قد لا يعجب هذا الكلام الكثيرين.. وفد أتعرض بسببه للهجوم والانتقاد وما هو أكثر من ذلك.. ولكن هل هناك بديلا لحرية الرأي والتفكير والتعبير إن أردنا تقدما في يوم من الأيام ؟ ولذا أدعو الجميع أن يعذروني إن أعطيت لنفسي الحق في ممارسة هذه الحرية.. وأن يمارسوا هم أيضا نفس الحرية حتي لو كانت أراؤهم هي مخالفة تماما لما أدعو اليه أو يدعو إليه غيري..
هل من الممكن أن نصل الي أي مكان إن لم نبحث عن أفضل وأقصر طريق يوصلنا إليه.. قد يضل معظمنا الطريق وقد أكون منهم.. ولكن بلاشك مع المحاولة والتعود علي حرية البحث والاستكشاف سيصل منا البعض الي الطريق السليم وسيوفرون مشقة البحث عن الملايين الذين سيظهر منهم من يحاول أن يكتشف طريقا أفضل وأقصر.. هذه هي ميزة روح البحث والتفكير.. حتي لو خرج هذا البحث عن المألوف والمتعارف عليه.. وحتي لو شط أحيانا.. ولكن بدونه سنظل محلك سر ونعيش في أسر الماضي ورجاله وأفكاره وتفسيره للأمور..
بلا شك أن الله هو الحق وكلامه هو الحق وقد بعث رسلا لينيروا لنا الطريق.. ولكن دائما في كل عصر يظهر من يحتكر تفسير كلام الله وحكمته ورسالات أنبياءه الخالدة..
حدث هذا في اليهودية والمسيحية وحدث ويحدث في الاسلام مهما ادعي البعض منا العكس..
نحن الآن أسري أحتكار الأولين من فقهاء وأئمة اجتهدوا ولهم ثواب هذا الاجتهاد.. ولكنهم عاشوا في أيام مختلفة وظروف صعبة ولم يتوفر لهم ماهو متوفرا لنا الآن من علم وقدرة علي البحث.. بل وقدرات عقلية هي بلا شك أفضل.. تماما مثلما ستكون قدرات أولادنا وأحفادنا أفضل منا الآن.. إنها حكمة الله الخالدة ونفحته المباركة للإنسان..
إن ماحدث في أوروبا في عصر التنوير بعد العصور الوسطي المظلمة التي احتكرت فيها الكنيسة الكاثوليكية الدين وتفسيره.. حدث ومازال يحدث في عالمنا.. رغم أن العالم الاسلامي سبق أوروبا في العصر العباسي الأول وظهر مفكرون وفلاسفة ليس ابتداءا بالمعتزلة أو انتهاءا بابن رشد.. استفاد منهم الأوروبيون في عصر التنوير وفقدنا نحن تراثهم ولم نستمر في خطهم ونتفوق عليهم.. لماذا لأن الثورة المضادة في عالمنا نجحت وفشلت هذه الثورة المضادة في أوروبا رغم قسوة محاكم التفتيش.. لقد نجح المتوكل فيما فشل فيه ملوك العصور الوسطي الذين كانوا يحكمون بما يدعون أنه حق إلهي تمنحه لهم كنيسة العصور الوسطي..
ومارتن لوثر الذي أتحدث عنه ليس مارتن لوثر كينج زعيم الحقوق المدنية في أمريكا في ستينات القرن العشرين.. رغم أهميته وشدة إعجابي به.. ولكنه مارتن لوثر أخر.. مؤسس المذهب البروتستانتي في المسيحية.. ففي رأيي المتواضع ورأي غيري.. مارتن لوثر هو من بدأ عصر التنوير في أوروبا.. رغم أخطاء بعض أتباعه من الأصوليين منهم وخاصة المحافظين الجدد في الولايات المتحدة..
حيث دعى الكنيسة إلى العودة إلى تعاليم الكتاب المقدس مما أدى إلى نشوء توجه جديد في المسيحية وصف بالإصلاحي، وإتجاه ضد-إصلاحي هو رد فعل الكنيسة الكاثوليكية على ذلك التوجه الاصلاحي..
لقد أسس مارتن لوثر المذهب البروتستانتي.. وترجمته الحرفيه هو المذهب الاحتجاجي.. هو احتج ضد سلطة الكنيسة في العصور الوسطي.. ونحن يجب أن نحتج ضد سلطات كهنوتية كثيرة الآن.. أولها حكوماتنا الظالمة وليس آخرها بعض رجال الدين الذين يصرون علي وضع وسائط كثيرة بيننا وبين الله وكتابه.. مهما ادعو العكس.. فهم يضعون بيننا وبين الله الصحابة والتابعين وأبو حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل وابن تيمية والبخاري ومسلم والكثيرين غيرهم من العلماء الذين ادعي البعض أن لحومهم مسمومة.. رجال الدين الذين يتسلحون بالحديث المنسوب الي رسول الله صلوات الله عليه وسلم القائل كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار ليجعلوه سيفا مسلطا علي رقاب خلق الله.. لمنعهم من التفكير والاحتجاج علي سلطتهم الدنيوية..
قد لا أتفق مع الكثير من أفكار مارتن لوثر والمذهب البروتستانتي مثلما لا يتفق معه الكثيرون في العالم الاسلامي و المسيحي.. ولكن لا أستطيع إلا أن أتفق معه بضرورة العودة الي الكتاب المقدس.. والكتاب المقدس عند المسلمين هو القرآن الكريم.. و ألا يكون هناك واسطة بين الإنسان والله إلا إيمان الانسان وكتاب الله .. وهذا هو صلب وجوهر الاسلام.. صلب وجوهر رسالة التوحيد ومعني لا إله إلا الله..
لقد تمرد مارتن لوثر علي صكوك الغفران التي تمنحها الكنيسة وأكد أن الرحمه والعفو هما فقط من سلطة الله.. وهو مشابه لما يجب أن يتمرد عليه المسلمون اليوم.. صكوك التكفير التي يوزعها بعض رجال الدين عندنا ضد كل من يختلف معهم لقهر رأيه والتمهيد لتصفيته جسديا بعد ذلك علي يد مهووس مثل مهووسي محاكم التفتيش في العصور الوسطي.. ثم التأكيد علي أن الثواب والحساب في أمور الدين هو فقط سلطة الله.. تأكيدا للعشرات من الآيات في القرآن الكريم..
إن تمرد مارتن لوثر علي سلطة الكنيسة.. فتح الباب للكثير من الاصلاحات الإنسانية والسياسية في أوروبا وبدأ عصر التنوير الذي وصل بالغرب الي قمة التطور العلمي والتكنولوجي والي نظم الحكم الديمقراطية التي تحترم الإنسان وحقوقه الأساسية.. بدون ثورة مارتن لوثر كينج الاصلاحية الدينية وبعده كالفن وغيرهما ماكان يمكن لعصر التنوير وفلاسفته وثوراته السياسية ضد كل أنواع الديكتاتورية أن تنجح hellip;
وهذا مانحتاجه في العالم العربي والاسلامي... ثورة إصلاح ديني تعود بنا الي الأصول النقية البسيطة للإسلام.. نتخلص بها من سلطة الوسطاء الذين يسميهم البعض السلف الصالح ويسميهم الآخرون الأئمة الأربعة أو الخمسة ويسميهم الآخرون المعصومين.. مهما كان تقديرنا واحترامنا لهم.. فهم كانوا يفكرون بعقول تصلح لزمان ومكان مختلف.. ونحن يجب أن نفكر بعقليه القرن الواحد والعشرين في فهم الدين والاسلام وكتاب الله..
بدون الاصلاح الديني لن يكون هناك اصلاح سياسي واقتصادي وإنساني.. هذه هي حكمة التاريخ وتجربة الأمم التي سبقتنا ومنها أمة المسلمين الأوائل..
ولهذا السبب نحن نحتاج مارتن لوثر ليس كشخص... فقد انتهي عهد الفرد الواحد.. وانتهي عهد الوحي لأنبياء بمحمد خاتم الأنبياء.. ولكن كتيار اصلاحي شامل يعلي من قيمة التفكير والعقل والإيمان البسيط بالله ويعود الي كتاب الله كمصدر أساسي للإسلام.. ويجعله متاحا لكل المسلمين يقرأونه بعقولهم وقلوبهم وليس فقط بعقول الفقهاء والمعممين من الأوائل والتابعين الذين لم يفعلوا منذ أكثر من ألف عام سوي شرح وتلخيص أجتهاد هؤلاء الأولين.. وكأن عقول المسلمين قد نضبت ونساء المسلمين لم يعدن قادرين علي إنجاب الرجال والنساء ممن يستطيعون ويستطعن استنباط الأحكام والقيم التي تناسب القرن الواحد والعشرين من كتاب الله.. قيم العدل والتسامح وحرية العقيدة وحقوق الإنسان.. قيم الديمقراطية ونظم الحكم المدنية.. وكتاب الله ذاخر بها.. ولكن نحتاج أن نزيل الغمامة من علي عيوننا وعقولنا وقلوبنا ونتخلص الي الأبد من صكوك التكفير كما تخلص الغرب من صكوك الغفران..
لنا الله..
المرجع
http://en. wikipedia. org/wiki/Martin_Luther
التعليقات