لا أستطيع أن أصف المشاعر التي اعترتني وأنا أشاهد مسرحية، حكي نسوان، تأليف وإخراج، لينا خوري، والتي عرضت على مسرح المدينة، في بيروت، أنا إمرأة الخمسين عام، والتي عشت هذه الحوارات في عتمة العتمة، ومررت على الهمس، ثم الصوت الحذر في الدوائر الضيقة، لأصل إلى مسرح المدينة، فأستمع وأشاهد أنا وإبنتي،ما شاهدناه، في بيروت، وهل غير بيروت يستطيع إحتضان مثل هذا المشروع؟
لينا خوري بذكاء وحساسية إستطاعت أن تمحلن (تجعله محليا) فكرة نص (الحوار الباطني للفرج) للكاتبة الأميركية إيف إنسلر vagina monologuesفالنساء تتشارك الهم ذاته , وإن بدت المسافات، بكل معانيها، شاسعة، وكما علمت، أن لينا عانت الأمرين كي تتمكن من عرض مسرحيتها، فقد تعرض نص هذه المسرحية، لما تتعرض له الأنثى، من حذف وستر وإلغاء، لتتمكن لينا، بإصرارها وشجاعتها، هي وأسرة العمل، على إخراج (حكي نسوان) إلى خشبة المسرح، إلى الجمهور. قد يقول البعض، والبعض يقول، أن طرح مثل هذا الموضوع ليس من الأولويات، وخاصة بما نراه كل يوم، من مظاهر تحرر المرأة، بخروجها للعمل وللمتعة، بتحرر ظاهري مرات، وحقيقي مرات أخرى، وإن كانت قليلة، في الحركة والملابس، والذي قد يضللنا عن حقيقة العلاقة بين الأنثى وجسدها، وبين الذكر وجسد المرأة، إلا أن ما يتتوأم مع المظهر التحرري للمرأة وجسدها، من تغييبها، غيابها، و تغليفها (سترها)، وإقصائهاعما يخصها وعما يجري في العالم، ورضوخها لمن يحركها، يؤكد في الحالتين، أن المرأة لا زالت ينظر إليها، وبالتالي تنظر إلى نفسها، على أنها موضوع جنسي حسي، وموضوع جنسي حسي فقط.
إستطاعت لينا أن تكشف، و على خشبة المسرح، كيف تحول جسدنا، سجن , لنا، وسجن للذكر، الذي يعجز أن يرى فينا غير موضوعه الجنسي، لنتحول إلى مسوخ، ودمى، مفرغة من المضامين الإنسانية، بطرفينا ذكر وأنثى، فيصبح الجنس، والذي هو أعلى ترجمة حسية للمشاعر الإنسانية، غول مبتذل، ندينه علانية، ونلهث وراءه في العتمة .
لا يمكن لمجتمع ما زال أسير للهواجس، مكبلا بالكبت أن يتطور وينضج، والكبت، ليس الإمتناع عن الجنس، وتأطيره بأطر ضيقة مزيفة، بل الوقوع في هوة العيب فيه، فكيف نكون سجناء لفعل ندينه ونعتبره عيبا ومثلبة؟؟ وهو أساس وجودنا وبقائنا، ((فإذا أراد شخص أن يهين شخصا آخر، إستعمل الجنس للإهانة))
ولا يخفى على أحد منكم، أن ما يخص الأنثى وأعضائها الجنسية، هو في العادة أكثر الشتائم إيلاما، للذكر الذي لا يرى في الأنثى إلا ممثلا للجنس، الجنس الذي يعبر في حال إنتماء تلك الأنثى (لملاك ذلك الذكر) عن الشرف، أعلى القيم وأرفعها، أو ينحدر إلى الدرك الأدنى، إذا ما كان الأمر يتعلق بأنثى خارج ملاك المحارم!! ليقتص من الذكر الآخر، بامتهان إناثه!!
فكيف يكون حال الفضيلة بلا الرذيلة، وما هو تعريف أي منهما دون الآخر؟؟!! وهو بحث آخر شائك.

quot;حكي نسوان quot; تظهر هذا التناقض، فالمتكلم هو (الفرج) والذي إنفرج في (حكي نسوان) ليحمل باقي الجسد والروح، فالمقولة إذن، إذا أريد لنا أن نختصر بعضو جنسي تناسلي، فها هو هذا العضو يتكلم نيابة عنا.
إذا أريد لإنسانيتنا أن تقتصر على أننا حامل لجسد، لا يرى فيه إلا موضوع جنس، فها هو الجسد يتكلم. وعندما نغيب كروح ووعي وفكر، ولا يبقى منا سوى (فرج) إذا لا بد لهذا الفرج أن يتكلم.

لقد تعودنا أن نسمع ونقرأ وننصاع ونطيع، لما يمليه الذكر ونظامه على هذا الكيان (حامل الفرج)، أما إذا تجرأنا، نحن، صاحبات الشأن بالحديث عن هذا الموضوع (عنا) نواجه بالعيب والحرام، ونطالب بالحياء والصمت؟؟!!
كيف يتحول ذات الموضوع من عيب إلى تنظيم، ومن حرام إلى تشريع، بانتقاله من جنسه، إلى جنس من يسيطر عليه ليوظفه لملذاته وراحته،
لا بد أننا قطعنا مسافة كبيرة، دليلنا، أن مسرحية (حكي نسوان) عرضت على المسرح، وإن كان بعد مجهود ومثابرة جبارة، وها نحن نناقشها، ولكن مشوارنا طويل، فما بين إمرأة مغلفة بساتر العيب، وإمرأة ضحية لهذا العيب، نبحث عن طرفي المعادلة الإنسانية، الإنسانين اللذين تضيع إنسانيتهما، مخافة أن نسائل ونتسائل حول ما تلقناه على أنها حقائق لا تخضع للنقاش.
منذ فجر التاريخ، المعروف والمدون، ومنذ الإغريق، كان المسرح المحرك للوعي، والحيز الذي تطرح عليه ومن خلالة القضايا الإشكالية والوجودية، و المجال الأرحب والأجرأ للحوار مع الذات والآخر، فهل نطمح لأن يرجع المسرح إلى هذا الدور. لعل مسرحي لينا خوري (حكي نسوان) علامة مبشرة بهذا الرجوع.
تحية للينا خوري ومجموعتها، على هذا الجهد وهذه الجرأة .