quot;إذا كان المجتمع الحر لا يستطيع مساعدة الكَثرة الفقراء.. فلن يستطيع حماية القِلّة الأغنياءquot; (جون كينيدي)

فيلم quot;كراشquot; الحائز على جائزة أوسكار يعرض للتوترات العرقية في أميركا، التي نادراً ما يتم البحث فيها بمصداقية. وكانت قد أثارت هذه التوترات موجة الهجرة الجديدة وأحلام المواطنين والقادمين الجدد التي لم تتحقق.
قد يُسبب الأسلوب المباشر للفيلم بعض القلق. فبعد المعاناة مع المشاهد المتنافرة والقصص المتعارضة لا يبقى سوى الشعور بالاكتئاب. كان الفيلم مشابهاً للواقع في تشابك أمور الحياة والمشاكل التي بلا حلول، والعدائية المستعدة للتفجر عند أدنى تحريضٍ لها. وقد وصف رئيس شرطة لوس أنجيلس، ويليام براتون، الفيلم بأنه quot;يقول الكثير عن لوس أنجيلسquot;. في الحقيقة إنه يقول الكثير عنا نحن.
حينما اجتمع قادة كلٌ من المكسيك والولايات المتحدة وكندا في كانكن، كانت القضية الأكثر تعقيداً هي قضية العشرة ملايين مهاجر غير شرعي في أميركا، الذين يأتي معظمهم من المكسيك، ومن دونهم يصبح الاقتصاد الأميركي معرضاً للانهيار.
وكان الرئيس المكسيكي، فسنت فوكس، قد ألح على الرئيس جورج دبليو بوش لجعل إقامتهم شرعية. بينما سعى بوش في معرض دفاعه، أن يصل إلى سياسة تحررية تقترح برنامج العامل الزائر الذي يقدم الفرصة للملايين.
يشعر معظم الأميركيين بالحيرة والخوف من نتائج هذا البرنامج. كما يسيطر على غالبية الجمهوريين في الكونغرس الغلو في الوطنية الداعي إلى الخوف من كل ما هو أجنبي، وهم يتبعون الآن طريقتهم الناجحة في الاحتجاج على صفقة هيئة موانئ دبي بموقفٍ عنصري مشابه لموقفهم من الهجرة غير الشرعية.
وبدلاً من النظر إلى ما قدمه هؤلاء المهاجرون من خدماتٍ جليلة للبلاد، يُنظر إلى ما يكلفونه. كأنهم ليسوا بشراً وإنما سلعاً. بصراحة، نحن لا يمكننا العيش من دونهم، ولا تستطيع ذلك أي أمة يعتمد اقتصادها على العمالة الرخيصة غير المدربة.
منذ أقل من مائة عام، رحبت أميركا بالمنبوذين من العالم اقتصادياً وسياسياً ودينياً. وبالطبع كان التقدم الاقتصادي هو المحفز الأساسي لسياسة الباب المفتوح للهجرة.
وفي احتفالات الذكرى المائة لإعلان الاستقلال، أهدى الشعب الفرنسي تمثال الحرية للشعب الأميركي في العام 1889. ونُصب التمثال في نيويورك، في ما بدا اشارة رمزية ليكون حارساً للمناقب الديمقراطية في الأمة الجديدة. ويبدو ان الحرية تغلغلت في الروح الأميركية عبر رغبتها الجامحة في العمالة الرخيصة. لقد حُفِرت على ركيزة التمثال قصيدة quot;العملاق الجديدquot; لإيميلي لازاروس، وفيها وصفٌ ملائم للولايات المتحدة في نهاية القرن التاسع عشر، وقد ألهمت الملايين ليبحثوا عن حياةٍ أفضل في العالم الجديد، وتقول ابيات فيها:
quot;امنحوني شعوبكم المتعبة الفقيرة المتجمعة
التي تتوق أن تتنفس حرية..
الحثالة البائسة من شواطئكم المزدحمة..
أرسلوا أولئك المشردين إلي..quot;

مئات الآلاف من المهاجرين أبحروا بعد هذا النص إلى جزيرة إليس، التي اعتُبرت بمثابة المدخل الرئيسي للمهاجرين من 1892 إلى 1954.
في القرن التاسع عشر بشّرت سرعة التوسع الإقليمي الأميركي والصناعي بعصرٍ ذهبي للهجرة. إذ قَدِم إلى الولايات المتحدة من 1840 إلى 1920 حوالي 37 مليون مهاجر، وبلغ التعداد السكاني في 1890 ما يقارب 63 مليونا. واليوم يبلغ ما يقارب المائة مليو ن أميركي الذين هم من سلالة أولئك المهاجرين.
كان الترحيب جافاً في بداية الأمر. ربما كان مناسباً للاستعداد للعمل المضني والشاق الذي وظّف عديداً من القادمين الجدد.
وحتى تمثال الحرية الذي صنع في فرنسا، كان المهاجرون الجدد هم من عمل على تجميعه وتركيبه. فعند وصول أجزائه في مائتي صندوق، لم يكن محامو وأطباء نيويورك هم الذين قاموا بترتيبه. بل بالأحرى إن سيدة أميركا الكبرى قامت على قدميها بجهود العمال والنجارين والحدادين الأوروبيين.
ثم قامت بعد ذلك شبكة سكك الحديد التي تعبر أميركا وتربط الأميركتين على ايدي المهاجرين الأيرلنديين، ثم على ايدي الصينيين. كما كانت المناجم ومصانع المنسوجات والصناعات الآلية ومواقع البناء في المدن، من الساحل إلى الساحل، كلها بحاجة إلى ملايين العمال. وقد جُرِح أو قُتل عدة آلاف من العمال وتشتت عائلاتهم، والقلة من هؤلاء ساندوا الوحشية التي تلطّخ تاريخ أميركا الآن. وكانت بلدات بأكملها قد امتلكتها المصانع أو المناجم. وكانت رواتب العمال، التي بالكاد تكفي لغذائهم وملابسهم وتعليم أبنائهم، تتم إعادتها إلى صناديق الشركات مجدداً. وما تزال إلى اليوم تنتابنا صور الأطفال النحيلين ذوي الوجوه المغبرة الذين يسكنون بيوتاً خربة.
لقد استحث الظلم والوحشية حركات التشريع في مطلع القرن العشرين. وعلى رغم القوانين والتغيير المرحب بالمعايير الاجتماعية، ما تزال ممارسة استغلال وانتهاك ونبذ العمالة غير الشرعية سائدة حتى اليوم.
في يناير 2005 خلصت هيئة رقابة حقوق الإنسان في نيويورك إلى أن quot;الولايات المتحدة قد فشلت في الالتزام بتعهداتها تحت إشراف معايير حقوق الإنسان العالمية لحماية حقوق الإنسان للعاملين في صناعة اللحم والدواجنquot;. وكان هذا تقريرا في مجالٍ صناعي واحد.
إن quot;اليقظة الأبدية هي ثمن الحريةquot;، كما قال توماس جيفرسون. والمعضلة التي تواجه الرئيس بوش اليوم لا تختلف عما كانت عليه قبل مائة عام: هل ستدفع أميركا القيمة الأخلاقية العالية لمعايير العمل المنخفضة، أو ستقبل بنتائج تعطشها إلى الخدمات والبضائع الرخيصة، مع الفوائد طويلة الأجل وحماية الأشخاص الذين جعلوا من مستوى معيشتنا أمراً ممكناً؟
ليس هذا بالثمن الباهظ المتوجب دفعه من أجل كرامة الإنسان والمحافظة على شرف الأمة.

كاتبة المقالاميركية - خاص بquot; ايلافquot; وquot;موروكوتايمزquot;
* ترجمة: سامية المصري
* النص الانكليزي على الموقع

MOROCCOTIMES.COM