الجرائم الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة منذ عدة أيام، لا يمكن تبريرها بأي منطق أو ذريعة سواء كانت الجندي الإسرائيلي الأسير أو إطلاق تلك الصواريخ البدائية التي نادرا ما توقع أي نوع من الخسائر، ففي أكثر الحروب وحشية يسود نوع من المنطق، إلا الحروب التي تشنها دولة إسرائيل و قد كان السيد حسن نصر الله صادقا و جريئا في تعليقه على الحرب التي شنتها إسرائيل ضد لبنان على مدى ثلاثة وثلاثين يوما، عندما قال ما معناه ( لو كنت أعرف أن الرد الإسرائيلي سيكون بهذا الحجم لما أقدمنا على خطف الجنديين الإسرائيليين)! وهذا الحجم الوحشي من الرد خاصة ما جرى في بيت حانون يدلل على أن دولة إسرائيل لا تريد سلاما مهما كان نوعه و مواصفاته، والشرط الذي تضعه على حكومة حماس للاعتراف بها أولا، لن يعقبه في حالة حصوله سلام أو قيام للدولة الفلسطينية، لأن الاعتراف حاصل قبل اتفاقية أوسلو بثماني سنوات منذ أن أعلن ياسر عرفات في دورة المجلس الوطني في الجزائر عام 1988 قيام دولة فلسطين ضمن حدود عام 1967، بما يعني صراحة الاعتراف بدولة إسرائيل خارج تلك الحدود، ثم جاء توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 وتم الاعتراف علنا ورسميا بدولة إسرائيل، ولم يكن آنذاك لحركة حماس أي تأثير في القرار السياسي الفلسطيني، ورغم كل التنازلات الفلسطينية بما فيها تقاسم الحرم الإبراهيمي في الخليل، تم ابتكار مقولة ( عدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام)، وفرض الحصار على ياسر عرفات في المقاطعة في رام الله إلى أن خرج منها إلى المستشفى فالقبر!.فمن لم يتقدم في عملية السلام مع ياسر عرفات ومحمود عباس لن يتقدم بها مع حكومة حماس حتى لو وقعت الاعتراف بإسرائيل باللغتين العربية والعبرية.
لماذا هذا الرفض والتعنت؟
لأنه في حالة قيام دولة فلسطينية على أية مساحة من فلسطين وتم الاعتراف باستقلالها وسيادتها، فسيكون من حقها أن تسمح لأي مواطن فلسطيني في المنافي أن يعود للسكن فيها، وإذا تحقق ذلك ولو خلال خمسين عاما قادمة، فسيكون في تلك الدولة الفلسطينية كثافة سكانية مضافا لها عندئذ ما لا يقل عن ثلاثة ملايين ممن نسميهم عرب إسرائيل، مقارنة بتزايد النقص في الولادات الإسرائيلية، مما يعني الخطر المحدق بدولة إسرائيل رغم السلام القائم وهو الخطر الذي أطلق عليه باحثون إسرائيليون ( القنبلة المنوية ).لذلك فلا يمكن إغفال أن تهجير الفلسطينيين من القطاع والضفة ليس بعيدا عن هدف هذه الحملات الإجرامية الإسرائيلية، وهذا الخطر هو ما أشار إليه أحمد صبح وكيل وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية قبل أيام قليلة محذرا ( من تنامي ظاهرة الهجرة في صفوف الفلسطينيين خاصة من ذوي الكفاءات نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية المتدهورة ) ونبه إلى ( أن معدلات الهجرة من الأراضي الفلسطينية شهدت خلال العام الجاري ارتفاعا متزايدا لا سيما في صفوف أصحاب الكفاءات العلمية والعملية من مختلف المجالات )، وذلك كما هو ملاحظ بسبب هذا العنف الإسرائيلي الذي ترافق مع توقف صرف الرواتب منذ سبعة شهور، وهناك إحصائيات تشير إلى هجرة خمسة عشر ألف فلسطيني في الشهور السبعة الماضية، وأن عدد طلبات الهجرة والحصول على تأشيرة دخول ( فيزا ) المقدمة الآن لسفارات دول الوحدة الأوربية يبلغ حوالي خمسة وأربعين ألف طلب، وهناك تقارير تحذر من السياسة الإسرائيلية القادمة خاصة بعد دخول ( افيغدور ليبرمان ) رئيس حزب ( بيتنا ) اليميني المتطرف الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة أولمرت، والمعروف أن هذا الحزب ينادي بإبعاد العرب الذين يشكلون نسبة عشرين بالمئة من المجتمع الإسرائيلي. وبالتالي فليس بعيدا استمرار هذه الهجمات الوحشية الإسرائيلية لمزيد من تنغيص حياة الفلسطينيين من خلال القتل والتشريد والهدم والتجويع، لتحقيق مزيد من الهجرة الفلسطينية في ضوء تنامي مقولة الوطن البديل في الأردن وأن دولة الفلسطينيين قائمة فعلا شرق النهر، وتراهن بعض القيادات الإسرائيلية علنا أنه ضمن مخططات ما، يمكن تهجير ما لا يقل عن نصف مليون فلسطيني من الضفة الغربية إلى الأردن، وينبغي دراسة دقيقة لعودة مسألة ( فك الارتباط الأردني مع الضفة الغربية ) إلى الواجهة في الشهور القليلة الماضية، ذلك فك الارتباط الذي أعلنه الأردن عام 1988 استجابة لطلبات عربية وفلسطينية على اعتبار أنه تعزيز للكيانية الفلسطينية التي تسعى لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وضمن موضوع الهجرة والتهجير الفلسطيني لا بد من التركيز على هجرة المسيحيين الفلسطينيين تحديدا، فالمسيحيون الفلسطينيون الذين كانوا يشكلون عام 1948 نسبة عشرين بالمئة من مجموع الشعب الفلسطيني، لا تتجاوز هذه النسبة اليوم اثنين بالمئة من مجموع سكان فلسطين التاريخية أي القطاع والضفة وإسرائيل.
ماذا يستطيع المسلمون والعرب؟
كثرت التساؤلات الفلسطينية في الأسابيع الماضية خاصة على لسان نساء بيت حانون الشجاعات الجريئات: أين العرب والمسلمون مما نتعرض له ونعانيه؟. وهذا السؤال يجب على الفلسطينيين حسم جوابه بشكل نهائي وهو: كل ما يستطيعه العرب والمسلمون هو بيانات الإدانة والاستنكار فقط. فلنقلها بصراحة: ماذا تستطيع ماليزيا أو إندونيسيا أكبر دولتين إسلاميتين تقديمه؟ هل يتوقع أحد أن يرسلوا جيوشا لمساعدة الفلسطينيين إذا كانوا غير قادرين على إيصال مليون دولار؟. وماذا يستطيع العرب تقديمه؟ فلنقلها أيضا بصراحة: الدول العربية ذات العلاقة الدبلوماسية مع إسرائيل ضمن موازين القوى الحالية لا تستطيع حتى سحب السفراء أو قطع العلاقات!. والدول الحدودية التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وهي سورية ولبنان أيضا لا تستطيع تقديم أي دعم، فلبنان الرسمي معروفة قدراته ويكفيه ما هو فيه ألآن من مشاكل وتوترات بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وسورية التي لم تطلق رصاصة ضد إسرائيل طوال ثلاثة وثلاثين يوما من الحرب ضد لبنان، لن تطلق رصاصة دعما للقطاع والضفة. ومن تبقى؟ دول المغرب العربي: تونس والجزائر والمغرب وليبيا! ماذا تستطيع أن تقدم غير دعم البيانات والكلمات؟.
إذن فليتوقف الفلسطينيون عن السؤال: أين العرب والمسلمون؟ فهاهم كما شرحنا بصراحة، ومن لديه نقيض لذلك فلينورنا!. وماذا بعد؟. لا حل سوى وقف الفلسطينيين لخلافاتهم خاصة بين حماس و فتح ( السلطة والحكومة ) التي تصبح أكثر من مخجلة في ظل هذا التصعيد الإجرامي الإسرائيلي، ويتفقوا على حل ما...على إنقاذ ما، هم أدرى به وبتفاصيله وهم الذين يرون المصائب والجرائم التي تلحق بشعبهم، فقد أصبح كلاما مملا ويدفع للتقيؤ الحديث طوال ثمانية شهور عن حكومة وحدة وطنية أم ائتلافية أم تكنوقراطية، ونسبة كل من حماس و فتح في أي منها، وفلتان أمني وقتل متبادل واغتيالات علنية، ويتقاتلون وكأن أية حكومة يتفقون عليها ستقود فورا للدولة الفلسطينية المستقلة!!. أفيقوا فالخطر القادم أعظم!.
[email protected]
التعليقات