وجدت واجبا قبل الانتقال للحلقة الأخيرة من عرض كتاب الحرب الأهلية الفرنسية وما يمس الوضع العراقي منه، أن أدلي ببضع كلمات على القرار التعسفي لرئاسة مجلس النواب ضد كل من الزمان والشرقية. وهنا أضم صوتي للأستاذ حسين كركوش في تعليقه على القرار المذكور كما كتب في إيلاف ليوم 17 من الشهر الجاري.
لا بد أن نتذكر ولا ننسى اضطهاد حرية الصحافة وتشويهها في عهد صدام، وكان من بركات إزاحة نظامه هذه الحريات الصحفية الواسعة التي بدت أحيانا بدرجة من الفوضى. كما نذكر شهداء الكلمة منذ سقوط صدام، من عراقيين وأجانب على الأيدي القذرة للإرهابيين. ومن هؤلاء الشهداء من راحوا أيضا ضحية المليشيات الحزبية وبعض أجهزة الدولة. ولنذكر مثلا خطف واغتيال الصحفي الأمريكي دينيس فنسن بعد يوم واحد من نشره مقالا عن انفلات المليشيات في البصرة والدور الإيراني وموقف المحافظ، الذي وصف الصحفي مكتبه بعد زيارته بأن الغرفة كانت تحمل صورة اليعقوبي وصورة أكبر منها لخميني.
مهما كان الرأي في بعض من تنشره الزمان أو تبثه الشرقية، فإن لهما في الوقت نفسه الفضل في نشر الكثير من الحقائق بجرأة لا تملكها صحف عراقية أخرى. كما نذكر بأنه مهما كان الاجتهاد حول هذا الخبر وهذا المقال للزمان والشرقية، فإن الزمان لعبت في التسعينيات دورا مهما في المعارضة والتنوير بالحقائق.
إن الخطير في القضية، وكما بين الأستاذ حسين كركوش، جرأة مجلس النواب على هذا التدخل السافر في حرية الصحافة والتحريض المكشوف لاتخاذ عقوبات بحقهما. ولعمري فإن هذا ابتكار جديد وخطير آخر في أداء هذا المجلس الذي أقر دستورا إسلاميا وقانونا للأقاليم أتفق مع الذين يرونه خطوة لتقسيم العراق لدويلات طائفية بمباركة من دوائر إقليمية وعلى الأخص إيران.
إن الفيدرالية مبدأ ديمقراطي في وجه مركزة السلطة بإفراط؛ ولكن على أن تقوم الفيدرالية على أسس جغرافية محددة وتاريخية وثقافية ، كفيدرالية كردستان، التي لم تعارضها غير أقلية من القوى السياسية، وحيث كانت الأطراف والأحزاب السياسية الوطنية طوال التسعينيات قابلة بالوضع الخاص لكردستان وتتعاون معها، بل وتجد ملاذا هناك من بطش النظام المنهار. أما فيدراليات تقوم على أسس طائفية مذهبية أو دينية فإنها تهدم السلطة المركزية تماما وتفتح باب التقسيم والبلع.
إن المطالبة بلا مركزية واسعة هو المطلوب، وكذلك ضمان الحقوق الإدارية والتاريخية والثقافية لكل من الأقلية القومية التركمانية، والحقوق الخاصة للكلدو ndash; آشورية. لهاتين القوميتين خصائص مميزة تتجاوز العامل الديني أو العرقي المحض، في حين أن ما يعنيه quot;إقليم الجنوبquot; ليس إلا تجميعا مصطنعا وخطيرا لتسع محافظات على أسس مذهبية بحتة ستكون لا محالة تحت هيمنة النفوذ الإيراني.
إن الدستور قد وجه ضربة قاصمة للدولة المركزية ومسئوليتها وصلاحياتها، حتى أنه يقر بأن تبرم الأقاليم اتفاقيات خاصة مع دول أجنبية، وأن تعين لها دبلوماسيين وملحقين تابعين لها يلحقون بالبعثات الدبلوماسية الرسمية للمركز. إن هذه بدع لا نجد لها أي مثال في الدول الاتحادية العريقة أمثال كندا وسويسرا والولايات المتحدة والهند.
إذا كان في خبر الزمان ما يمس بعض النواب شخصيا فالمجال للعلاج ليس تحريض البرلمان بل تقديم شكوى عند اللزوم للقضاء أو لنقابة الصحافة، والأفضل الرد الموضوعي والواضح والهادئ بما يوضح موقفهم من القانون وما له وما عليه.
- آخر تحديث :
التعليقات