عندما تلقيت دعوة أسبوع quot;المدىquot; الثقافي، مهرجان الربيع الذي انعقد في كردستان 22-30 نيسان 2006، تناوبتنى مخاوف كثيرة، فحالة الأمن غير مستتبة في العراق، نسمع ونرى القتل اليومي والعشوائي في بغداد، ترددت في قبول الدعوة، ولكن عقدت النية على السفر لمساندة إخوتنا الأكراد في قضيتهم العادلة، كما أساند كل الأقليات، وخاصة إخوتي في الله والوطن الأقباط لنيل حقوقهم الدينية والمدنية التي كفلتها لهم الشرائع والقوانين الدولية، و ما من أحد من أصدقائي أعلمه بسفري إلي العراق إلا ويقول لي:أنت مجنون لو قبلت هذه الدعوة!، حتى إن أمي ndash; في مصر - عندما أخبرتها بأنني مسافر إلى العراق أوصتني بعدم السفر، ولكني سافرت وحسناً فعلت، صحيح أن الرحلة كانت شاقة بعض الشيء، حيث سافرنا إلى عمان للمبيت لليلة واحدة، سافرنا بعدها على متن طائرة خاصة إلى مطارquot;إربيلquot; في كردستان، ونفس الشيء أيضاً تم في العودة. كانت إجراءات الأمن مشددة جداً في مطار عمان، خاصة بعد محاولة الزرقاوي وحماس إشاعة الفوضى والتفجيرات في المملكة. سافرنا في اليوم التالي إلى quot;إربيلquot;، واستقبلنا الأستاذ فخري كريم بوجهه البشوش، وفي اليوم التالي جاء السيد مسعود البرزاني رئيس إقليم كردستان وافتتح المهرجان الذي كان تحت شعار quot;ثقافة ديمقراطية لعراق حرquot; الذي دام أسبوعاً والذي تضمن مناقشة موضوعات:الديمقراطية، المرأة، والأقليات والاقتصاد... بالإضافة إلى عروض سينمائية ومسرحية، كما تخلله أيضاً افتتاح لمعرض للكتاب، إضافة إلى عروض من الفلكلور الكردي، بلغ عدد الحضور أكثر من 400 شخصية ثقافية من العالم العربي. وبعد ذلك بثلاثة أيام تناول السيد مسعود البرزاني معنا الغذاء ثم التقي بالنخبة الثقافية، وأجاب على أسئلة الحضور بكل صراحة ووضوح، ما أعجبني في حديثه هو أنك لا تسمع منه إلا كلمات: الديمقراطية، دولة القانون، الفيدرالية، التسامح.بعد أن التقيت بكل من السيد مسعود البرزاني والرئيس جلال طالباني الكرديان شعرت أن الأكراد يقودون العالم العربي إلى الحداثة.لماذا؟ لأن الأكراد كجميع أقليات العالم العربي الدينية

السيد مسعود البرزاني في لقائه مع النخبة العربية
القومية من مصلحتهم الدفاع عن أمرين أساسيين:الديمقراطية حتى يخرجوا من كابوس الإستبداد، والعلمانية لكي يخرجوا من كابوس النرجسية الدينية التي تسحقهم سحقاً، فالديمقراطية والعلمانية هما لب الحداثة. وكان مما ذكره لنا السيد برزاني أنهم ظلموا كثيراً في ظل النظام البائد، حتى أنهم ضربوا بالكيماوي وتساءل: هل سمعتم عن كردي فجر نفسه في بغداد أو قام بعملية انتحارية في أي مكان في العراق؟!.حقيقة أدهشني هذا الرجل المتواضع بزيه الكردي الجميل ووجهه البشوش، وتمنيت لو أن جميع القادة العرب يتحدثون ndash; ويمارسون ndash; مثله عن الديمقراطية والتسامح.

طلب منا السيد مسعود البرزاني أن quot;نرى إقليم كردستان على حقيقته وننقل هذه الصورة للآخرين، لأن القضية الكردية لم تعرض حتى الآن بشكل عادل ومنصف في الصحافة العربيةquot;.وما قاله رئيس حكومة كردستان صحيح، فالشارع العربي يمتلك صورة مشوهة عن كردستان، هي الصورة عينها التي قدمها ويقدمها له الإعلام العربي الذي يسيطر عليه المتأسلمون والقومجيون والذي يعتبر ظلماً أن جميع أقليات العالم العربي هم طابور خامس، وأن الموقف الصحيح معهم هو القمع الدموي. وليس مصادفة أن صدام الذي لطخ يديه بدماء جميع العراقيين، وخاصة أقليتهم الكردية وأغلبيتهم الشيعية العربية، الأولي مارس معها التطهير العرقي، وضربها بأسلحة الدمار الشامل، والثانية حفر لها المقابر الجماعية ليدفن أحياناً أسراً بكامله أحياء بمن فيهم الأطفال الرضع. وأقترح على رئيس حكومة كردستان وعلى شريكه الرئيس جلال طالباني إنشاء فضائية بالعربية والإنجليزية لتقديم التجربة الكردية الفريدة في العراق. فقد كتب مبعوث اليومية الفرنسية quot;لوفيجاروquot;
THIERRY OBERLE ريبورتاج بتاريخ 15/5/2006 بعنوانquot;كردستان مرفأ سلام في محيط من العنفquot; شهد فيه بأن كردستانquot;تلعب دور وسيط الخير لتقريب العرب السنة والعرب الشيعةquot;. وهو نفس ما أكد عليه الرئيس جلال طالباني عندما إلتقيناه بعد ذلك في السليمانية عندما قال لنا أن عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية يقول له أنquot;الأكراد جزء من الحل وليسوا جزء من المشكلةquot;. في حين أن الشارع العربي مقتنع كما سممه الإعلام المتأسلم بأنها تلعب دوراً معاكساً.وكردستان الديمقراطية المستقرة والمزدهرة تلعب أيضاً دوراً رائداً بالنسبة لأقليات الشرق الأوسط التي لا شك أنها ترى فيها بشارة ونموذجاً لتحررها من الاضطهاد المزدوج: اضطهاد الأنظمة البوليسية، واضطهاد المتأسلمين الذين يدفعون هذه الأقليات دفعاً إلى الهجرة، فنصف المسيحيين الفلسطينيين اضطرتهم حماس إلى الهجرة خلال الانتفاضة الثانية لأنها كانت تفرض عليهم دفع جزية ثقيلة مقابل عدم تجنيدهم في جيشها الانتحاري

خلال مدة إقامتي في أربيل خرجت لأتعرف على المدينة و طبيعة أهلها، فرأيت حركة عمرانية واسعة النطاق تبشر بمستقبل واعد، فهناك مشاريع عمرانية في كل مكان، أبراج سكانية تبني، مراكز تجارية تنشأ، وشركات عملاقة عالمية أتت لتستثمر في الإقليم في كل المجالات، الصناعية، والصحية، والتجارية... هناك كردستان جديد يولد على أحدث طراز. لكن على الرغم من ذلك لاحظت أن هناك من يعيشون تحت عتبة الفقر، حيث يسكنون مدن الصفيح. لاحظت أيضاً أن أكثرية النساء سافرات يرتدين الجينز، والأقلية القليلة متحجبات، لاحظت أن مستوى معيشة الأغلبية معقول، وكان هذا واضحاً في ملابس أهل الإقليم ومن محالهم التجارية.
أما أثنا انتقالنا من إربيل إلى السليمانية بالباصات فقد رأيت طبيعة ساحرة خلابة، رأيت على جانبي الطريق أودية فسيحة يختلط فيها الماء بالخضرة في تشكيلات عجيبة، رأيت الماء ينساب بين الأعشاب الخضراء في لوحة طبيعية جميلة، تحرس هذه الأودية من كل جانب جبال شاهقة مختلفة الأحجام والأشكال، كل ذلك أنساني طول المسافة بين إربيل والسليمانية. كردستان بدت لنا ونحن نهبط بالطائرة في مطار إربيل كواحة ساحرة خضراء.
تحية لكل الأكراد الذين قابلونا بكل حب وحفاوة وكرم، و تحية لكل من السيد جلال طالباني رئيس العراق، وتحية للسيد مسعود برزاني رئيس حكومة كردستان، وتحية للمناضل التقدمي الأستاذ فخري كريم رئيس دارquot;المدىquot; الذي نظم المؤتمر، وأدعوكم جميعاً لزيارة كردستان للتمتع بجمالها الخلاب ومشاهدة انجازاتها العظيمة.
[email protected]