محاكمة صدام ومجموعة من أعوانه التي ينشغل بها العالم هذه الأيام، هذه المحاكمة التي انتظرها العراقيون منذ سنوات بعيدة وحلموا بها وتخيّلوا اشكالاً عديدة لطبيعتها وسيرها لم تكن بأي حال من الأحوال، بالهيأة التي أرادوها، بل يمكن القول انها شكلت صدمة لكل من تابعها، واذا ما تجاوزنا التفاصيل "المدسوسة" كتعطل بعض الأجهزة ـ كما في الجلسة الأولى ـ ورداءة الصوت والإرتجال وما الى ذلك، فإن السبب الجوهري في ضياع فرصة العراقيين في "التمتع" بمحاكمة تاريخية رصينة "تليق" بمستوى جرائم صدام وجماعته يتعلق باختيار القاضي "رزكار محمد أمين" والذي يكمن مقتله الأول ـ إذ ثمة مقاتل اخرى ـ في انه لا يجيد اللغة العربية ولا العامية العراقية التي كانت ستشفي قلوب العراقيين الموجعة والمنهكة بانتهاكات صدام التي لم يكن لها من حدود. طبعاً لا اعتراض على الرجل من حيث كونه كرديا فحاشى ان نتحدث نحن من هذا المنطلق.. انما الإعتراض عليه والإمتعاض منه يكمن في الدرجة الأساس انه ضعيف العربية وهذا ما رتّب نتائج كارثية على صورة المحكمة وهيبتها في النهاية. فالقاضي رزكار يحتاج ـ كما ظهر في المحكمة ـ وقتاً لكي يستوعب الحديث الدائر حوله ووقتاً آخر كي يفكر في الإجابة وهذا ما جعله، طوال جلسات المحكمة، يفغر فاه بدون كلام وهو يهم به، أكثر من المرات التي تحدّث بها فعلياً. ناهيك عن البتر في أجوبته فهي في أكثرها غير تامة وهو ما يذكّر بمواقف وقفشات للفنان عادل امام في هذا الصدد!
ان الضعف القاتل في اللغة العربية للقاضي، لغة المحكمة الرسمية، هي التي جعلت منه طيّعاً وطيباً وكيّساً وحنوناً وودوداً وضحوكاً وربما غبياً!
صحيح انه لا بدّ من ان يتمتع القاضي، أيّ قاض ٍ، بالهدوء والحياد لكن هذا لا يعني مطلقاً عدم الحزم، حدّ ان يستضعفه المتهمون أنفسهم ليسفهوا وجوده دون أدنى حركة دفاع "لغوية" واحدة منه.
قد يكون عامل اللغة هو ابرز المآخذ عليه ولكن تبدّى ايضاً ومن خلال متابعة سير المحاكمة انه لم يكن ملماً تماماً باصول وقواعد عمله فقد أحرز الكثير من الأخطاء خصوصاً انه حرص على أن يبدو ديموقراطياً ومتساهلاً أكثر مما ينبغي.. الأمر الذي حوّل "محاكمة العصر" الى مهزلة.

مرة اخرى تثبت الأقدار ان العراقيين ذوو حظ سيء، وإلا فمَن كان يتصور ان المحاكمة التي تحققت أخيراً لصدام ونظامه ستكون على الصورة الهشة التي ظهرت بها والتي كادت أن تقلب الحقائق والأدوار. ولكن قبل الحديث عن لعبة الحظ مع العراقيين علينا أن لا نغفل الدوافع العرقية ـ السياسية التي أدت بالقاضي رزكار، وهو عليه ما عليه من ضعف وأخطاء، الى تسيّد محاكمة تاريخية بكل معنى الكلمة.

[email protected]