-1-
يبدو العراق هذه الأيام على وجه الخصوص، وكأن بوابة الجحيم قد فُتحت عليه. أو كأنه هو الجحيم ذاته، من خلال هذه الضحايا البريئة التي يُسفك دمها كل يوم، تحت عنوان كاذب ومزيف ومكشوف، وهو مقاومة الاحتلال. وسواء كان الرقم (6500) الذي أُعلن مؤخراً عن عدد الضحايا في العراق منذ 2003 حتى الآن كاذباً أو صادقاً، فالعراق بالفعل قد دفع من الضحايا نتيجة للاطاحة بنظام صدام حسين أكثر مما يجب أن يدفع. ولو توفر للشيعة والسُنَّة على السواء في العراق عقلاء وراشدين ومخلصين ومحبين للعراق كما توفر في كوردستان للكورد، لتجنب العراق كل هذه الخسائر وكل هذه الضحايا، ولكان العراق ينعم الآن بايجابيات الغزو كما تنعم كوردستان. ولكان الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار عمَّ أرجاء العراق كما يعمُّ الآن أرجاء كوردستان، بعد أن تخلّص الكورد العراقيون من الحكم الديكتاتوري، وتحرروا، وها هم يستعدون للثأر من مجرم الأنفال الأكبر، ومحاسبته حساباً عسيراً.
-2-
أينما تلفتَّ في العراق، فستجد أن الكورد هم العراقيون العقلاء الرابحون، وأن الشيعة والسُنَّة هم المجانين الخاسرون.
لقد كان الكورد هم عقلاء العراق الحقيقيين الواقعيين النابهين.
لم يعتبروا الغزو الأمريكي- البريطاني احتلالاً يجب مقاومته، كما اعتبره جهلاء الشيعة والسُنَّة، وانما اعتبروه تحريراً من نظام شمولي ديكتاتوري مجرم، كانوا هم من أكثر وأكبر ضحاياه. ولذا، فهو الذين استقبلوا المحرِرين الأمريكيين في كوردستان بباقات الزهور والزغاريد والرقصات الشعبية، تعبيراً عن فرحتهم وشكرهم للمحرِرين الأمريكيين، وهو ما توقعه الأمريكيون من كل العراقيين في الشمال والجنوب والوسط. ولكن الجنوب والوسط، المصاب بلوثة العروبة والاستعراب، وبداء القومية والتقوقم، وبكيفية قلب الأفراح إلى أتراح، والأعراس إلى أجراس حزن، وبعدم حب الوطن، وبعبادة الطواطم (جمع طوطم وهو معبود القبائل البدائية)، أبى الاستقرار، ورفض البناء، وأنكر التحرير، وجحد المعروف، وأصر على تصفية الحساب أولاً، انتقاماً مما جرى في الأيام السوداء الخوالي. فدخل السُنَّة والشيعة في حرب أهلية حقيقية الآن غير معلنة، ولا أحد من الطرفين يعترف بها، رغم وقوعها فعلاً ويومياً على أرض الجنوب والوسط من العراق المنكوب.
-3-
العقلاء الكبار في كوردستان، لملموا الجراح، وكتموا الغيظ، وكبروا على الآلام، وحاولوا النسيان ولو إلى حين، ولم يثأروا من السُنَّة في العراق وخارج العراق ممن كانوا يباركون القتل الجماعي، والتنكيل البشري، والهولوكست البشع الذي جرى في كوردستان، وفي حملة الأنفال، وعلى رأسهم الكثير من الكتاب والمثقفين والشعراء العرب، والذين لو ذكرنا اسماءهم الآن، لتقاطرت الاحتجاجات على الناشرين ورؤساء التحرير.
فالعرب لديهم مناعة ضد الاحتجاج على القتل البشع، وهم شغوفون ndash; كأهلٍ للسيف والقنا ndash; بلعق الدماء، أو التلذذ بالتفرج عليها على الأقل.
-4-
هل رأيتم كيف يقف العرب في العالم العربي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه متفرجاً ومستمتعاً بمنظر دماء العراقيين الغزيرة التي تُهدر كل يوم بالمئات في جنوب ووسط العراق. فلا يحركون ساكناً، ولا يتظاهرون، ولا يحتجون، ولا يرفعون صوتاً، ولا يذرفون دفعاً، وكأنهم يشاهدون دماء الأضحيات الشرعية في مشاعر مِنىً، صباح يوم العيد، مما دفع الفضائيات العربية، ذات الصوت العالي، والجمهور العريض، على الاستزادة من عرض مناظر الدماء العراقية المهدورة في شوارع بغداد والبصرة والأنبار وغيرها، في كل نشره، وفي كل موجز نشرة كذلك.
-5-
اسألوا أنفسكم أيها السادة:
- هل الاحتلال الأمريكي ndash; البريطاني كان لوسط العراق ولجنوبه فقط دون شماله؟
- لماذا استقبل الكورد العراقيون هذا الاحتلال استقبال السجناء للمحرِرين، واستقبله العرب العراقيون من السُنَّة والشيعة، استقبال المستعمَرين للمستعمِرين؟
- لماذا أخذ الكورد بالعقلانية والواقعية المذهلة من الاحتلال كل ما ينفعهم، وتركوا له ما لا ينفعهم؟
- لماذا أخذوا منه كل ما يساعدهم على الاستقرار والبناء والتقدم، وتركوا لهم قيمه وأخلاقه.
- هل أرغم الاحتلال الكورد على تغيير هويتهم ولغتهم ونسيان تاريخهم وتراثهم.
- هل سرق الاحتلال ndash; كما يدعي عرب الوسط والجنوب ndash; شمال العراق واستولى على نفط كوردستان؟
اسألوا الكورد هذه الأسئلة، وستسمعون الاجابات المذهلة.
-6-
السُنَّة والشيعة العراقيون، بحاجة إلى أن يعوا ويتأملوا ويفهموا الدرس الكوردي الكبير، من أبناء وطنهم العقـلاء.
بل إن العرب خارج العراق بحاجة إلى أن يعوا الدرس الكوردي، ويروا كيف يمكن أن يتحوّل التدخل الأجنبي من بلاء إلى عزاء، ومن كارثة إلى غنيمة، ومن مصيبة إلى مكسب كبير.
الدرس الكوردي، يحتاج إلى مجلدات لكي نشرحه، ونستخرج منه العظات الكثيرة المختلفة.
وتبقى العظة الكبرى واضحة وبيّنة، ولا تحتاج إلى شرح، وهي أن العرب بسُنَّتهم وشيعتهم، قد فقدوا عقولهم، بينما ما زال الكورد بكامل هذا العقل. لذا، فهم فرحون، وبالخير ينعمون، وفي حياتهم يتقدمون.
بينما السُنَّة والشيعة، يتسابقون كل يوم على قتل أكبر عدد من بعضهم، لذا فهم بائسون، وبنار الجنون يتخبطون.
السلام عليكم.
التعليقات