تم تأجيل القضية الخاصة بجرائم الدجيل إلى يوم 16/10 للتدقيق، وبعد أن قامت الهيئة القضائية المتشكلة في المحكمة من دراسة القضية وتدقيق عناصر الإثبات فيها، وجدت أن القضية قد استكملت كافة جوانبها القانونية والقضائية، وكما وجدت ان هذه القضية لاتتخللها النواقص ولا الشكليات التي توجب عليها فتح باب المحاكمة مجدداً لإكمالها، وعليه قررت بناء على قناعتها ختام جلسات المحاكمة وتأجيل القضية إلى يوم 5/11 لإصدار قرار الحكم العادل.
وكانت محكمة الجنايات الأولى التابعة للمحكمة الجنائية العراقية العليا قد نظرت أول القضايا المتهم بها صدام حسين وهي قضية الجرائم التي ارتكبت بحق أهل الدجيل، وبالإضافة الى المتهم صدام كان هناك سبعة متهمين أخرين تراوحت اتهاماتهم وفق ما نسب اليهم من أفعال، ضمت أسماؤهم جميعا أضبارة القضية التي أكتمل التحقيق فيها من قبل محكمة التحقيق في نفس المحكمة، و بالإضافة إلى المتهم الرئيس صدام حسين، كل من طه ياسين رمضان وبرزان ابراهيم حسن وعواد حمد البندر وعبد الله كاظم رويد ومزهر عبد الله كاظم رويد وعلي دايح علي ومحمد عزاوي علي، وتم تدقيق الأدلة المتوفرة في دور التحقيق ووجدت هذه المحكمة أن الأدلة المتوفرة فيها كافية للأحالة، وقد وجدت محكمة التحقيق أن القضية بما توفر بها من أدلة تكفي للأحالة فأنها تقع ضمن أفعال الجرائم ضد الأنسانية والمسؤولية الجنائية الشخصية وأنتهاكات القوانين العراقية، حيث تمت الأحالة وفقاً للمادة 12 بدلالة المادة 15 من قانون المحكمة، وأستناداً لنص الفقرة ب من المادة 130 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تمت أحالة القضية إلى المحكمة الجنائية العراقية العليا.
وعند ورود اضبارة القضية تم تعيين موعداً للمحاكمة بعد إشعار الادعاء العام وتبليغ المتهمين الموقوفين ووكلائهم والمشتكين والشهود في القضية، وأستمعت المحكمة الى شهادات المشتكين وبعض الشهود، كما أستمعت الى مداخلات وتعليقات المتهمين وهي مهمة ومنتجة في القضية، وتحكم المحكمة في القضية الخاصة بالدجيل بناء على اقتناعها الذي يتكون لديها من الادلة المقدمة في دور التحقيق او دور المحاكمة، وهذه الادلة هي شهادة الشهود ومحاضر التحقيق والكشوفات الرسمية والقرائن والادلة الاخرى المقررة قانونا بالأضافة الى السندات الرسمية (الكتب الرسمية والقرارات والمراسيم والأوامر الخطية) الموجودة بحوزة الأدعاء العام التي قدمها للمحكمة أو المربوطة في أضبارة التحقيق بالأضافة الى الأقرار، وبعد عدد من الجلسات التي أستمعت المحكمة خلالها لعدد من الشهادات العيانية المهمة والمؤثرة في القضية وجد مايلي من وجهة نظر متابع:
1-أن بعض المشتكين والشهود أفادوا باعتقالهم مع ذويهم وعوائلهم دون وجود قضية تحقيقية أو اتهام قانوني أوصدور أمر من قاضي حيث لم يلتق أي منهم بأي قاض طيلة فترة التحقيق، وكان قرار الحجز غير قانوني، ولم تكن هناك أية أدلة على أرتكابهم أفعال مخالفة للقانون، وتم أجراء التحقيق معهم ومع ذويهم في اخطر الأجهزة الأمنية في دائرة التحقيق بجهاز المخابرات، وتم حجزهم في سجن حاكمية المخابرات (وهي دائرة أمنية لاعلاقة لها بالقضاء العراقي وبوزارة العدل ولا بمحكمة التمييز) ثم نقلوا الى سجن ابو غريب ومنه الى صحراء السلمان في منطقة صحراوية نائية تدعى (ليهٌ) حيث تم اسكانهم في بيوت مهجورة تابعة لمديرية أمن السماوة، وثبت أن الأمر الصادر بالأعتقال لم يكن قانونيا وغير صادر من جهة قضائية مختصة، كما ثبت أن الأعتقال العشوائي لعدد من العوائل العراقية في منطقة الدجيل ومعهم أطفال رضع وأحداث يشكل أنتهاكا صارخا للقوانين العراقية، ينطبق الفعل مع نص الفقرات (أ، د، هـ، ح، ي) من المادة 12 من قانون المحكمة.
2-تم عرض شريط مصور يفيد بأعتقال عشوائي لمواطنين أربعة كانوا يعملون في بساتين منطقة الدجيل، تم القبض عليهم عشوائيا من قبل جهاز الأمن الخاص وعناصر الحماية الشخصية، ومن ثم صدور أمر من المتهم صدام بتفريقهم عن بعض وأجراء التحقيق معهم، وبنتيجة لأمر صدام فقد لقي الأشخاص الأربعة حتفهم أثناء التحقيقات الجارية أثناء التعذيب في جهاز المخابرات العراقي الذي يرأسه حينها المتهم برزان، ولم تسلم جثثهم لحد اليوم إلى ذويهم، وكان المتهم برزان ابراهيم قد أفاد أن هؤلاء موجودين في أيران دفعاً للأتهام وتضليلا للعدالة، وحيث أن الدلائل القطعية أثبتت وفاتهم وعدم عودتهم لذويهم منذ العام 82 ولحد يوم المحاكمة فتكون مسؤولية حياتهم وأعتقالهم بصورة مخالفة للقوانين مترتبة بحق المتهمين صدام وبرزان، مما ينطبق عليهما نص الفقرة (أ من المادة 12) من القانون.
3-أشار المتهم برزان تعليقاً على وجود جثث بعض الشهداء من الأبرياء الذين تم قتلهم بطرق عشوائية من قبل جهاز الحماية والمخابرات وبأوامر مباشرة من المتهم برزان بناء على تعليمات المتهم صدام بأنهم (كلاب) يستحقون القتل، ويقصد المتهم برزان بشكل غير مباشر بأن كل من يتم قتله من قبل السلطة وجهاز المخابرات لايعتبر أنساناً وفق وجهة نظره ويتوجب قتله، وهو بهذا التوصيف يقر أقراراً ضمنيا بالمسؤولية الجنائية الشخصية عن جريمة قتل الضحايا الذين ثبت أنهم أبرياء، مما يعزز دليل الإثبات في تطبيق النصوص أعلاه.
4-تعرض العديد من الأطفال والشيوخ الى حالات الموت في موقف المخابرات وفي سجن ابو غريب بسبب الأعتداء عليهم وتعذيبهم أو منع الرعاية الصحية وسوء التغذية، ولحقهم العذاب في صحراء السماوة حيث تم إخضاعهم لظروف يتعمد إهلاكهم فيها كلياً أو جزئياً، وحيث أن أوامر الحجز التعسفي كانت بأوامر صادرة من المتهم صدام الى المتهم برزان حيث كان أمر أعتقالهم وحجزهم يعود اليه مباشرة فتكون المسؤولية الجنائية بحق المتهمين صدام وبرزان متحققة فعلاً.
5-أشار المتهم صدام الى ان سبب نفي وحجز العوائل العراقية في صحراء السلمان كان لغرض تجميع تلك العوائل ووحدتها ولصالح تلك العوائل كما يزعم، وفي هذا الأمر أقرار صريح وواضح في مساهمته بإجراءات النفي والحجز غير القانوني والمخالف لنصوص الدستور والقوانين العراقية، بالأضافة الى الأنتهاك الصارخ لحياة الناس طيلة تلك السنوات العجاف وتعريضهم للعذاب والموت والتعمد بحرمانهم حقهم في الحياة وموت العديد منهم تحت تلك الظروف القاسية، بالأضافة الى وجود كتب رسمية وأوامر تقضي بهذا الحجز والنفي لهذه العوائل دون ثبوت او وجود تهمة معينة أو أي فعل مخالف للقانون، وثبت للمحكمة أن جميع تلك الأوامر بالتحقيق والملاحقة والقتل كانت بأمر شخصي ومباشر من المتهم صدام تم تنفيذها حرفياً بعد ان استغل صفته الرسمية في الدولة في قتل وتعذيب وانتهاك حياة الناس دون التقيد بالنصوص الدستورية والقانونية مما يؤكد انطباق النصوص القانونية المذكورة في القانون، بالإضافة إلى أقرار صريح من المتهم صدام بتحمله المسؤولية القانونية واعترافه بها أمام المحكمة .
6-ومن أخطر الأدلة ما بحوزة المدعي العام من وثيقة رسمية أبرزها خلال جلسة المحاكمة الأخيرة وهي عبارة عن كتاب صادر عن دائرة شؤون قانون السلامة الوطنية التابع لديوان الرئاسة في زمن المتهم صدام، وهذه الدائرة بمثابة دائرة أحالة القضايا الجنائية على محكمة الثورة التي يعمل بها المتهم عواد البندر بصفة رئيس، وهذه الدائرة وأن ضمت بعض القضاة الا انها لاترتبط بأي شكل من الأشكال في القضاء العراقي، وإنما هي جهة تنفيذية ترتبط برئيس الجمهورية في حينه، وبالإضافة إلى وجود تعليق بخط يد المتهم صدام على كتاب الإحالة وتوقيعه يقضي بأعدام المتهمين قبل محاكمتهم حيث يكون دور المتهم عواد البندر القيام بتمثيل دور رئيس محكمة ليصدر احكام بالأعدام بحق الأبرياء من المواطنين العراقيين دون محاكمة حقيقية أو حتى إصدار قرارات الحكم بالأعدام بعد تنفيذ هذه الأحكام بالموت فعلا، أي إن عدد من المواطنين تم إعدامهم قبل إحالتهم ومحاكمتهم توفي قسم منهم أثناء التعذيب في مرحلة التحقيق .
وما يؤكد ذلك قيام سلطات المخابرات بدرج أسماء عراقيين لم يكنوا من بين المقبوض عليهم ومع ذلك تم إصدار الحكم عليهم حضوريا بالإعدام شنقاً حتى الموت، وتنفيذ حكم الإعدام ببدائل عنهم (اعتبرهم صدام ماتوا عن طريق الخطأ وأعفى ممن لم يتم تنفيذ حكم الإعدام بحقه عن طريق الخطأ) بإقراره الخطي واعترافه إمام المحكمة، وهذا الأمر يؤكد قيام المتهم عواد البندر بإصدار قرار الحكم من محكمة الثورة دون مشاهدة الضحايا ودون إجراء محاكمة عادلة ولو بحدها الأدنى، حيث قام بإصدار قرارات حكم بإعدام أشخاص متوفين أثناء التحقيق ولم تستطع السلطة إحضارهم، بالإضافة إلى قيامه بإصدار قرارات حكم بإعدام أحداث لم يتجاوزوا سن الرشد، وكذلك قيامه بإصدار قرار حكم بإعدام أناس أبرياء يتشابهون بالاسم مع المطلوبين تم تنفيذ الحكم بحقهم فعلاً .
7-أنكر المتهم برزان معرفته بتوقيف المتهمين وتذرع بأنه لم يكن يعرف مثل هذه الأموربالوقت الذي كان يتبوأ منصب رئيس جهاز المخابرات الخطير في العراق وقد ثبت عدم صحة أقواله كلياً، بينما ركز بعض المشتكين و الشهود على قيام المتهم برزان بالتحقيق معهم ومع ذويهم شخصياً والقيام بتعذيبهم، كما عززت شهادة وضاح الشيخ المسؤول حينها عن التحقيقات الأمنية في جهاز المخابرات مع الضحايا كل الأدلة التي تؤكد ثبوت قيام برزان أبراهيم بأصدار أوامر التوقيف والتحقيق والأمر بقتل بعض الضحايا في مقر جهاز المخابرات أو في منطقة الدجيل وعدم تسليم جثث بعض منهم الى ذويهم وتعذيب الاخرين.
8-ثبت في التحقيق وشهادة المشتكين والشهود ومن اعترافات بعض المتهمين قيام المتهم طه ياسين رمضان بتجريف البساتين والدور العائدة لبعض من أهالي الدجيل عقابا لهم وتنفيذا لرغبة المتهم صدام في الأنتقام منهم، وكون هذا الأجراء بعيد عن أجراءات الأستملاك القانونية والمصلحة العامة، وأجراء مجحف وظالم ومخالف للقانون بحق الممتلكات الشخصية التي يحميها الدستور والقوانين المرعية، بالإضافة الى أنه كان من الأجراءات العقابية الصارمة التي نهجتها السلطة في حينه متمثلة في أوامر المتهم صدام المخالفة للدستور المؤقت والتي لاتتم مناقشتها أو معارضتها أو أمكانية الطعن بها أمام أية جهة، كما أن هذه البساتين والمزارع بالإضافة إلى كونها مملوكة لأصحابها، فأنها تشكل جزء من الثروة الوطنية، وقد تصرف المتهم رمضان بما يحقق تدمير ممتلكات المشتكين وفقاً لمزاجه ودون وجود ضوابط أو قرارات تحدد حصرا الممتلكات الخاضعة للتدمير والبساتين الخاضعة للقلع، كما أقر صراحة أنه يقوم بتنفيذ رغبة المتهم صدام مهما كانت الأسباب والذرائع ولم يزل متمسكا بهذه الرغبة حتى لحظة المحاكمة .
9-قيام المتهم صدام والمتهم برزان بمخالفة منطوق الآيــــة الشرعية والمبدأ القانوني ((ولاتزر وازرة وزر أخرى)) بأعتقال أهالي المتهمين وأقاربهم، وتنفيذ احكام الأعدام حتى بالجنود الملتحقين بوحداتهم العسكرية من أقارب وأولاد المتهمين، وحتى ممن لم يكن حاضراً حتى يوم واقعة الدجيل، بالأضافة الى القيام بأعتقال نساء وأطفال لاحول لهم ولاقوة بقوا فترة طويلة في الحجز والتوقيف دون سبب أو قرار قانوني بقصد إهلاكهم جزئيا أو كلياً.
10-أن ماجرى على اهالي الدجيل ومالحق بالضحايا الذين تم اعدامهم سواء في دور التحقيق أو ممن أصدر المتهم عواد البندر أحكام محكمته عليهم بألاعدام وهي محكمة لاتتشكل من القضاة العراقيين وليس من بين اعضائها قاض واحد ولاتخضع لقانون التنظيم القضائي ولالسلطة محكمة التمييز في التدقيق لأن قراراتها قطعية تنفذ بعد صدورها دون مراجعة أو تدقيق أو طعون، وكما لاتخضع لمراقبة مجلس العدل في العراق، كما تقع مسؤولية الذين لم يتم تسليم جثثهم الطاهرة الى ذويهم على المتهم صدام والمتهم برزان والمتهم عواد حمد البندر بشكل أساسي وتتم مسائلتهم عن جميع الجرائم التي وقعت على تلك المجموعة البشرية، في حين تتم مسائلة المتهم رمضان عن حالات الأنتهاك والتخريب المتعمد والأمعان في تخريب الأقتصاد الوطني في تدمير الاف الدونمات المزروعة بالأشجار ومن البساتين الشهيرة في المنطقة، علماً أن الفقرة ثالثا من المادة 15 من قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا نصت على انه لاتعد الصفة الرسمية التي يحملها المتهم سبباً معفيا من العقاب أو مخففا للعقوبة، سواء كان المتهم رئيسا للدولة أو رئيسا أو عضوا في مجلس قيادة الثورة المنحل أو رئيسا أو عضوا في مجلس الوزراء أو عضوا في قيادة حزب البعث البائد، ولايجوز الأحتجاج بالحصانة للتخلص من المسؤولية في تلك الجرائم.
ولم تكن شهادات الدفاع التي قدمها المتهمين صدام وبرزان وطه الجزراوي منتجة أو تحقق الفائدة في دفع الاتهام عنهم، لكونها جاءت بعيدة عن القضية ولا تعدو إلا مدائح وإسباغ صفات غير حقيقية على المتهمين لاأثر لها في أضعاف الأدلة أو تغيير الحكم القضائي والإدانة، أذ لم تناقش القضية ولم تأتي بتفاصيل تفيد تفنيد ما توفر من الأدلة في هذه القضية.
أن هذه الأدلة وما تجمع للمحكمة من قرائن وأدلة وإقرار من المتهمين في الجلسات التي عقدتها المحكمة، وما تستخلصه من خلال شهادات بقية الشهود وأعترافات المتهمين الصريحة والمباشرة وغير المباشرة، وما سيثبت للمحكمة من أدلة أخرى تم تجميعها من قبل سلطة التحقيق في أضبارة القضية والتي تم بها مواجهة المتهمين من خلال تدقيقاتها القضائية، ويمكن للمحكمة الاخذ بالأقرارات التي طرحها المتهمين برزان إبراهيم وصدام حسين وطه رمضان اثناء مداخلاتهم في جلسات المحاكمة والاخذ بهذا الاقرار او تجزئته فيما يخص هذه القضية، وربط كل ماتوفر من ادلة بالمحاضر وعناصر الاثبات التي تخضع لتقدير المحكمة وما طرحه الادعاء العام من ملاحظات مهمة ودقيقة لتصدر المحكمة حكمها النهائي في هذه القضية، إذ لاتستند المحكمة في الحكم لأي دليل لم يتم طرحه للمناقشة أو لم تتم الإشارة إليه في جلسات المحاكمة.
علماً أن قرار الحكم في قضية الدجيل لايؤثر على قرارات الحكم في بقية القضايا التي يتم بموجبها محاكمة الدكتاتور العراقي المقبوض عليه صدام حسين، كما أن المحكمة ستجنح لتطبيق الظروف القضائية المشددة للعقوبة بالنظر لارتكاب الجرائم باستغلال الجناة في ارتكابهم الجرائم صفاتهم الرسمية وإساءتهم استعمال تلك السلطات واستغلال نفوذهم المستمد من الوظيفة، بالإضافة إلى استعمالهم طرق وحشية في التمثيل بالمجني عليهم وتعذيبهم.
وفي النتيجة ستحكم المحكمة بناء على اقتناعها الذي تكون لديها من الأدلة المتوفرة المقدمة في دوري التحقيق والمحاكمة.
- آخر تحديث :
التعليقات