الأحد، الخامس من تشرين الثاني هو يوم النطق بالحكم على صدام، اليوم الذي طال انتظاره بالنسبة للشعب العراقي بكل طوائفه وأعراقه وقومياته، إذ لا توجد شريحة واحدة في المجتمع العراقي أو منطقة لم يلحقها أذى صدام أو لم تتأثر بنظامه بطريقة أو بأخرى.

ومهما يكن الحكم على صدام، فهناك ضرورة سياسية ومجتمعية يتعلق بها مستقبل العراق ووحدته، ألا وهي الوقوف وراء حكم القضاء العراقي في هذه القضية من قبل السياسيين العراقيين جميعا وعدم اتخاذ مواقف مبنية على أسس مذهبية أو قومية أو سياسية. وأنا هنا استثني أتباع النظام السابق لأن مواقف هؤلاء هي مواقف سياسية منحازة وهم في كل الأحوال لا يعترفون بارتكاب صدام أي جرائم ولا يهمهم الأذى والدمار الذي لحق بالشعب العراقي خلال سني حكمه وحكمهم.

لقد شاهد العالم محاكمة صدام ورأى أنها كانت شفافة وأصولية. وقد تمكن صدام من الدفاع عن نفسه وتعيين محامين للدفاع عنه من عدد من بلدان العالم، بينها الولايات المتحدة ولبنان والأردن وقطر ومصر، بالإضافة إلى فريق دفاعه العراقي بقيادة خليل الدليمي (وهو فريق ضعيف ربما بسبب ضعف القضية أساسا). كما شاهد العالم أنه لا الحكومة العراقية أو الأمريكية تدخلتا في شؤون المحكمة، وإن كان بعض المسئولين العراقيين قد عبروا في بعض الأحيان عن آرائهم في المحاكمة كمواطنين، وقد أخذ ببعض هذه الآراء أحيانا خصوصا عندما أقيل القاضي عبد الله علي العامري قبل فترة إثر إطلاقه كلاما لا يعبر عن حيادية ضرورية في المحاكمة مما استوجب على المحكمة استبعاده. ولحد الآن لا نعلم الدوافع التي تقف وراء هذا التعليق الذي أطلقه القاضي العامري، وقد يكون السبب مجاملة في غير محلها أو خوفا من الاغتيال أو ربما محاولة بائسة للظهور بمظهر الحيادي. موقف القاضي في أي قضية هو الحياد حتى إصدار الحكم وليس إطلاق الآراء واتخاذ المواقف أثناء المحاكمة.

لم تكن المحكمة كاملة مكتملة وكان يمكن أن تكون أفضل لو كانت الظروف المحيطة بها مختلفة. فقد عانت من ضعف واضح تجلى في عدم قدرتها على توفير الحماية للقضاة والشهود ومحامي الدفاع والادعاء العام، كما أن الكثير من الأدلة لم تبرز بسبب نقص الإمكانيات وهذا أمر مفهوم، لكنها كانت أفضل من أي محكمة في العالم الثالث في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العراق. كانت المحاكمة نقطة مضيئة بل مشعة في الظلام العراقي المطبق، وكانت علامة تفاؤل وعنوان حق وعدل ومصدر قوة للضعفاء والمظلومين في وقت يهيمن فيه الضعف والاستسلام والفساد في كل ناحية من نواحي العراق الجديد. ويجب الاعتراف أنه لولا الأمريكيون لما تمكنا من محاكمة صدام بالحيادية والمهنية وسعة الصدر التي رأيناها.

بقي أمر مهم وهو التوقيع على الحكم. الأفضل للوحدة الوطنية العراقية أن يوقع الحكم الرئيس جلال الطالباني ويؤيده نائباه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي. أي تراجع من أي من هؤلاء، تحت أي ذريعة مهما كانت مبررة، يعد طعنة في الوحدة الوطنية العراقية وإضعافا لتماسك الدولة العراقية. على الرئيس الطالباني أن يتخلى عن موقفه المعلن بأنه لن يوقّع حكما بالإعدام، لأن ذلك تخلٍِ عن مسئوليته الرسمية والقانونية التي أقسم على أدائها أمام الشعب. لن يقبل منه الشعب العراقي أي عذر بلسيفسر موقفه هذا على أنه ضعف ونحن في أمس حاجة إلى إبراز موقف قوي متماسك للدولة العراقية الجديدة.

صدام قتل وعذب وأقصى وصادر حقوق عراقيين من كل الطوائف والمناطق والقوميات، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة في مناطق وأزمان مختلفة، وبذر ثروة العراق وأدخله في حروب وعداوات غير مبررة مع جيرانه وأشقائه، بالإضافة إلى ممارساته الطائفية والعنصرية التي مزقت العراق. كثيرا ما يتوهم البعض أن سنة العراق موالون لصدام ومدافعون عنه وهذه في الحقيقة كذبة كبيرة فليس هناك شخص أو نظام أضر بالسنة العراقيين مثلما أضر بهم صدام وهذه حقيقة يدركه السنة قبل غيرهم. لذلك يجب أن يكون الموقف من صدام ونظامه ثابتا وطنيا يجتمع عليه العراقيون من كل الطوائف والمناطق والقوميات، فمن لم يتضرر مباشرة من سياسات صدام عبر 35 عاما من الحكم المستبد المتعسف، وهؤلاء قلة قليلة، عليه أن يتعاطف مع من تضرروا من أبناء وطنه، وهذا أضعف الإيمان، وأن يكون وطنيا في مواقفه لا طائفيا أو أنانيا لا يرى سوى مصلحته القصيرة الأمد. بإمكان الساسة العراقيين أن يوحدوا البلاد من خلال دعمهم للحكم الصادر بحق صدام وأعوانه وعدم التشكيك به، وعليهم التعامل معه بتجرد سياسي ومذهبي، وعدم إقحام خلافاتهم السياسية أو المذهبية أو القومية فيه. صدام هو ظالم العراق وقاتله ومدمره وهذه حقيقة يجب أن نتحد عليها وكفانا تفرقة وتشرذما. تأييد الحكم الصادر بحق صدام هو دعم للعدالة والقضاء العراقي وتقوية للدولة العراقية وبداية لتماسك وطني يعيدنا إلى الانتماء الوطني العراقي الذي أضعفه التحزب والطائفية والعنصرية والأنانية.