قد يستغرب البعض معارضتي الصريحة والعلنية والقاسية المستجدة لخيارات دولة الرئيس العماد ميشال عون، تلك التي تبناها خلافاً لكل طروحاته ووعوده والثوابت وعمل في إطارها منذ أن عاد إلى لبنان. وتحديداً في أعقاب تغطيته غير المبررة قيمياً، ولكن المفهومة ورقياً وتفاهمات، لغزوة حزب الله للأشرفية وباقي المناطق المسيحية من بيروت وضواحيها على خلفية حلقة من حلقات برنامج بسمات وطن، فيما البعض الآخر سيتهمني بالخيانة وبالانتقال إلى أحضان القوى التي تقف حالياُ في مواجهة حزب التيار الوطني الحر quot;الفاهم والمتفهمquot;.
هذا الحزب العلماني الشابك الخناصر quot;إلاهياًquot; مع الصديق الوفي العماد إميل لحود والأخوة في النضال والعروبة زاهر الخطيب ووئام وهاب وسليم الحص وفارس بويز وأسامة سعد والمير طلال ونجاح واكيم وعمر كرامي وايلي الفرزلي وناصر قنديل، والمتحالف مع الأحزاب الوطنية المقاواماتية، بدءً بحزب الله، وحركة أمل، والقومي السوري والناصري والشيوعي وانتهاءً بالبعثي وباقي الإخوة الرفاق من أعداء الأمس القريب، شركاء وأدوات حكام دمشق في هجمة 13 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1990. سبحانك ربي فأنت قادر على كل شيء!
نعم لي الفخر أن أكون قد أيدت وساندت العماد عون ودافعت عن طروحاته بكل ما أوتيت من إيمان ومعرفة وإمكانيات وعلاقات وثبات منذ العام 1988 لأنني يومها رأيت فيه تجسيداً لقضية وطني وأهلي التي كان حملها واستشهد من أجلها البشير وآلاف اللبنانيين الأحرار وفي مقدمهم الأبطال الذين سقطوا في معركة 13 تشرين الأول/أكتوبر 1990.
تلك القضية المقدسة التي شدتني إلى العماد سنة 1988هي نفسها التي أبعدتني عنه منذ أشهر عدة، بعد أن أبتعد هو عنها بجحود ونكران ناطحين بقرونهما، وتخلى عن طروحاته وثوابته والعهود كافة، منتقلاً دون أن يرف له جفن إلى القاطع الآخر بعد أن استسهل استبدال جلده وناسه. من هنا فأنا وغيري من المؤمنين بقضية البشير هوية وتاريخاً، تميزاً وإنسانا،ً حقوقاً وقيما، إيماناً ورجاء، لم نعد في وجداننا والضمير نرى في الجنرال المقيم حالياً في الرابية المنقلب على ذاته، نفس جنرال القضية والعنفوان الذي كان مقيماً في منفاه الباريسي.
نعم جنرالنا لا يزال في باريس، وإن كنا غير قادرين على التواصل الحسي والملموس معه كما كان حالنا خلال ستة عشرة سنة عجاف، إلا أن تواصلنا الروحي والعقلي لا يزال وسيبقى قائماً مع كل من يحمل القضية، حتى مع الذين انتقلوا إلى دنيا الخلود. وكما كنت صادقاً وأميناً وعقلانياً وصريحاً في دفاعي عن العماد يوم كان يجسّد فيquot;نظري وعلى قدر فهميquot; القضية، سأكون أيضاً وبنفس الزخم والقوة معارضاً له بعد أن quot;وبنظري أيضاً وعلى قدر فهميquot;، تنكر للقضية ونقض كل وعوده والطروحات.
لن أقوم بأي جهد تحليلي أو تنظيري ولن أصدر أي أحكام على النوايا. لا، بل سوف أقارن بكل صدق وشفافية بين طرحي الجنرالين، جنرال باريس وجنرال الرابية بكل تشعباتهما والتحالفات تاركاً للقارئ مهمة الاستنتاج وبالتالي الحكم وتحديد المواقف.
في سلسلة من المقالات سوف أتناول مع مجموعة من الكتاب السياديين مواقف الجنرالين، جنرال باريس وجنرال الرابية، بحرفيتها والتناقض دون زيادة أو نقصان تحت العناوين التالية: اتفاق الطائف، المعتقلون في السجون السورية، اللاجئون إلى إسرائيل، مزارع شبعا، القرارين 425 و520، القوات الدولية، اتفاقية نيسان، حزب الله، السلاح الفلسطيني، الصراع العربي الإسرائيلي ومشكلة لبنان، انسحاب إسرائيل من الجنوب، الحدود السورية اللبنانية، جرائم النظام السوري، منظمات الإرهاب، مفهوم العمليات الانتحارية، ضرب القوات اللبنانية، الشرعية من سيادة وحرية واستقلال، الميليشيات ومفهوم الجنرالين لها، ورقة التفاهم مع حزب الله، القرار الدولي 1559، حرب 12 تموز/يوليو 2006، علاقة الاغتراب بالوطن الأم، حق الاختلاف دون خلاف، قانون محاسبة سوريا، فورميلا لبنان الكيان، القوى الدولية ومزاوجة المصلحتين، العلمانية، العروبة، الهوية اللبنانية، العلاقة مع سوريا ومواضيع أخرى كثيرة.
الهاشم والزعيم الأوحد
البداية اليوم هي مع خطاب جنرال الرابية يوم الأحد الموافق 15 تشرين الأول/أكتوبر 2006، فماذا قال وماذا كان قاله جنرال باريس في نفس المواضيع وتحت نفس الظروف؟
بداية أشكر النائب عباس الهاشم العضو المستجد في حزب التيار الوطني الحر الذي بالفعل زاد اقتناعي بأن جنرال الرابية quot;مش هو نفس جنرالناquot; وذلك من خلال التصريح البالغ الأهمية الذي أدلى به أمس الاثنين (16/10/2006) حيث قال للمركزية: quot;ولكن ما نود الإشارة إليه هو أن يوم 15 تشرين هو يوم تاريخي في تاريخ لبنان الحديث، إنها الثورة الحقيقية التي قام بها الشرفاء، فلنعترف أيضا بأنه قبل 15 تشرين كان عون الزعيم الأقوى والآن بعد 15 تشرين اصبح الزعيم الأوحدquot;.
جنرال الرابية هو الزعيم الأوحد، يعني بمفهوم الهاشم الجنرال مثله مثل الأسد وكاسترو وهتلر وستالين والقذافي وصدام وموسوليني. ترى هل هذا هو جنرالنا، نفس جنرال باريس؟ بالطبع لا. فجنرالنا، جنرال الحرية والسيادة والإستقلال كما نعرفه عن قرب هو إنسان ذو خلق، محب، متواضع، ديموقراطي، يعشق الحرية، يقدس شرعة حقوق الإنسان، يعترف بالآخر، يقبل بالخلاف دون اختلاف، وهو القائل أيريد العالم من ضابط يرتدي اللباس المرقط أن يعلمه الحرية؟
لا جنرالنا ليس زعيماً أوحدا، ولو كان كذلك لما سوّق لقانون محاسبة سوريا واستعادة سيادة لبنان، ولما كان حاضر أمام البرلمان الأوروبي عن الحريات وعن ضرورة ملاحقة رموز النظام السوري وحاكمه الأوحد على جرائمهم البشعة بحق اللبنانيين. لا، لا، إن جنرالنا ليس زعيماً أوحد ونحن براء من زعيم وجنرال كهذا.
والأهم إن جنرالنا، جنرال باريس، ما كان ليسمح للهاشم أو لغيره من الذين لم يعرفوا التيار يوماً في شدته والنضال أن يشوه صورته الناصعة ويفتك في مصداقيته ويغربه عن ناسه والقضية، تلك الصورة التي أحبها الشعب اللبناني وعشقها الأحرار واستشهد من أجلها عسكر 13 تشرين الأول/أكتوبر سنة 1990 في بسوس وضهر الوحش وباقي ساحات الكرامة. نعم، نعم، نفس العسكر الذي أنكر بجحود غير موصوف جنرال الرابية صلتهم بحزبه ومن على شاشات التلفزة!!
يا الهي ما هذا ولماذا؟
أما ما كان لافتاً في خطاب جنرال الرابية يوم الأحد ومناقضا لكل فكر ومنطق وخلفية وطروحات وممارسات جنرال باريس فهو قوله إن سلاح quot;حزب اللهquot; هو quot;مؤقتquot;، من أجل حماية لبنان أي quot;شرعيquot;، ويُزال ضمن إستراتيجية محددة أي quot;ضروريquot;.
هنا لا أشك للحظة أن جنرال باريس قد تكهرب وغضب وأنزعج عند سماعه هذه المعادلة الفورميولا التي قضى، هو وكل مناصريه ومحبيه في لبنان وبلاد الانتشار، طوال ستة عشرة سنة، ونحن من ضمنهم، بمحاربتها يوم كانت تبرر استمرار وجود الجيش السوري المحتل والغاصب في لبناننا الحبيب.
أما المضحك والمبكي quot;والبيجنن وبيطيِّر العقلquot; في آن واحد، فهو أن حبايب جنرال الرابية الحاليين تفاهماً وورقاً وتحالفاً ومخططات وتلفزيونات وإذاعات وبنوك هم من كان يعزف على أنغام quot;مؤقت شرعي وضروريquot; ويرقص على شعار quot;وحدة المسار والمصيرquot;. ويضطهد الأحرار تحت راية quot;شعب واحد في بلدينquot;!
وهنا أيضا سبحانك ربي فأنت قادر على كل شيء ونسألك الرحمة بمصير وطننا وأهلنا.
وحتى أوفر مجهود وردود الذين تربوا على معالف ثنائية الولاءات وعمى البصر والبصيرة، والذين تطبعوا وشبوا على مبدأ quot;يلي بياخد إمي بيصير عميquot;، اعترف خاشعاً وراكعاً أنني ومن يقول قولي لسنا منتسبين لأي حزب أو تيار لبناني، ولا نؤيد أي زعيم أو قائد في لبنان، والأهم من كل هذا وذاك أننا والحمد لله لا زلنا ثابتين على نفس خط ونهج وثوابت وطروحات وقيم وأخلاقيات جنرالنا الذي كما أوردت سالفاً لا يزال في باريس وهو ما عاد بعد من منفاه...
وللحديث تتمة في حلقات.

كاتب لبناني مقيم في كندا.
[email protected]