غاضبٌ صديقنا الرّوائي عبده خال حين أطلّ من زاويته العكاظيّة quot;أشواكquot;، ومن خلال مقال كتبه تحت عنوان quot;أسنان غير متساويةquot; في العدد رقم 14668.إنّه غاضب من القرار الذي صدر من إحدى المحاكم والذي قضى بفصل زوج عن زوجته قسرًا لعدم تكافؤ النّسب..
ثمّ علّق عبده على ذلك قائلاً: (وهو قرار لا أعرف على أيّ نصٍّ قرآني، أو حديث نبوي تمّ الاستناد إليه، فنحن تعلّمنا من الصّغر أنّ الإسلام ساوى بين البشر quot;لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتّقوىquot;، وأنّنا سواسية كأسنان المشط، وأنّ الإسلام جاء ليقضي على الفوارق الاجتماعيّة ويوحّدنا تحت عبوديّة quot;الذّات الإلهيّةquot; من غير خُيلاء، وأنّ من تكبّر نازع الله في صفة من صفاته quot;أليس هذا ديننا؟ أم جدّ في الأمر جديد)؟!
حسنًا يا عبده، نحن ndash; كما ذكرت ndash; حالة غريبة، وهذه من خصوصيتنا، إذا كنّا نبحث عن خصوصيّة، إنّنا نعود إلى الوراء كلّما ظنّنا أنّنا نسير إلى الأمام..
إنّنا أفرغنا الإسلام من مضامينه السّامية، وأخذنا نختار منه ما يُناسب الهوى، وندع تلك المبادئ التي تكفّ عن الأذى وتنهى النّفس عن الهوى!إنّنا لا نحتاج إلى التّذكير وإيراد النُّصوص التي تزيل الفروق، وتوحّد بين العروق، وتجعل أهل الغروب مثل أهل الشّروق، إنّنا لا نحتاج إلى كلّ ذلك، لأنّ من تتوجّه إليهم برسالتك يعرفون الذي تعرفه وأكثر، ولكن ما لا تعرفه ويعرفه غيرك هو استلماظ سلطة الهوى، واتّباع ما تشابه من القول والعمل لريبة تدبّ في قلوب خربة! إنّ البشر لن يكونوا متساوين، مهما قالت النُّصوص والفصوص، وكلّ ما تحفظه ليس أكثر من نظريّات ينادي بها أصحاب المبادئ، وعلّمتنا الأيّام أنّه لا يُفلح صاحب المبدأ حيث أتى!
إنّنا يا سيّد عبده أفرغنا الإسلام، وجعلناه - في أغلب الأحوال ndash; شعارًا ومظهرًا، وإن كانت حادثة فصل الزّوجين لعدم تكافؤ النّسب ظاهرة، فإنّ مئات الحوادث والممارسات والأفعال تُمارس دون أن يرتجف لها قلم وتطرف لها عين.تُرى كم من النّاس يكذبون، والكذب منهيٌّ عنه، وكم من أهل الإسلام يسرقون المال العام، ومع هذا يقولون في مجالسهم quot;إن الإسلام جاء لحفظ الضّرورات الخمس ومنها المالquot;!
وكأنّ لا يخصهم هم بالدّرجة الأولى.كم من الذين حولك وحولي يتشدّقون بمساعدة الفقراء وهم لا يدفعون الزّكاة التي هي فرض عليهم؟.. وكم من أناس تراهم ونراهم يتحدّثون عن الفضيلة وهم في الرّذيلة يسبحون..
كم من الذين تقرأ وأقرأ لهم يتشدّقون بالأمانة والنّزاهة وهُم في مستنقع الخيانة والرّشوة يستوطنون!أخي عبده.. عندما تعرف المسافة بين النّظريّة والتّطبيق تُدرك أنّنا مجتمع يقول شيئًا ويفعل آخرًا، ويعتقد أمرًا ثالثًا. إنّنا نحمل quot;الثّالوث الفكريquot; المُتناقض، فالعقل يعيش صراعًا مع الاعتقاد، والاعتقاد بدوره يعيش معركة مع العقول، والقول بدوره يتناكف مع الفعل، وهكذا يتهاوى المُثلث في مساحة الفعل الاجتماعي، لينشطر إلى مثلث ملؤه التّناقض والتّنافر والازدواج.. وأمّا إذا أردت حلاً لفصل الزّوجين وتطبيقها على مقولة quot;سواسية كأسنان المشطquot; فاعلم ndash; رحمك الله تعالى ndash; أنّ أسنان المشط سواسية، ولكن ما لم تقله المقولة تقوله الحقائق التي تثبت أنّ أسنان المشط متساوية ولكنّ يبدو أنّ الأمشاط عندنا متعدّدة، ولكلّ مشط من أمشاطنا أسنانه الخاصّة، التي لا تشبه نظيرتها في الحديث النّبوي الشّريف، فانظر من أي الأمشاط أنت!ولك حبّي وتقديري يا صديقي المُشرق.
التعليقات