بدأت الصيحات تتعالى منذرة بأن الشرق الأوسط سيشهد ثلاثة حروب أهلية طاحنة، في العراق، وفي لبنان، وفي فلسطين المحتلة، مادتها أهلها، ونارها من خارجها ومن داخلها، ونتائجها تعم المنطقة كلها، وربما تسبب هلعا عالميا لما لها من إنعكاسات خطيرة على النفط، تصديرا وتسويقا وسعرا، وما يستتبع ذلك من مستحقات مخيفة ليست غائبة حتى على الحس السياسي العادي.
يصر بعض المحللين على تسميتها بالحرب الشيعية / السنية، وذلك حتى وهي تشتعل في فلسطين المحتلة، فالحرب الأهلية هناك بين حماس المدعومة من إيران وحزب الله وسورية ــ وهي قوى شيعية بالمحصلة النهائية من جهة ــ وبين فتح المدعومة من العالم السني تقريبا، وليس من التناقض إذا قلنا أن المسيحية المارونية في لبنان مقسَّمة بين مارونية مسيحية شيعية من جهة ومارونية مسيحية سنية من جهة ثانية ، ومما يزيد في دواعي مثل هذا النذير فوز قائمة الوفاق الإسلامية البحرينية الشيعية في الإنتخابات البرلمانية الاخيرة بنسبة فائقة، وهناك تجاذب غير مريح بين السنة و الشيعة في الكويت، وبالتالي، فإن جو التوقع مشبّع بهوية طائفية.
من الصعب التكهن بأن هذه الحروب المزعومة ستقع اليوم أو غدا، ولكن ذلك لا يبعد القول بأنها ممكنة وعلى درجة عالية من الإمكان، وإذا كان ذلك، فسوف يشتعل الشرق الأ وسط بالتاكيد. ولكن السؤل الذي يطرح نفسه هنا، ترى هل هي حرب سنية / شيعية صرفة؟ إذن أين نضع الخلاف بل الصراع العربي الأسرائيلي؟ أين نضع الصراع الأمريكي الإيراني؟ أين نضع الخلاف السوري الأمريكي؟
الشرق الأوسط ترسانة عقائد وأديلوجيات، ولكن في الوقت ذاته مساحات هائلة من النفط والخيرات، إضافة إلى ذلك مجموعة مواقع ستراتيجية مثيرة للغاية، ثم سوق عالمية حيوية بدونها قد يتعرض الإقتصاد العالمي لكساد مخيف، فهل ماتت كل هذه الحقائق في تفسير وتعليل هذه الحروب المحتملة، ونحصر الأمر في سبب واحد؟ في هوية واحدة؟ في طبيعة واحدة؟
ولكن من هو المستفيد من هذه الحروب فيما إذا وقعت؟ هل المستفيد إيران وسوريا والأطراف المحسوبة عليهما؟ هل المستفيد الشيعة أم السنة؟ هل المستفيد إسرائيل؟ هل المستفيد الغرب بشقيه أمريكا وأوربا؟ هل المستفيد الصين وروسيا؟ هل المستفيد تركيا؟
إذا قامت حروب أهلية في أي بلد من هذه البلاد سوف تعم شرورها في المنطقة بلا شك، وهو ما أشار إليه ويشير إليه كل المهتمين بشؤون هذه المنطقة، وفي المقدمة منهم ا لانظمة العربية، بما فيها بعض الأنظمة التي تحيط بالعراق. أن هذه الحروب المحتملة تستتبع خلط الاوراق بشكل مثير، بحيث لا تقدر أي قوة على لعب دور الفرز من أجل السيطرة على الأوضاع، بما في ذلك أمريكا واوربا. فهي حرب طوائف وربما حرب قوميات أيضا ، تعكس في جانب منها حرب دول إقليمية، وهي حرب حرائق وإشتعالات على مساحات ممتدة من حدود إيران عبر العراق مرورا بسوريا إجتياحا للبنان إستقرارا في فلسطين، وعليه نحن بين يدي خارطة حرب مدمرة، تشعل الأخضر واليابس،والجميع ربما يخرجون خاسرين.
أعتقد أن إيران بدأت تشعر بحاجتها إلى إستقرار المنطقة، كذلك سوريا، وفي المقابل أمريكا ومعها حليفاتها الغربيات هي الأخرى بدأت تشعر بحاجتها الضرورية إلى إستقرار المنطقة، وربما مراجعة دقيقة يقوم بها كل من الشيعة والسنة لمرارة الواقع وما يمكن أن تؤدي إليه مثل هذه الحروب قد ترشدهم إلى حلول ولو مؤقتة للخروج من مستقبل مظلم لا يقدر أحد على تقدير هويته وطبيعته.
إن مثل هذه الحروب ليست في صالح أحد، الكل سوف يسير نحو هاويته، كليا أو جزئيا، ثم قد لا تخمد في مدة زمنية قصيرة، وربما تورث حالة من العداء الازلي الذي لا يمكن معالجته.
المنقطة تشهد حركة نشطلة، الطالباني يزور إيران، بوش والمالكي على وشك الإجتماع في عمان، الرئيس التركي سوف يزور سوريا وإيران، السعودية عادت قوية نشطلة في المنطقة، الكويت والسعودية يقترحان مشروع تدويل القضية العراقية، إسرائيل وحماس يقبلان هدنة، إسرائيل تطرح لأول مرة مقترح الدولة الفلسطينية ضمن تصورات أكثر جدية وإيجابية، القوات الدولية تستقر في لبنان... ولكن على الجانب الاخر هناك تعنت من قبل بعض الامريكين في إستمرار المقاطعة مع إيران وسوريا، وهناك إصرار لبناني سني ماروني درزي على مشروع المحكمة الدولية، هناك موجات شيعية تطالب بسياسة عراقية ضد أمريكا، هناك تصاعد لموجة الإرهاب السلفية والطالبانية في العالم العربي والأسلامي...
فأين سوف تستقر المعادلة؟
هل نحن على مشارف تفاهم إيراني أمريكي؟
هل نحن على مشارف إنفجار حقيقي؟
هل يمكن تدويل مناطق التفجر المحتملة، أي تدويل القضية العراقية وتدويل القضية اللبنانية، وتدويل القضية الفلسطينية؟
كل الإحتمالا ت واردة!
إن التدويل هو المخرج الوحيد من هذه الفوضى المحتملة، كبديل عن عدم إيجاد صيغة توافق بين القوى الفاعلة في هذه الفوضى الخطيرة، سنة / شيعة، إيران / إمريكا، عرب / إسرائليين...