العنف وصل اليوم الى نفق مسدود وينقسم العالم اليوم الى شريحتين الأولى تملك القوة والتكنولوجيا ومؤسسات البحث العلمي ومصارف المال ولا تستخدم القوة، ونرى صعود دولتين لاتملكان قوة السلاح الى مصاف الدول العظمى من نموذج ألمانيا واليابان، ونرى سقوطاً مريعاً لأعظم دولة (إكراه) في القرن العشرين ممثلاً في الاتحاد السوفيتي مع امتلاكه كل القنابل النووية بسقوط داخلي محض دون أي هجوم خارجي ، وتتحد اليوم أوربا تحت شعار ألمانيا مثل الجميع وليس ألمانيا فوق الجميع بدون فتوحات هتلر ونابليون.وفي المقابل نرى شريحة ترى حل مشكلاتها بالقوة من نموذج افغانستان واريتريا والحبشة تشتري سلاحها من مصادر خارجية، ترهن مصيرها لعالم الكبار؛ فهي تستطيع البدء بشن الحرب ولكن خاتمتها بيد الكبار الذين يموِّلون السلاح فينصرون فريقاً على آخر بما يخدم مصالحهم أكثر من الفرقاء المتنازعين، بما هو أشد سخرية من قصة (القرد والقطين وقطعة الجبنة) فعندما احتكم القطان المتنازعان على قطعة الجبن المسروقة عند قرد يزعم نزاهة القضاء كان يطفف المكيال في كل مرة ويعدل القبان بقضمة شرهة من القطعة الثقيلة في الكفة الهابطة حتى ختم العملية بالتهام آخر قطعة جزاء أتعابه أمام حسرة القطط؛ فهذا هو اليوم عالم الكبار الذي يعيق نمو العالم وهم يعلمون، وفي حرب الخليج الأولى كان يموِّل الطرفين ثلاثون دولة لحرب استمرت ثماني سنوات عجاف ماهو أطول من الحرب الكونية مات فيها مليون شاب، وأهدر 400 مليار دولار، وغرقت الدول النفطية وهي المرفهة بالديون والعجز المالي، وفي معركة ( كربلاء خمسة ) مات 65 ألف شاب بين ايراني وعراقي، وفي الوقت الذي يفكِّك الغرب السلاح النووي ويحاول التخلص من سموم البلوتونيوم، وينهي الحرب الباردة في جنازة خاشعة في باريس، ترتج الأرض في بلوشستان بالزلزال النووي، في بلد يجلب العار بانقلاب عسكري، في عالم يستقبل الألفية الثالثة يودع السلاح والعسكر، ويبدأ العرب في شن الحرب الباردة بين قبائلهم الجديدة، ويتلمظون لبناء الصنم النووي بعد أن علمهم القرآن منذ أكثر من ألف عام أن الأصنام لاتضر ولاتنفع. وكأننا نذهب للحج في اليوم العشرين من ذي الحجة وقد طويت الخيام وانتهى الطواف؟!
جاء في تصريح أكبر استراتيجي نووي أمريكي (لي بتلر) في مقابلة أجرتها معه مجلة ( دير شبيجل الألمانية 32 \ 1998) أنه كان المسؤول عن خطط الهجوم لمسح 12500 مركز حيوي من ظهر الأرض خلال عشرين دقيقة بخطأ لايزيد عن 15 متر عن الهدف ، أنهم أنتجوا سبعين ألف رأس نووي بكلفة ستة آلاف مليار دولار بـ 116 نموذجاً محمولة على 65 نظام دفع صاروخي قال: لقد كنا نترنح كالسكارى وماكنا بسكارى لقد كنا عمليا نضرب رؤوسنا بطلقة الروليت الروسية ولكننا نجونا بإعجوبة ؟!
اللاعنف هو أسلوب الأنبياء في صناعة المجتمع فالمسيح عليه السلام كان صارماً عندما تقدم رجال الاستخبارات الرومانية لإلقاء القبض عليه، واستل بطرس سيفه ليدافع عنه فقال لهم: لماذا تخرجون علي كأنني لص فأنا أدرِّس كل يوم في المعبد؟! ثم توجه الى بطرس مذكراً بالقانون الاجتماعي: اغمد سيفك لإنه مكتوب أن من أخذ السيف بالسيف يهلك.
وبنى الرسول محمد ص مجتمعه بدون أن يغتال أحداً من المشركين، ليستقبل في المدينة من المجتمع الوليد بفرقة موسيقية كاملة، تعزف طلع البدر علينا بنور جديد يضيء العقول ويحرر الانسان.
نحن اليوم نتخذ نموذج الثورة البلشفية والفرنسية أو سيف جنكيزخان المعقوف مثلاً أعلى لبناء دولة اسلامية وننسى النموذج النبوي في التغيير، كما نخلط بين قيام الدولة ووظيفة الدولة؛ فالدولة هي المؤسسة السياسية التي يفرزها مجتمع، وغزوات النبي ومعاركه كانت في إطار دولة ولدت (شرعياً) برضى الناس، تمارس تحرير الانسان من الظلم مهما دان وأينما كان.
إنني أشكر الكثيرين الذين اكرموني بتعميم لقاح السلم الى مناطق التسمم بالعنف، وأنا اشق طريقي في البحر الثقافي بعصا الفكر أقلد موسى، ينفلق له البحر فكان كل فرق كالطود العظيم، بين مجهر السلطة والمتشددين الاسلاميين على حد سواء، ولكنني أشعر اليوم بتحرر بدون حدود وطاقة نفسية تزداد تألقاً واطمئناناً كل يوم؛ فأفكار السلم تعطي حصانة رائعة، لأنها لا تضر أحداً وينتفع منها الجميع.
وحتى يمكن للانسان أن يكسر حاجز التقليد فإن هذا يتطلب إعادة برمجة العقل، وما ينتظر العالم العربي هو هذه الولادة الجديدة بالانفصال عن رحم ثقافة الآباء. ولكن كيف سيحصل هذا؟؟