مؤخراً، وقعت (المنظمة الآثورية الديمقراطية)، الفصيل الرئيس في الحركة الآشورية السورية، على (اعلان دمشق) للتغير الديمقراطي في سوريا، الذي يضم غالبية قوى المعارضة السورية من (عربية وكردية).بهذا التوقيع تكون المنظمة الآثورية قد خطت خطوة مهمة باتجاه انفتاحها على الحركة الوطنية السورية بكل تياراتها السياسية وطيفها القومي وعلى منظمات ولجان المدافعة عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان واحياء المجتمع المدني. وكان المنتظر من المنظمة أن تعزز هذا الانفتاح وتدعمه عبر المزيد من الانخراط بالشأن العام والمشاركة بفعالية في نشاطات الحراك الديمقراطي المعارض والتواصل معه،بما يخدم ويساهم في عملية التغيير الديمقراطي في سوريا وحل مشكلة القوميات حلاًديمقراطياً عادلاًيضمن الحقوق القومية والديمقراطية للآشوريين السوريين ومساواتهم بباقي فئات الشعب السوري.لكن يبدو أن المنظمة الآثورية الديمقراطية، وبالرغم من توقيعها على (اعلان دمشق)، هي لم تحسم خياراتها السياسية بعد، وبالتالي هي أعجز من أن تعزز موقعها في صف المعارضة في المرحلة الراهنة. هذا العجز يعود من جهة أولى: الى ضعف وتردد (قيادة المنظمة) والى حالة عدم الانسجام والتوافق بين أعضائها حول الكثير من القضايا السياسية الهامة،مما يجعلها تتخبط باستمرار ويبقيها عرضاً للهزات والأزمات السياسية.ومن جهة ثانية: الى وقوع المنظمة تحت تأثير ونفوذ مجموعات آشورية، من داخل وخارج المنظمة، ذات عقلية منغلقة على ذاتها متوجسة من الآخر، وهي بمثابة (لوبي ضاغط)، يتحرك بإيحاءات سلطوية، ترفض هذه المجموعات الضاغطة، بشدة دخول المنظمة في تحالف سياسي معارض للنظام القائم وعدم رغبتها بأن تذهب المنظمة بعيداً في العلاقة مع المعارضة السورية بشكل عام،هذه المجموعات تشكك بمصداقية ومواقف المعارضة بشقيها( العربي والكردي والإسلامي) في مسألة الديمقراطية وفي موقفها من حقوق الآشوريين بشكل خاص.على أرضية هذا الخلاف الآثوري والتعارض في الموقف من النظام ومن العلاقة مع المعارضة والحركة الكردية، انفجرت أزمة حادة داخل المنظمة الآثورية الديمقراطية، على أثر الكلمة التي ألقاها وفد المنظمة في حفل تأبين شهداء الأكراد، أقيم بمدينة القامشلي في الذكرى الثانية لأحداث آذار 2004،هذه الأزمة مرشحة للتصعيد وتنذر بحدوث انشقاق وانقسام في المنظمة، خاصة بعد تعليق مهام أعضاء قياديين فيها على خلفية هذه الأزمة، كانوا من ضمن الوفد الآثوري المشارك في الحفل الكردي. واللافت في هذه التجاذبات والاصطفافات داخل المنظمة الآثورية، هو تقدم مسؤول المكتب السياسي (بشير سعدي)، الذي يمثل المنظمة في (اعلان دمشق)، قائمة المعترضين على كلمة الوفد الآثوري، لا بل كان من المحرضين الأساسيين على رفض الكلمة وتبرأ المنظمة منها رغبة منه بالتخلص ممن يرى فيهم الجدية والحماس في تعزيز العلاقة مع المعارضة(العربية والكردية)، متذرعاً ببعض الردود السلبية على الكلمة داخل المنظمة وفي الأوساط الشعبية الآشورية. هذه الردود تعود بجوهرها الى ترسبات الماضي وتراكمات التاريخ والى ظروف الاستبداد والحرمان، التي أبقت العلاقة الوطنية بين مختلف مكونات وأقوام المجتمع السوري، ضعيفة ومتوترة يعتريها الكثير من الخلل والحساسية. لكن وبكل أسف، أراد البعض من الآثوريين،منهم مسؤول المكتب السياسي،ولأهداف مغرضة في إخراج ردود الشارع الآشوري عن سياقها الطبيعي، لافتعال أزمات ومعارك هامشية تبعد المنظمة عن مهامها وأهدافها الأساسية، وثنيها عن الاستمرار في خط المعارضة،غير آبهينبمصداقية المنظمة ومكانتها على الساحة السورية وبين القوى الوطنية، في مرحلة تتطلب توظيف وتعبئة كل الجهود في معركة التغيير الديمقراطي في سوريا وحل مشكلة القوميات حلاً عادلاً.
لا شك،أن ما حصل ويحصل، للمنظمة الآثورية الديمقراطية، لا يمكن فصله أو عزله عن أزمة (الحركة السياسية السورية) عامة وعن أزمة المعارضة بشكل خاص،في ظل نظام شمولي لا ديمقراطي، طيلة أكثر من أربعة عقود مارس كل أشكال العسف والقمع بحق المعارضين،من اعتقال ونفي وملاحقات، تمكن خلالها من تدجين الكثير منهم على قياسه، ومن تفجير أزمات وخلافات داخل صفوف الحركة السياسية المعارضة وداخل كل حزب، حول تشخيص النظام وتوصيف المرحلة وحول تحديد أولويات وآليات العمل، في بيئة سياسية وفكرية واجتماعية فاسدة ومريضة أنتجها الاستبداد، ومن غير أن يتيح الفرصة لهذه الخلافات وتباين الآراء وتعدد الأفكار والرؤى داخل المجتمع السياسي والمدني لكي تتبلور وتبرز كتيارات سياسية وفكرية جديدة على الساحة تكون قادرة على إحداث نقلة نوعية في مستوى وحجم العمل السياسي المعارض.ومن الطبيعي أن تكون الأحزاب والحركات السياسية الضعيفة أكثر تأثراً بالقمع الممارس وبظروف الاستبداد وأكثر استعداداً للتجاوب مع طلبات وشروط النظام الأمني. كما هو الحال بالنسبة للمنظمة الآثورية الديمقراطية التي تعاني من هشاشة بنيتها الفكرية والتنظيمية ومن الفقر الثقافي والسياسي. فهي منظمة قومية ذات تجربة ضعيفة في ميدان السياسية، بالرغم من مضي نصف قرن على تأسيسها، وهي وليدة في تعاطيها في الشأن العام و حديثة العهد في انفتاحها على المجتمع السياسي وانخراطها مع المعارضة، وبات من الواضح أن توقيع المنظمة الآثورية على (اعلان دمشق) لم يكن بالأصل خيار استراتيجي يعكس توجه سياسي عام داخل المنظمة، بقدر ما كان خيار بعض القياديين فيها.وفي ظل الانقسام الحاد الذي تعاني منه المنظمة الآثورية، وعلى ضوء موازين القوى التي تتجاذب وتتصارع على قراراها السياسي،لا يمكن لها أن تحسم خياراتها السياسية،قبل المؤتمر العام المقرر انعقاده صيف 2007، وبالتالي لا يمكن لها أن تتعاطى بجدية مع قوى (اعلان دمشق)، وهذا يضع مصداقية المنظمة على المحك، ويبقي توجهاتها السياسية موضع تساءل وتشكيك من قبل الأوساط السياسية السورية والمتتبعين للشأن الآشوري. فقد سبق أن انقلب مسؤول مكتبها السياسي على (البيان الى الرأي العام)،الذي صدر بمدينة القامشلي عن ممثلين من مختلف فعاليات الحراك الديمقراطي المعارض والحركة الكردية والمنظمة الآثورية، إبان أحداث آذار 2004، علماً أنه كان من ضمن الوفد الآثوري المشارك في صياغة البيان المذكور.

آثوري منسحب من قيادة المنظمة الآثورية الديمقراطية
[email protected]