آخر تحديث :
التعليقات