-1-
لم يعد للرئيس الفلسطيني محمود عباس وطاقمه مكان في السلطة الفلسطينية، وعليهم أن يرحلوا سريعاً بشرفهم، كما دعونا إلى ذلك في مقال سابق (لم يبق غير الرحيل يا عباس، 23/12/2005)، وقبل أن يرحلوا عبر هزيمتهم بالانتخابات التشريعية القادمة، التي يحاولوا تأجيلها بشتى الطرق تحاشياً للهزيمة المنتظرة. وقبل أن يرحلوا بقوة السلاح وإراقة الدماء، بعد أن دخل على الحلبة الفلسطينية الحلف الثلاثي (فلسان) القوي.

فمن الواضح أن الحلف غير المعلن المكوّن من المثلث الفلسطيني المسلح ndash; سوريا - إيران (فلسان) والذي يقف quot;حزب اللهquot; ظهيراً له وسنداً، هو أقوى بكثير من دولة محمود عباس الهشة. وهذا الحلف، هو الذي يحكم الآن وواقعياً، ما تبقى من أشلاء فلسطين في غزة والضفة الغربية، سواء رضينا أم أبينا، واعترفنا أم أنكرنا. ولهذا دعونا محمود عباس في الأسبوع الماضي إلى الاستقالة ورمي كرة النار الفلسطينية الملتهبة في حضن الحلف الثلاثي (فلسان)، فلعلها تتحول إلى كرة سحرية تقيم الدولة الفلسطينية المنشودة!

ولعل هذا الحلف الثلاثي يتمكن من اقامة الدولة الفلسطينية المنشودة بجهود سوريا العروبية القومية النضالية، وبمليارات ايران من البترودولار، خاصة بعد وصول أحمدي نجاد إلى الحكم، وبالبندقية الفلسطينية العثمانية التي لم تحقق منذ 1965 إلى الآن استرداد شبر واحد من الأرض الفلسطينية، بل اضاعت أكثر من 50 بالمائة من هذه الأرض التي كانت تحت الاحتلال الأردني والمصري حتى عام 1967، وبتنظيرات عزمي بشارة ومعن بشور وخير الدين حسيب البعثية وحماسيات فاروق القدومي الفتحاوية، وغيرهم من المناصرين والمتحالفين مع الحلف الثلاثي المقدس (فلسان). وقد رأينا مؤخراً ماذا فعل هذا الحلف بغزة quot;المحررةquot;، وكيف أحالها إلى quot;شبعاquot; فلسطينية، لكي يبرهن للعالم بأن الشعب الفلسطيني عاجز وقاصر عن الاستفادة بأي شبر محرر من أرض فلسطين. وأن مزيداً من الانسحابات الاسرائيلية من الضفة الغربية تعني المزيد من الفوضى، والمزيد من اجتياح المؤسسات الحكومية من قبل مليشيات حلف (فلسان)، والمزيد من الفلتان الأمني ما دامت السلطة الفلسطينية غير قادرة على ادارة غزة وحدها، وغير قادرة على تجريدها من السلاح، وفرض الأمن فيها. وهكذا يثبت الشعب الفلسطيني للمجتمع الدولي الذي يراقب الوضع الفلسطيني الآن بدقة متناهية، بأنه غير جدير بالتحرير، وغير جدير ببناء الدولة العصرية، ضمن منظومة المجتمع الدولي المسؤول. وغزة هي الشاهد والشهادة والشهيدة.

-2-

بالأمس انتقد محمود عباس الفصائل التي أعلنت انتهاء التهدئة مع إسرائيل. واعتبر الذين يتحدثون عن وقف التهدئة بأنهم مخطئون جداً، مشيرا ًإلى أن التهدئة لم تتحدد بزمن في اتفاق القاهرة. وأضاف عباس: quot;لا أدري ما هو مبرر أن تنتهي التهدئة، رغم الخروقات الإسرائيلية الكثيرة، لكن أعتقد أن من مصلحتنا أن تبقى حتى نتمكن من البناء وإعادة الاقتصاد، وعودة الأمور إلى مسارهاquot;. ورغم أن التهدئة العسكرية لم تكن قائمة أصلاً وما كان قائمة ليس تهدئة عسكرية وانما تهدئة خواطر، فإن كلام عباس يشبه كلام مسؤول أوربي، يوجه خطابه إلى شعب أوروبي راقٍ ومتحضر، ويقرأ التاريخ جيداً، وليس إلى المليشيات الفلسطينية الملتهبة القلب بالخطاب القومجي التحرري السوري العاجز عن تحرير شبر واحد من أرضه المحتلة، والمنفوخة الجيب بالدولارات الايرانية التي تزيدها ايماناً وتمسكاً باقامة الدولة الدينية. فلا أحد يقول لي، بأن هذه المليشيات دينية في معظمها، وتخشى الله، وتتبع الصراط المستقيم، ولا تصل إلى غاياتها بمثل هذه الطرق. وأنا أقول، بأن المليشيات والأحزاب الدينية في العالم العربي، لا تتورع عن الذهاب إلى مدى أوسع من المدى الميكافيللي لتحقيق أهدافها.

ألم تصدر quot;حماسquot; بالأمس أوامرها إلى فصائلها في رام الله لانتخاب جانيت ميخائيل الناشطة الفلسطينية المسيحية العلمانية اليسارية كرئيس لبلدية رام الله. وقد تمَّ ذلك، ونجحت جانيت، بفضل أصوات quot;حماسquot; ونكاية بـ quot;فتحquot; وبمحمود عباس، وطلباً للرضا الأوروبي واليورو الأوروبي.