في 28 أبريل الماضي صدر التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية للعام 2006م حول quot;حالة الإرهاب العالميquot; للعام2005م، الذي أبقى على وضع ليبيا في قائمة الدول الراعية للإرهاب. ثم فجأة ظهرت علينا كونداليزا رايس، وأعلنت، في بيان لها، الإثنين15 مايو 2006، عن شطب ليبيا من القائمة الأمريكية السوداء. عبرت السيدة رايس عن سعادتها باستئناف الولايات المتحدة لعلاقاتها الدبلوماسية الكاملة مع ليبيا، مؤكدة أن الولايات المتحدة اتخذت: quot; هذه الإجراءات اعترافًا بالتزام ليبيا المتواصل بنبذها للإرهاب والتعاون الممتاز الذي أبدته مع الولايات المتحدة وأعضاء آخرين بالمجتمع الدولي ردًّا على التهديدات العالمية التي يواجهها العالم المتحضر منذ 11 سبتمبر 2001quot;. واعتبرت ليبيا نموذجا مهم للضغط علي إيران لكي تغيير من تصرفاتها. ثم ظهر ديفيد ولش، مساعد كونداليزا، والقائم على الملف الليبي، في مؤتمر صحفي ليعلن عن نتائج المعادلة الأمريكية القاضية بأن الدول التي تتخذ: quot;قرارًا يتفق مع مبادئ السلوك الدولي(=السلوك الأمريكي) فإنها ستجني الفوائدquot;. وتظاهر بالحرص على تطمين الرأي العام الأمريكي بأن القرار لم يتخذ إلا بعد: quot;مراقبة دقيقة وحسابات للسلوك الليبيquot;. بحيث أن إعادة أمريكا لعلاقاتها مع نظام العقيد القذافي لا تزيل قلق الإدارة البوشية، حسب ويلش، بشأن وضع حقوق الإنسان في ليبيا، وقضية الممرضات والطبيب الفلسطيني، داعيا طرابلس إلى ضرورة إعادة الممرضات البلغاريات إلى quot;بيوتهن وحل هذه القضية في أسرع وقتquot;. وفي رده عما إذا كان اتخاذ القرار جاء نتيجة لضغوطات الشركات النفطية الأمريكية، نفى ولش الأمر كما هو متوقع. وأصر أن القرار لم يتخذ: quot;لأن لدى ليبيا نفطا.... بل لأنهم تعاملوا مع قلقنا من موضوع الإرهاب في تشريعاتهمquot;. لكن نفيه لم يكن في الحقيقة إلا إثباتا لما هو واقع فعلا. فالإدارة البوشية هي عبارة عن كارتل نفطي. وشعار quot;الحرب على الإرهابquot; ليس سوى ساتر دخاني للتغطية على أجندة الهيمنة على نفط الشرق الأوسط وحماية إسرائيل، سواء بالحرب والغزو والاحتلال المباشر، أو بفرض الانبطاح والاستسلام الوقائي على الجبناء.
حاول أحد الصحفيين أن يحرج ولش قائلا أن ليبيا لم تتوقف عن ممارسة الإرهاب بدليل أن قضية اتهام طرابلس بتدبير محاولة اغتيال الملك السعودي عبد الله ـ عندما كان واليا للعهد ـ لا تزال قائمة؟!فرد عليه ولش بذكاء محترف، معتبرا القضية مغلقة بعدما سامح الأمير عبد الله بن عبد العزيز العقيد القذافي بمناسبة تتويجه ملكا!
كان القرار الأمريكي مفاجئاً للنظام الليبي، الذي عرف بها لأول مرة من الرئيس الباكستاني، الذي اتصل بالقذافي في الصباح الباكر، حاملا له البشارة قبل أن تُعلن رسميا. وتبعه في الاتصال التلفوني الملك الأردني مهنئا!
والحال أن قرار إعادة أمريكا لعلاقاتها الدبلوماسية مع نظام القذافي كانت أمرا متوقعا، لكن المفاجيء فيه توقيته. فلم يكن في حسابات أشطر المحللين السياسيين تنبؤا أو قربا من المصادر المطلعة، أن يتوقع حدوث الأمر، بهذه السرعة، حيث لم يمر سوى حوالي أسبوعين وبضعة أيام على صدور التقرير الأمريكي السنوي، الذي ثبّت وضع ليبيا في قائمة الدول الراعية للإرهاب. فما الذي حدث خلال هذه الفترة القصيرة حتى تراجعت الإدارة الأمريكية عن موقفها؟!
في التحليل السياسي العام، أي المشترك بين المحللين السياسيين، غربا وشرقا، فإن الإدارة الأمريكية المتخبطة استراتيجيا بإزاء القضايا الدولية، رأت ضرورة التسريع بمكافأة نظام العقيد الليبي لعدة أسباب ودوافع مركبة. منها، بالدرجة الأولى، ضغط الشركات الأمريكية النفطية المتطلعة، بشراهة، إلى غنيمة النفط الليبي، تحفزها إغراءات الأفضلية المُقدمة لها من الحكومة الليبية، التي هددت، في الوقت نفسه، بالتعاقد مع الشركات الأوروبية في حالة عدم رفع ليبيا من قائمة الإرهاب. وبالدرجة الثانية، تريد الولايات المتحدة استخدام صك الغفران المُعطى لليبيا، في الضغط على إيران وكوريا الشمالية، على أساس أن نموذج العقيد القذافي التائب ينال الجزرة، مقابل نموذج صدام العاصي الذي نال الحفرة!
ومن الأسباب التي سرّعت من صدور قرار quot;العفوquot; الأمريكي، الضغوط التي مارسها بعض أعضاء الكونغرس الموالين لإسرائيل، وعلى رأسهم كبير الصهاينة، توم لانتوس، الذي زار العقيد القذافي، في خيمته عدة مرات، خرج منها على قناعة بأن العقيد القذافي على استعداد، في حالة شطب اسم ليبيا من قائمة الإرهاب وعودة العرقات الدبلوماسية مع نظامه، أن يعوض اليهود الليبيين الذين تركوا ليبيا، ويسمح لهم بالعودة إليها واستعادة أملاكهم، وهو ما صرح العقيد به، عدة مرات، علناً. وتعهد كذلك بالإقدام على التطبيع مع إسرائيل وإقامة شكل من التمثيل الدبلوماسي معها. ولم يكن اقتراحه باسراطين إلا تمهيدا للانسحاب من شعاراته القوموية القديمة عن تحرير كل فلسطين. عمليا، تكفل نجله سيف الإسلام بإجراء اتصالات سرية متعددة مع مسؤولين إسرائيليين. وقد عبر توم لانتوس، في بيان له، عن سعادته بالقرار الأمريكي، باعتبار ليبيا: quot;إن ليبيا غيرت تمامًا مسلكها بإلغاء برنامجها لتطوير أسلحة الدمار الشامل وإنهاء دعمها للإرهابquot;. كما أن الخطوة الأمريكية، حسب لانتوس، تُظهر: quot;لباقي الدول المارقة وخاصة إيران أن بلادنا تأخذ في الاعتبار التغيرات الإيجابية في السلوك وأكثر من مجرد الرغبة المتبادلةquot;
والسؤال ماذا عن حقوق الإنسان، التي ترفعها الإدارة البوشية إلى منزلة التعاليم quot;المقدسةquot;. وجعلت مطلب احترامها أحد شروطها لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع ليبيا؟!!وأفضل إجابة على هذا السؤال هو ما جاء في تعليق لإذاعة الصين الدولية: quot;... وهكذا نرى أن الولايات المتحدة يمكنها و بسهولة تغيير جلدها حسب المكان الذى تقف فيه أو تحاول الدخول فيه على أقدامها أو على أطراف أصابعها. quot;
وفي رأي أن ليس أكذب من أكاذيب الإدارة البوشية في غزو العراق، كونه يمتلك أسلحة دمار شامل، وله علاقة بتنظيم القاعدة، إلا القول بجلب الديموقراطية وحقوق الإنسان له، ونشرها، منه، في العالم العربي. فالإدارة البوشية معنية بنشر جيوشها وعملائها وشركاتها النفطية القابضة، إلى جانب حماية إسرائيل. وهي مستعدة لترويض بقايا زعامات quot;طز في أمريكاquot; وتحويلهم إلى هزّازين وسط على إيقاع استراتيجتها.
falasha@libya-nclo. org