التحامل على هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظلم. والدفاع عن أخطاء بعض منسوبيها وأنظمتها ظلم. فالحق أن وجود الهيئة في حياتنا مهم، بل ومطلوب دعمه. ففي مناخ كثرت فيه الأخطاء والخطايا والمجاهرة بها، أصبح للهيئة دور أهم وحاجة أكبر. وفي رأيي أن وجودها يجب أن لا يحجب عن المدن والمجمعات السياحية التي تبدو أحيانا وكأنما خارج السياق الأخلاقي للمجتمع.
والحق أيضا أن بعض الأسس التي تقوم عليها كثير من أنشطة الهيئة خطأ. فالله سبحانه وتعالى يقول quot; rlm;يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌquot; والمبدأ الذي ينطلق منه افتراض عدم شرعية العلاقة بين رجل وامرأة أو حدوث منكر في موقع ما بدون وجود شبهات قوية، يخالف التوجيه في الآية الكريمة.
كما أن توسيع المفهوم الشرعي للخلوة حتى يشمل أي مجموعة من الرجال والنساء، في أماكن عامة كالأسواق والشوارع، يخالف محددات المشرع في الحديث الشريف (ما أختلى رجل بإمرأة إلا كان الشيطان ثالثهما). فالاختلاط غير الخلوة. الأول يشرع ويمنع حسب البيئة والظروف. والثاني إن تحققت شروطه يمنع في كل حال.
ومعاقبة أتباع المذاهب والأديان الأخرى على مخالفة مذهبنا وديننا يضيق واسعا، فاختلاف الأئمة رحمة للأمة، والله سبحانه وتعالى يقول في شأن الكفار (لكم دينكم ولي دين). والدعوة غير الفرض، وتقوم على مجادلتهم بالتي هي أحسن، فـ(لو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك)، ذلك (أنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). فإذا كان التحذير من غلظة التعامل ينزل في صحابة رسول الله صلوات الله وسلامه عليهم، فكيف الحال بغيرهم؟
ثم أنه ليس من الشرع أن تعطى لرجل الهيئة صلاحية الرقيب والقاضي والجلاد والسجان معا. فهو الذي يقبض على المخالف، وهو الذي يحكم عليه بثبوت المخالفة، وهو من يجلده عليها، وهو من يقوم بتوقيفه. فرجل الهيئة بشر، يصيب ويخطأ. وقد يتسرع في الحكم فيظلم، ووجود جهات أخرى في المراحل بين الاتهام والحكم وتنفيذ الأحكام يقلل من فرص وقوع المظالم.
نحتاج إلى الهيئة بشكل وروح وتنظيم أكثر موافقة لروح الشرع وجوهر التشريع. نحتاج إلى مزيد من التدريب والتأهيل لمنسوبيها على أسس تقوم على صحة فهم دور الحسبة ومفهوم الخلوة والدعوة وصلاحيات القائمين عليها. ولها منا كل الدعاء والدعم والتأييد.
التعليقات