انطلقت بعض الأقلام في الآونة الأخيرة تحذر من البرنامج النووي الإيراني واصفة إياه (بالسلاح النووي الشيعي) الذي يهدف لإخضاع العالم العربي السني للهيمنة الفارسية الشيعية.
إنه منطق يفترض أن امتلاك دولة ما للسلاح النووي (حال ثبوت امتلاك إيران للسلاح النووي؟؟) يعني استخدامه تلقائيا في مواجهة خصوم المذهب الديني لهذه الدولة ومن ثم فهناك الآن في العالم (نووي أرثوذكسي روسي) و(نووي كاثوليكي) وآخر (بروتستانتي) و(نووي هندوسي) وإياك أن تنسى (النووي اليهودي) وهلم جرا!!.
كما أن هذا المنطق يفترض على خلاف الحقيقة والواقع أن الخصومات الدينية هي السبب الوحيد لكل ما شهده العالم من صراعات وأن الخلاف المذهبي بين المسلمين هو من النوع الذي لا يحله إلا أنهار الدم متجاهلا بقية العناصر التي يمكن لها أن تصنع السلام بين المنتمين إلى دين واحد وإلى حيز جغرافي متداخل ومصالح متبادلة لا تخطئها العين.
كما فات هؤلاء أن هذا التداخل الديني والمذهبي بين ضفتي الخليج الفارسي أو العربي سمه ما شئت يمكن أن يكون عنصرا من عناصر الوحدة والتقارب وليس العكس ولكن ما عسانا أن نقول في عين الهوى التي تعمي وتصم؟!.
يرى هؤلاء أن خطورة (النووي الشيعي الفارسي) تأتي من وجود (طابور خامس شيعي صفوي) نجح في التغلغل بين الصف العربي في غفلة من الزمن وربما بسبب (التسامح) الذي أبدته أجهزة الأمن العربي مع هؤلاء المندسين كما يرى أصحاب المنطق الليبرالي الصّدامي!!.
السؤال الذي لم يكلف أي من هؤلاء نفسه بالرد عليه هو كيف ستميز القنبلة النووية الشيعية وهي من أسلحة الدمار الشامل حال استخدامها بين العرب الأقحاح وبين العرب المزيفين من الشيعة المندسين في صفوف (خير أمة أخرجت للناس) ممن يدينون بالولاء لإيران وليس لبلدانهم؟!.
سيرد أصحاب هذا المنطق بأن السلاح النووي هو سلاح للتخويف أكثر من كونه سلاحا للاستخدام وهم يفترضون أن النووي الشيعي سيدفع الشيعة المستوطنين في العالم العربي لتصعيد مطالبهم وتهديد وحدة واستقرار بلدانهم!!.
في مواجهة هذه الفرضية لا ينبغي حصر النقاش حول النووي الإيراني وإنما يتعين مده إلى كافة ألوان النووي (إن كان للموت والخراب ألوان غير اللون الأسود؟!).
فلماذا لا يثير النووي الهندوسي قلق هؤلاء السادة وقد أصبح الخليج (العربي الفارسي سابقا) خليجا هندوسيا والأكثرية الهندوسية القاطنة في هذا الخليج لا تنتمي للعروبة ولا تدين بالإسلام وليست بحاجة إلى الدخول في جدل بيزنطي حول ما إذا كان انتماؤها لما يسمى بالعروبة انتماء حقيقيا أو زائفا وليسوا بحاجة إلى الرد على تصريحات من يلوحون للعالم بالخطر الذي يمثله شيعة الخليج على أمن واستقرار المنظومة العربية (الراسخة والمستقرة)!!.
ولا أدري كيف نسي هؤلاء النووي اليهودي الذي نجح بالفعل ومنذ عقود عديدة في فرض توازن الرعب على العالم العربي وأقنعهم بالتخلي عن خططهم الرامية إلى تحرير فلسطين وهو الذي يسعى لفرض الكيان الصهيوني كقوة عظمى وحيدة ومسيطرة على فضاء المنطقة الاستراتيجي (العربي وغير العربي) تملي شروطها السياسية والاقتصادية وتحدد للعرب ما يحق لهم امتلاكه وما ينبغي التخلي عنه وها نحن الآن (في يونيو القادم) على عتبة الاحتفال بذكرى اليوبيل البرونزي لتدمير المفاعل النووي العراقي بواسطة (جيش الدفاع الإسرائيلي)؟!.
الحديث عن استقواء الداخل بالخارج حديث طويل يمكن له أن يمتد ليشمل ملفات أخرى وهو منطق أجوف وفارغ من أي مضمون أخلاقي أو سياسي والهدف منه صرف الانتباه عن المشاكل والأزمات الحقيقية التي يعاني منها عالمنا العربي والاكتفاء بتحميل الخارج المسئولية عنها وعن وقوعها بدلا من إعادة النظر في الطريقة المعوجة التي جرى بها ترتيب البيت العربي من داخله وإيجاد حلول واقعية عادلة ودائمة تكفل توجه هذه المجتمعات نحو النمو والتقدم بدلا من بقائها غارقة في المشاكل والأزمات وإلقاء اللوم على الغرب تارة وعلى الشرق تارة أخرى.
إنه منطق يقوم على مبادلة الأزمات الداخلية بأخرى خارجية تصرف الانتباه عن ضرورة إعادة ترتيب البيت وتصم كل المطالبين بالعدل والإنصاف بالخيانة والعمالة للأجنبي الإيراني أو الأمريكي وفات كل هؤلاء أنهم خاضوا تلك التجربة المريرة والفاشلة لمدة ثمانية أعوام لينتهي بهم الأمر إلى أسوأ مما كان يخطر ببالهم آلاف المرات.
من ناحية أخرى فإنه مما يثير الدهشة غياب أي دور عربي دبلوماسي سعيا لتهدئة الأزمة ونزع فتيلها قبل أن تنفجر وتلفح بنيرانها وجوه الجميع اكتفاء بإطلاق تصريحات لا تغني ولا تسمن من جوع.
ولو أن بعض الذين انتقدوا المشروع النووي الإيراني انطلقوا من رؤيتهم للمخاطر الحقيقية التي تهدد الأمن والسلام في إيران والمنطقة كنتيجة حتمية لخطر المواجهة بين إيران والغرب الذي بدأ يلوح في الأفق لكان هذا أمرا مفهوما ومقبولا بل ومطلوبا.
أما غير المفهوم وغير المقبول أن يسعى البعض لإشعال فتنة داخلية (تكمل) ما بدأه صدام حسين قبل أكثر من عشرين عاما وكلف العرب كلهم أبهظ الأثمان و(تعزف) على أوتار زرقاوية, هذه المرة بأنامل ليبرالية!!.
وتلك هي المفارقة الكبرى.
- آخر تحديث :
التعليقات