مثلما كان متوقعاً منذ البداية، فقد قتلت القوات الأميركية المجرم الدولي وقاطع رؤوس الأبرياء الأرهابي أبو مصعب الزرقاوي. لكن ومع هذا quot;التوقعquot; فإن الحادث يٌعتبر نصراً كبيراً على quot;ثقافة الأرهاب الشعبيةquot; التي أسسها الزرقاوي ومن قبله بطلي التخفي في شعاب (تورا بوارا) أسامة بن لادن وربيبه الدكتور إيمن الظواهري. وكان لهذه الثقافة أن تجذرّت في المجتمعات العربية وغدت بفضل فضائيات ومنابر عربية معروفة زاداً يومياً يقتات عليه الملايين من البطالين وسكان الهوامش ومدن/مقابر الصفيح المنتشرة في كل بلد عربي.

الزرقاوي الذي بدا ذكياً جداً وهو ينجح في التخفي والهرب من ملاحقة عيون الأميركان في العراق طيلة ثلاثة اعوام، أدهشّ مٌريديه من المرضى والدونيين في أصقاع البلاد العربية، بحيث نسج هؤلاء في مخيالهم القاصر وشعورهم الأبدي بالدونية الحضارية، المولدة لكم هذا الحقد الرهيب، آلاف القصص والأساطير حوله وحول رجاله الأشباح المتلفحين بالسواد والذين نشروا الموت في ربوع العراق الأخضر الجديد. كان كذلك، لشيوخ التحريض من أبطال الفضائيات الغوغائية( الدزينة إياها، والتي تتصدرها فضائية quot;الجزيرةquot; التحريضية الغوغائية من قطر) الأثر الأكبر في إرتقاء الزرقاوي المجرم هذا لمصاف الأبطال وأصحاب الكرامات لدى جموع الغوغاء والهمج في شرق المتوسط التعيس.

جاءت الضربة الأميركية إذن، لتنهي إسطورة هذا المسخ الذي زرعّ الموت في مدن العراق، وأفتى وهو الغر الجهول بقتل الشيعة وهدر دمهم ليس لأي سبب، فقط مجرد تأويله لنصوص إنتزعها من كتب السلف الغير صالح، وركبّ عليها فتاوى/قنابل مٌدمرة أطلقها رجل يسمى إبن تيمية هلك بدوره منذ أكثر من تسعمائة عام!. جاءت الضربة لتضع حداً لهذا الشخص، الذي صنعته مناهج التعليم الموغلة في كره الآخر، والتي تدعو جهاراً نهاراً لquot;الذبحquot; وquot;الغزوquot; وquot;الغنيمةquot; وquot;فرض الجزيةquot; وquot;نهب ماملكت اليمينquot; كما وضعت نفس اليد حداً لطغيان صدام وطالبان وتقتيلهما للعراقيين والأفغان، والذين لولا آلة الحرية الأميركية لبقيوا قرابين جاهزين للذبح إلى دهر يعلم الله متى كان ينتهي.

العراقيون فرحوا بمقتل الزرقاوي.الشيعة والكرد إبتهجوا وعقدوا الدبكات والهلاهيل بهلاك رجل قتل منهم الكثير، وكان يخطط لقتل المزيد لولا الغارة المباركة التي وضعت حداً لمشروعه quot;الجهادي/الدعويquot; في سفك الدماء وجز الرؤوس..

العرب في المقابل بدوا شاحبين، مايعين كعادتهم. زعلّ الكثير منهم لمقتل الزرقاوي، والذي راهنوا عليه بوصفه quot;البطل الموعود بخلاص الأمةquot; بعد ضياع صدام وحصره في القفص إياه، وتبدد بقية quot;قادة العروبةquot; الذين ولوا الأدبار وآثروا السلامة، أمام جبروت الغضب الأميركي. فقط quot;حركة المقاومة الإسلامية حماسquot; إمتلكت الشجاعة ونعت، في بيان لها، الأمة الإسلامية مقتل أبو مصعب الزرقاوي قاتل العراقيين ومفجر أطفالهم. وجاء في خبر نقله مراسل quot;إيلافquot; في رام الله إن quot;حركة حماس عبرت عن بالغ حزنها لمقتل أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين والذي قتل في غارة أميركية في العراق. وقالت حماس في بيان لها انها تأسف جدا لمقتل الزرقاوي وأضافت:quot; عملية اغتياله كانت نتيجة حملة صليبية ضد العرب والمسلمين. ووصف البيان أبو مصعب الزرقاوي بأنه quot;شهيد الأمةquot;quot;.
وقال بيان (حماس) إنه quot;بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره تنعي حركة المقاومة الإسلامية (حماس) جماهير شعبنا الفلسطيني وجماهير أمتنا العربية والإسلامية الأخ المجاهد البطل المرابط أحمد فاضل النزال الخلايلة (أبو مصعب) الذي استشهد على أيدي عناصر الحملة الصليبية الشرسة التي تستهدف جميع ربوع الوطن العربي ابتداء من أرض الرافدينquot;.
فبالله عليكم بماذا يختلف هذا البيان quot;الحماسيquot; عن بيانات تنظيم القاعدة؟. وأي مصير ينتظر الفلسطينيين( الذين بصموا على quot;حماسquot; بالعشرة) حينما يكون مصيرهم في يد رجال منتمين لمدرسة تنتج مثل هكذا فكر مدمر؟.
والحال، فإن مقتل الزرقاوي وتبدد آماله في تدمير العراق وقتل نصف سكانه كما جاهر في شريطه الأخير، وقبل ذلك تشكل الحكومة العراقية ولجم حركة quot;حماسquot; وضب ملاليها ومحاصرة نظام أحمدي نجاد اللاهث خلف صنع آلات الدمار النووية، لهي إنجازات أخرى في طريق دمقرطة منطقة الشرق الأوسط وتنظيفها من فكر الأرهاب ورموزه.
وتأتي حادثة قتل هذا الزرقاوي وصحبه نصراً آخراً لجماعة (الليبراليين الجدد) أصحاب مدرسة التنوير وقواد التغيير الديمقراطي والحضاري في الشرق العربي والإسلامي. فكل تخلص من أحد دعائم الأرهاب والتخلف في المنطقة هو نصر لليبرالية الجديدة، التي تكافح بالكلمة والفكر الحر لتنظيف حاضر العرب، وإرجاعهم لخانة الحضارة ليأخذوا مكانهم في صنع وتسيير الحضارة الأنسانية مثل الصينيين والهنود، والذين يزيد عددهم على العرب بعشرة أضعاف، ولايكاد المرء يسمع بمشكلة فرد منهم. بخلاف العرب الذين تطايرت شرورهم وآثامهم لتصيب الأبرياء خلف البحار والمحيطات، وليتصدر أخبار الزرقاوي، والظواهري، والترابي والقرضاوي صدر صحف العالم، ليس كعلماء إخترعوا آلة مفيدة أو صنعوا عقاراً نافعاً، وإنما كرجال أطلقوا أفكاراً نشرت الخراب ودمرت الحواضر و..دقت أعناق الأبرياء، وفيquot;الفسطاطينquot; على حد سواء!!...

[email protected]