لماذا تبقى العرب، وحدهم، تقريبا، في ذيل الماراثون الحضاري، كالكسيح في سباق الأصحاء على المقدمة. لا تقل لي إن العلة ليست فينا. فالعلة فينا. نصوصا ونفوسا. لنكف عن مط الحكاية المضجرة عن كيف أُستعمرنا. لنسأل:لماذا أُستعمرنا؟! بالتأكيد ليس لأننا قوم مسالمون وطيبون. إنما لأننا ضعفاء ومغفلون. فعندما كنا، في زمن غابر، أقوياء وأكفاء، مارسنا اللعبة نفسها في استعمار الآخر، إلى درجة أن quot;جدناquot;معاوية، برر احتلاله لجزيرة قبرص، في لحظة عجرفة لا مثيل لها، بالقول:لماذا لا آخذها وأنا أسمع صياح الديكة فيها{يقصد من قصره في الشام}. وقد صاغ مخيال التفوّق الإسلامي حديثا منسوبا إلى سيد الأمة أنه قال، ما معناه، أن الله سيمّن على المسلمين بفتح الأندلس. وحسب المخيال نفسه كان على ملك أسبانيا لذريق أن يتجرأ قبل فتح الأندلس بفترة على الدخول إلى غرفة القصر المحرمة ليطلع على ما بداخل صندوق مُحكم الإغلاق لم يفتح منذ أزمنة غابرة، فيعثر على تماثيل فرسان في ملابس عربية، علامة على دنو نهايته ونهاية دولته.
فماذا أصاب المسلمون، والعرب تحديدا، حتى صاروا على هذا المستوى من الفضيحة التاريخية الصارخة. ولماذا أصابهم ما أصابهم؟ وكيف ومتى؟ !لا تتحجج بالاستعمار والتدخل الخارجي. فلن نخرج بشيء. فالمشكلة في بنية الذات الجماعية العارفة قبل أن تكون في موضوع المعرفة {الواقع التاريخي } المؤثر في إنتاج المعرفة الذكورية ـ الأبوية المهيمنة منذ ألف عام وعام . ألم يقول quot;جدناquot; الشافعي: نعيب زماننا والعيب فينا. أي أن مكونات الذات الجماعية العارفة للمسلمين، العرب تحديدا، بمحمولاتها ومصادراتها ومسلماتها الوثقية، من عقل تراثي نقلي، وتقاليد وعادات ثقافية، تملك سطوة ماضوية صارمة تتملك موضوع المعرفة في الحاضر. بمعنى آخر، إذا سلمنا بالمنهج الجدلي التكويني بين الفكر(الذات العارفة) والواقع(موضوع المعرفة)، فإن للواقع فعله الفاعل في تغيير الأفكار، ومن ثم إعادة إنتاج الواقع في شكل أفكار جديدة، استجابة لمتغيرات اللحظة التاريخية الماثلة وليس الغابرة؛فمنطق التاريخ الموضوعي يُرينا كيف أن متغيرات الواقع التاريخي الملموس تطرح نفسها كمقدمات موضوعية تؤثر بالضرورة في تغيير بنية الفكر، والتفكير العام. لكن هذا المنهج الجدلي التاريخي البنيوي التكويني شبه معطل في الواقع العربي، أو قل معوَّق. فمنذ الحملة الفرنسية على مصر العام 1798، والمتغيرات والتحولات التاريخية الكبرى تطرح تحدياتها على الواقع العربي. وقد حدثت تغيرات بارزة في بنية الفكر العربي الإسلامي، وطرائق التفكير العام، لكنها بقت على السطح ولم تستجيب إلى حجم المتغيرات في الواقع. أي أن الذات ـ العربية الإسلامية ـ العارفة لم تتحرر، إبستمولوجيا، بعد، من هيمنة البنية المعرفية الماضوية، المتسلطة على الحاضر، بمنطقها في قياس الشاهد على الغائب، أي الحاضر على الماضي، بفعل مفاهيم ومناهج بائدة، وطرائق تفكير جامدة. والنتيجة تعطيل أو إعاقة عملية عقّلنة الحاضر بمفاهيم الحاضر ومناهجه العلمية الحديثة. ومن هنا يمكن أن نفهم سر صدمة الحداثة التي لا زالت معظم المجتمعات العربية والإسلامية، تعاني منها، وكأنها مصابة بنوع من الشيزوفرينا الحضارية المزمنة، بين طرائق الحياة الحديثة من جهة، وطرائق التفكير القديمة من جهة أخرى. بين عقلانية الدولة المدنية العصرية المشروطة بالحكم الدستوري والأداء الديموقراطي من ناحية، وعقلية نظام الحكم الاستبدادي، القائم على مكافيلية قبلية تستمد شرعيتها من quot;شعرة معاويةquot;.
فما منشأ بنية هذه العقلية المتحجرة الجاثمة على الحاضر والمستقبل؟!
لقد حدثت quot;خيانةquot; إبستمولوجية، لروح الإسلام الحضاري، في وقت مبكر. بالنسبة لي، فإن quot;الخيانةquot; التي أعنيها، حدثت في سقيفة بني ساعدة، فيما كان الرسول يُسلم أنفاسه الأخيرة. عندما تفجر الصراع السياسي القبلي على مشروع الإسلام المحمدي. منذ تلك اللحظة، في تلك السقيفة، أخذ المسلمين في خيانة روح الإسلام التحررية، وعقلانيته الاجتهادية الإبداعية، ومنهجه السياسي الشوري، لصالح إسلام مُدجَّن على هوى أولي السلطة والجاه وفقهاء الجمود على الموجود، خدمة لتسلط سياسي قبلي وراثي أنتج تاريخا استبداديا دمويا، وتراثا فكريا وثوقيا، يقدس الإجماع ويبغض الاجتهاد ويكفِّر الاختلاف.
إن هذا التشخيص يقوم على تفسير واقع تاريخي قديم وليس حكم قيمة معاصر مُسقط على ظروف زمن غابر. فربما لم يكن من الممكن أن يكون اجتماع بشر ذاك العصر بغير ما كانوا عليه. أي أنه لو لم تكن سقيفة بني ساعدة لكانت سقيفة أخرى بالأحداث نفسها تقريبا. لكن ذلك لا يخل بالضرورة بمنهج التحليل التاريخي لعوامل الوهن البنيوية في quot;العقل العربي الإسلاميquot; المكوَّن والمكوِّن.
إذن هي quot;خيانةquot; سياسية ـ دينيةـ فلسفيةـ إيديولوجية للمشروع الإسلامي المحمدي في بعده الروحي(وليس العقائدي)، ومنطقه العقلاني{الحضاري}. فسيد الرسالة العظيم هو القائل:لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده في النار. . quot; لكن فقهاء السلطة التبريريين ومؤرخي بلاطها، مارسوا الكذب علي النبي متعمدين في الكثير مما دونوه، لكي يضفوا على السلطة معرفة quot;مقدسةquot; تبرر استبدادها وإدامة نظام حكمها الوراثي.
ورغم ذلك، استطاعت الطاقة الروحية الحضارية الإسلامية دفع الحضارة العربية ـ الإسلامية إلى مركز قيادة حركة التاريخ، لبعضة قرون، كانت فيها حضارة مهيمنة كونيا، عسكريا واقتصاديا وثقافيا. لكن، في الوقت نفسه، كانتquot;الخيانةquot; الإبستمولوجية تفعل مفاعيلها الإنحطاطية في الأذهان والأعيان، من خلال تراجع مكانة الاجتهاد العقلاني وأسئلته النقدية، إلى حد الاختفاء، تقريبا، من متن الحياة العامة، مقابل سيادة، شبه مطلقة، للعقل النقلي وإجاباته قطعية الوثوق.
وبالتالي فإن ذلك الوهن الحضاري الذي تراكم على نحو مركب لقرون طويلة، منذ سقيفة بني ساعدة، والمستمر إلى الآن، هو ما جعل، ويجعل، العربي ـ المسلم موضوعا للاستبداد الداخلي والاستعباد الخارجي. فقد عاش العرب، والمسلمون، طوال خمسة قرون ظلامية، خارج التاريخ، في ظلال هيمنة استبداد الخلافة العثمانية، التي انكمشت في إقليمها الأناضولي، مهزومة، أمام سادة جدد، من إنكليز وفرنسيس وطاليان. إلى سادة اليوم:الأمريكان.
إذن سؤال النهضة الإشكالي نفسه لا يزال متموضعا في سؤاله الذي ما انفك يطرح نفسه منذ صدمة الحداثة الأولى:لماذا تأخرنا(نحن العرب ـ المسلمين) وتقدم غيرنا؟!وقد تقدمت خطابات نهضوية، ومشاريع سياسية مختلفة:إسلام quot;ليبراليquot;، ديموقراطية ليبرالية برعاية كولونيالية،، قومية اشتراكية علمانية، ماركسية لينينية، أصولية ماضوية. جمعيها طرحت نفسها بحسبانها صاحبة الجواب quot;الفاتق الراتقquot; لسؤال النهضة الإشكالي. لكنها، جميعها، أشكل عليها الواقع التاريخي، الخارج على الضبط الإيديولوجي الشمولي.
إذ أن الغائب الدائم، كان، ولا يزال، جواب الديموقراطية الوافية. بما تعنيه من ديموقراطية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية. واللحظة الديموقراطية الوحيدة، التي عاشتها بعض المجتمعات العربية، ولا يزال بعض الكتاب العرب يتحسرون على زمانها، جرت في ظل الرعاية الكولونيالية في عصر الاستعمار الأوروبي للعالم العربي، ولم يكن بها شيء من الديموقراطية اللهم البرلمانات الشكلية والدساتير الصورية. والذين يروجون اليوم لغنائية الحسرة واللوعة على الزمنquot;الليبرالي الجميلquot;، هم مثقفو quot;الخيانة الإبستمولوجيةquot; في مستنسخات من ليبراليين جدد، يعرضون أنفسهم، في سوق العصر الأمريكي، كخبراء محترفين Professionals في تجميل وجه اليانكي البشع، وتبرير المشروع الإمبريالي للقرن الأمريكي الجديد. وليس خطابهم الدعائي في الترويج للديموقراطية في العراق اليوم، في قبضة الاحتلال الانجلو أمريكي، إلا إعادة تمثيل لخطاب الليبراليين القدامى في ترويج الديموقراطية الكولونيالية زمن الاستعمار الأوروبي الكلاسيكي{البريطاني، الفرنسي}. فالخطاب الكولونيالي القديم يكاد يتكرر حرفيا في لغة الخطاب الإمبريالي الأمريكي اليوم.
تتفق مختلف التيارات الفكرية والسياسية على ضرورة التغيير في العالم العربي. فحتى التيار الأصولي المتزمت، والمتطرف، يقدم نفسه على أنه فعل تغيير، وإن في اتجاه الماضي!
ولم أجد آية في القرآن أكثر استشهادا بها على حاجة إلى التغيير، مثل الآية الحادية عشر، الواردة في سورة الرعد:quot;إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهمquot;. فقد استشهد بها الخطاب الإسلامي quot;الليبراليquot;، والليبرالي الوطني، والأصولي الماضوي، والقومي العلماني، وحتى الماركسي اللينيني. !!
جميعهم رأوا أنهم يمتلكون التفسير الصحيح لمعنى الآية. فكيف فسرها كل اتجاه؟الإسلامي التنويري لم يخرج في تفسيرها لها عن منطق قياس الشاهد على الغائب. بمعنى قياس المعاصرة على الأصالة. والأصولي المتطرف مصر على أن تغيير ما بالنفس يتم بتغيير الحاضر برؤية ماضوية زالت الشروط التاريخية{الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية} التي أنتجتها. كما يتم التوسل بتلك الرؤية الماضوية كحجة لرفض مظاهر الحداثة، بحسبانها أرجاسا من عمل شيطان الغرب quot;الكافرquot;. بدءَ من رجس الثلاجة، وليس إنتهاءَ برجس التلفزيون. ولا يزال بعض أصوليّ الوهابية المتزمتة في مدينةquot;بريداquot; السعودية، يمتطون الحمير تجنبا لرجس السيارة!
أما الليبرالي المستغرِب فقد فسرها على أنها تعني تغيير ما بالنفس ليلائم تغيير ثقافة قومه بثقافة قوم آخرين{الغرب}. بينما راعى الليبرالي الوطني، إلى حد ما، طبيعة الاختلاف الجوهري ما بين تفسير الذات بالذات وتفسير الذات بالآخر. ولم يختلف القومي العلماني في ذلك كثيرا، إلا بكونه اختص بجعل الإسلام الروحي وعاء للقومية العروبية. أما الماركسي اللينيني، وحتى الماوي والباكونيني، في نسخهم العربية المسخة، فقد فسروا آية التغيير القرآني في سياق تاريخي مادي يبني تغيير ما بالنفس على تغيير الواقع التاريخي. وقد بحثوا، في التراث العربي الإسلامي، عن تمثلات لأحداث وشخصيات تزكي تفسيرهم المادي لحركة التاريخ. فجرى، على سبيل المثال، استدعاء أبي ذر على أنه شيوعي طوبوي، وحامد القرطبي على أنه شيوعي فوضوي. دع عنك إسقاطات شعراء الحداثة على التراث، كما في محاولة quot;المؤاخاةquot; الروحية بين أبي نواس وبودلير، وأبي تمام ولارميه، والمعري ودانتي.
وفي كل الحالات، فإن قصور تفسير الآية، في تصوري المتواضع، يظل قاصرا عن الإحاطة بالمعني الشمولي لها.
فالآية لا يستقيم فهمها إلا في سياق معطياتها الثقافية وشروط إنتاجها التاريخية بالتزامن مع عصرها. وذلك يفترض أو يفرض أن يقوم تفسيرها على تحليل الواقع التاريخي الذي انبثقت فيه وبه.
بمعنى قراءة التجربة المحمدية النبوية في سياق شروط واقعها التاريخي، وبعدها الروحي الخارق لعصرها. فعزلة النبي في غار حراء مشهد وجودي لروح رسولية تختزل تاريخ أمة، تعيش مغتربة عن نفسها، ضائعة خارج التاريخ. وفي ذروة المشهد الروحي لنبي الأمة، لحظة اتصال الوحي بالتاريخ. تغير ما بنفس محمد بن عبد الله. إذ قرأ ما لا يُقرأ، وهو ليس بقارئ لما يُقرأ!
والمعنى تغير نفسه كليا. وبقدر ما حدث ذلك بقدرة القادر الخفي، كان الواقع التاريخي يضغط في اتجاه التغيير الحتمي. وميزة الأنبياء أنهم استراتيجيو الروح، المقيمون في المستقبل.
كان سيد الأمة وساعي بريد روحها ما بين الأرض والسماء، وبالعكس، بغض النظر عن تناقض المسارين بين الفزيقي والميتافزيقي، يستشرف، برؤية الرائي الروحي، وعبقرية القائد التاريخي المؤسس لمبني المعني، كيف تشكل الواقع الجديد، تحت إشرافه، منذ لحظات تكونه الجيني الأولى، قابضا على إحداثيات انبثاقه، وشكل ملامحه، بدقة، وأبعد من ذلك، متنبئا بمساره المستقبلي.
إن تفسير حركة التغيير المحمدية، تعتمد على القراءة المزدوجة لتجربته الروحية quot;الميتافزيقيةquot;، بالتساوق مع قراءة تجربته الإنسانية، بحسبانه إنسان يذهب إلى السوق مثله مثل البشر.
فالأساس، في فهم حركة الإسلام التاريخية، يعتمد على فهم سيرة نبيه على أنها سيرة إنسان تاريخي. حياته معلومة وموثقة.
والامتياز التاريخي لمحمد العظيم أنه رأى حركة التاريخ ماثلة أمامه قبل وقوعها الفعلي. والذين امنوا به مبكرا، كانوا رموزا دلالية على مقاصد التغيير الاجتماعي الثوري. فهناك المرأة {خديجة} والطفل {علي} والعبد {بلال} والرفيق {بوبكر}. وقد شكلوا نواة ثورة التغير في معنى النفس ومبنى الواقع.
ومن هنا، قد نفهم أن من أهم أسباب فشل المشروع الإسلامي التنويري quot;الليبراليquot; في تجذير ثقافة التغيير الاجتماعي، أنه لم يقرأ {إبستمولوجيا} حركة التغيير المحمدية في بعديها الروحي والتاريخي. وإنما بنى رؤيته للتغيير، في العصر الحديث، من منظور انتقائي للتراث الإسلامي، بما يناسب فرضياته الفكرية المسبقة، والمسقطة على الواقع، ووإزدواجية معاييره في المقايسة ما بين الأصالة والمعاصرة.
كما فشل الإسلام الأصولي لأنه عمل على إحياء ميكانيكي للدعوة الإسلامية، وهو ما يدل على أنه لا يخرج من تجربة محمد، نبيا وقائدا تاريخيا، إلا بتصورات رغبية مسقطة على الواقع المعاصر، بل يُفرض عليه الانصياع لها بالقوة، كما هو الحال عند جماعات التكفير والهجرة المتطرفة.
وبالتالي فإن هذا الفشل في قراءة حركة الإسلام التغييرية، أدت إلى فشل مشروع الإسلام التنويري quot;الليبراليquot; في عصر النهضة. كما فشل، بالضرورة، مشروع الإسلام الأصولي، الذي اعتنق خطاب التكفير ولغة الرصاص، لأنه معاد للمستقبل. ومع ذلك لا تزال فكرة إحياء إسلام حضاري، مطروحة من لدن مثقفين إسلاميين quot;ليبراليينquot;، يؤمنون بأن الإسلام، في جوهره، حركية ديناميكية تستوعب حركة التاريخ في تحولاته الزمنية المختلفة، وتملك القدرة على التعاطى مع المتغيرات برؤية معاصرة وعقلانية متفتحة. لكن هذه الرؤية الحضارية المتجددة للإسلام، لا تزال مهمشة، ومحجمة، في ظل هيمنة الخطاب التقليدي. وحيث لا تزال المعادلة القرآنية الحضارية في التغيير، معومة، في معناها الجوهري. بمعني أنها غير مقبوض على تفسير واف لها، يربطها باللحظة الروحية التاريخية، التي أنتجتها، ومن ثم يذهب بتفسيرها في افقها العملي والروحي، في مسار اختراقه لمنطق الثبات الميثي.
وإذ كان لا بد من توظيفها، في مقاربة السؤال النهضوي الإشكالي، المطروح على العرب والمسلمين، منذ بداية عصر النهضة في أواخر القرن الثامن عشر، فإنه لا بد أن ننظر في مسألة تغيير ما بأنفسنا بمنظور معطيات العصر ومعارفه التي تحكمنا شروطها الشارطة. وليس بمنظور معطيات ومعارف عصر ما عاد لنا به صلة عملية.
إن تغيير ما بالذات لا يستقيم إلا بالجدل مع تغيير ما بالموضوع، والمعادلة القرآنية لا تغفل ذلك. وليس بالضرورة أن تنص عليها حرفيا. إذ أن الممارسة الثورية للحركة المحمدية قامت بهدف تغيير الواقع، عندما نضجت ظروف تغييره. لكن ذلك الواقع ما كان له أن يتغير لو لم تتهيأ له طليعة ثورية، لم تجهر بدعوتها الثورية للتغيير الجذري إلا بعدما تمكنت من تغيير ما بأنفسها من العقلية التقليدية، واعتناق رؤية مستقبلية متجددة، للإنسان والتاريخ والعلم والعالم.
التعليقات