يدور في الأوساط الدولية اليوم لغط و نقاش طويل حول تحليل طبيعة أعمال العنف الطائفي والإجرامي الدائر في العراق بشكل لم يكن له شبيه في تاريخه القريب و البعيد! فحتى في الفترة المظلمة التي تلازمت مع الاحتلال العثماني و التناوب الفارسي لذلك الاحتلال لم يشهد شعبه من المآسي ما يشهده حاليا؟ وحتى في دولتي (الخروف الأسود) و (الخروف الأبيض) (قرة قوينلو) و (آق قوينلو)!! لم تسفك الدماء كشلالات هادرة مثلما يحدث اليوم في دولة وديمقراطية (العمامة السوداء) و (العمامة البيضاء) و (السدارة الهندية العصماء)!، فالإدارة الأمريكية التي أخذت على عاتقها مهمة تحقيق وضمان التغيير في العراق ونقل البلد بأسره لمرحلة وحقبة جديدة بعد أن تيبست كل خلايا الحراك السياسي و المجتمعي بفعل الهيمنة البعثية الفاشية الطويلة ذات الإطار العشائري و الحزبي تتردد عن وصف الأحداث في العراق بكونها (حرب أهلية)!! وكذلك العديد من الدوائر السياسية المهمة تحجم عن تحديد تلك الصفة الواقعية لما يدور من كوارث، وبعيدا عن متبنيات الفشل و النجاح والربح و الخسارة و بقية الحسابات السياسية الأخرى فإن الواقع المر يؤكد وبما لا يدع مجالا لأي شك بأن الصفة الحقيقية للوضع العراقي الراهن هي صفة (الحرب الأهلية) بشكلها الطائفي المريض بين الفرقاء العرب في العراق تحديدا؟ وإن تلك الحرب قد بلغت مرحلة متقدمة من التعمق بات معها الحديث عن إنفراج سياسي أوتوماتيكي بوسائل تقليدية مجرد حلم من أحلام اليقظة؟ فالتهرؤ الحكومي و الفشل في إدارة الدولة قد بلغ (أرقى) مستوياته! و العجز عن تقديم الخدمات قد لامس بل تجاوز حدود الكارثة بكثير، وتراجع قادة السلطة عن فرض وتحقيق برنامجهم السياسي قد تحول لمهزلة بل لفضيحة بجلاجل وتحت أنغام طبول فرق اللطم وضرب السلاسل و السيوف؟ و العجز عن مواجهة الميليشيات المتوحشة بأفكارها ومتبنياتها الفكرية والآيديولوجية المغرقة في الخرافة و الوهم و الدجل قد بات من سمة المرحلة العراقية الصعبة الراهنة التي تحول الدم العراقي فيها ليكون أرخص سلعة!، فالإستعراضات العسكرية في مدينتي الثورة البغدادية و النجف لقوات (جيش المهدي) بتسلحها الكامل وملابسها السوداء القاتمة المعبرة عن صورة ووجه العراق الحالي هي إستعراض فج وبشع لواحدة من أخطر أدوات الحرب الأهلية القائمة و التي تتحدى حكومة المالكي في عقر دارها وتحاول فرض سيوف الإبتزاز و فرض الرأي بالقوة؟ وهي إستعراضات بائسة تذكرنا بإستعراضات جيوش القدس وفدائيي صدام البعثية والتي كانت تتكون من نفس العناصر التي تنتظر اليوم قدوم المهدي ليقودها للنصر المبين!!، أما الحكومة فهي مشغولة بالمؤتمرات الصحفية الفارغة وبصولات وجولات وبطولات الناطق الإعلامي و الخبير في شؤون المرجعية الدينية للطاقة النووية سماحة الدكتور المجاهد حجة الإسلام (علي الدباغ)!! وهو يمن على الناس بأحاديث ووعود المن و السلوى وإنه ليس بالإمكان أبدع مما كان أو سيكون؟ فيما جيوش المهدي وفيلق عمر وجند الصحابة و الطائفة المنصورة ومعهم بقايا البعث النافق يشحذون سكاكينهم وسيوفهم لتعميق الحرب الأهلية القائمة ميدانيا!! فيما يبقى مشروع المالكي لإنهاء الميليشيات مجرد (حلم في ليلة صيف فوق السطوح العراقية الملتهبة)!!، فإذا كان سقوط مئات الآلاف من الضحايا في حروبها اليومية ليست حربا أهلية، فكيف هي إذن صورة الحرب الأهلية؟ خضراء.. أم صفراء.. أم حمراء؟، وإذا كان قتل الناس بالجملة لمجرد كونهم (شيعة) وحرق المصلين في مساجدهم أحياء لمجرد كونهم (سنة) ليس حربا أهلية طائفية مريضة، فماذا نسميها إذن؟ ألا يتفوق ما يحدث اليوم في العراق على كل حوادث الذبح في الصومال (الشقيق)!! أو رواندا أو ليبيريا أو تشاد؟ أليست الرؤوس المقطوعة يوميا في العراق أكثر من نظيرتها في البلدان السالفة الذكر؟ فلماذا اللف و الدوران إذن والإحجام عن وصف الكارثة العراقية بالكلمة و الصفة المناسبة لها؟ ومع تهديدات عصابة مقتدى المهدوية وجيشه الزاعق ترتسم صورة أخرى مغايرة لم ينتبه لها الإعلام العربي جيدا وهي صورة النداء و الفتوى التي أطلقها ثمانية من أئمة مساجد أهل السنة في البصرة يحرمون فيها الدم العراقي تحريما مطلقا بشكل فصيح و غير مبهم و لاعلاقة له بقوات التحالف و لا غيرها؟ وأصوات العقل و المنطق و الصدق و النقاء الإيماني لا ضجيج لها يتوافق وضجيج أهل الذبح و السعار الطائفي سواءا من السنة أو الشيعة للأسف؟ ولكن موقف علماء السنة في البصرة هو موقف شريف ويعبر عن أصالة عراقية باتت مفقودة في هذه الأيام رغم أنه موقف سيلقى الأهمال و التجاهل ولن يقدم أو يؤخر في عجلة الحرب الأهلية الطائفية القائمة بإرادات خارجية (إيرانية/ سورية/ سلفية متطرفة/ بعثية مهزومة)... و الكرة الآن في ملعب حكومة المالكي التي وحدها رغم ضعفها تملك القرار النهائي في مستقبل العراق.. فإما تنفيذ الوعد الحكومي بكسر ظهر الميليشيات أو أن ظهر العراق بأسره سيكسر؟ فهل سيفقد المالكي ظله؟ أم سيكون المنقذ المنتظر رغم ضعف الحيلة ونقص الولاء الوطني لقوات الداخلية و الدفاع وهي يد النظام الضاربة؟ إنه التحدي التاريخي الحاسم.. فمن سيكسب الجولة الأخيرة؟.
[email protected]