كان مساء الأربعاء 7/6/2006، يوماً عظيماًَ في تاريخ العراق الجديد، حيث تلقى أكبر مجرم إرهابي مسعور، المدعو أبو مصعب الزرقاوي وسبعة من أعوانه، مصرعهم في غارة أمريكية بالاشتراك مع القوات العراقية، في قرية هبهب في بعقوبة، على مخبئهم وهم في اجتماع يخططون للمزيد من الأعمال الإرهابية ضد الشعب العراقي.
مرة أخرى أصدر التاريخ حكمه العادل على كل من يخالف قوانينه مساره وأثبت أن كل مجرم شاذ عن الطريق القويم لا بد وأن يتلقى جزاءه، إن عاجلاً أم آجلاً، فإن التاريخ يمهل ولا يهمل، وفي نهاية المطاف لا بد وأن ينتصر الحق على الباطل ولا يصح إلا الصحيح. أجل، هكذا كانت نهاية الزرقاوي quot;الأسطورةquot; الذي لا يُغلب ولا يُقهر ولا يُعرف له مكان، وصار لغزاً يحيِّر العقول، حيث عُثر على صدام حسين في جحر العنكبوت ولم يعثر على الزرقاوي، فمن هو هذا الحيوان الخرافي؟
لقد كان الزرقاوي العقل المدبر وراء أشرس عمليات الإرهاب في العالم. فإرهابه اختراع من ماركة زرقاوية إسلامية مسجلة، لا يضاهيها أي اختراع آخر في العالم، اختراع ذبح البشر الأبرياء بالمنشار وأمام الكاميرات وسط صيحات الله أكبر الهستيرية، تتناقلها شاشات التلفزيونات العربية، لترددها quot;جماهيرنا العربية العظيمةquot; من المحيط إلى الخليج، فتثير الحماس في الشباب المسلم للإلتحاق بـquot;الجهادquot; وبث أكبر قدر من الرعب في quot;الكفارquot; في جميع أنحاء المعمورة.

هذه هي نهاية كل ظالم، فهكذا انتهى الطاغية صدام حسين كالجرذ المذعور في حفرة حقيرة تليق به، وانتهت أسطورة هتلر وموسولوني وميلوسوفيج وبول بوت وغيرهم من الطغاة الذين انتهوا في مزبلة التاريخ. فهل يعتبر أولئك الذين مازالوا يراهنون في تحقيق أغراضهم السياسية على الإرهاب ويسمونه زوراً وظلماً بالجهاد؟ وهل يستخلص فقهاء الموت من أمثال القرضاوي والكبيسي ونصر الله وخامنئي والضاري والخالصي وما يسمى بـquot;هيئة علماء المسلينquot; ومئات من أئمة المساجد، دروساً وعبراً من مقتل الزرقاوي وسبعة من أعوانه؟ أم مازالوا يصرون على السير في غيهم بخدع الرعاع وإرسالهم إلى العراق لإشعال المحارق البشرية باسم الإسلام والعروبة والوطنية وquot;محاربة المحتل الكافرquot; وقتل أعوانه من quot;الشيعة الروافضquot;؟

يحاول البعض التقليل من أهمية مقتل الزرقاوي بالقول أن هناك ألف زرقاوي مستعد ليحل محله، وهو ترديد لما جاء في بيان quot;القاعدةquot; على الانترنت والذي اعترفت به بمقتل زعيم فرعها في العراق وكالعادة، بلغة نارية حماسية في الظاهر، ولكن في الحقيقة فأن قادة القاعدة يلعقون جراحهم ويشعرون بهزيمتهم المنكرة. نعم هناك كثيرون في الطابور الطويل من الجهلة والسذج، مستعدون ليحلوا محله، ولكن الزرقاوي شخص مشوه عقلياً لا مثيل له، ولا يمكن أن يشغل مكانه أي شخص آخر وبذات العقلية الشريرة، ليقوم بذات التكتيك والتخريب الذي كان يقوم به. فالزرقاوي كان العقل المدبر وراء معظم الجرائم الوحشية والبربرية. لذلك نرى أن هلاكه يعتبر خطوة كبيرة ومهمة جداً في الحرب على الإرهاب، ليس في العراق فحسب، بل وفي العالم أجمع. ولدينا أسباب عديدة لنعتقد بذلك وكما يلي:
1- الزرقاوي إنسان غير طبيعي، ذو شخصية سايكوباثية مشوهَّة بالفطرة، تتصف بالتطرف والعنف بشكل جنوني في ارتكاب الجرائم وفي أي ظرف كان. فقد كشفت المعلومات المتوفرة عن سيرة حياته أنه كان عنيفاً منذ الطفولة. quot;وفي فترة شبابه في الأردن يعتبر مجرما ضيق الأفق يتذكره كل من عرفه كرجل عصابات بسيط يغضب لأتفه الأسباب وهو بالكاد يعرف القراءة والكتابة (BBC).quot; وكان سكيراً بعيداً عن الدين والتدين، ومكانه المناسب هو السجن المؤبد لحماية البشرية من شروره. وهكذا شخص يمكن استغلاله من قبل الآخرين وتوجيهه لتنفيذ أسوأ الجرائم وتحقيق أخس الأغراض لهم، وهكذا كان.

2- دخل الزرقاوي السجن في الأردن لارتكابه جنايات عادية، وفي السجن تم تجنيده من قبل الإسلامويين وتعرض لعملية غسيل الدماغ فانضم إلى التنظيمات الإرهابية الإسلاموية وأرسل إلى أفغانستان بعد خروجه من السجن. وهناك وجد فرصته في التعبير عن نزعاته العدوانية حيث أثبت جدارته وقدراته على العمليات الإرهابية وتدريب الآخرين على الإجرام بامتياز. غادر أفغانستان ودخل العراق عن طريق إيران في السنة الأخيرة من حكم صدام وتم تحضيره لهذا الغرض منذ ذلك الوقت وبدعم من النظام الساقط.

3- طبيعي، أن الانتحاريين من أتباعه وفلول البعث الساقط سيكثفون جرائمهم بعد هلاك الزرقاوي مباشرة، ليظهروا للعالم أن قتل الزرقاوي لن يغِّير شيئاً، ولكن هذا على المدى القصير، أما على المدى المتوسط والبعيد، فقد تلقت التنظيمات الإرهابية، الإسلامية والبعثية، ضربة قاصمة في الصميم لا يمكنها القيام من بعدها وهي بداية للانهيار الكامل. وكما أسلفنا، صحيح أن هناك طابور طويل من ذوي العقليات الفارغة والتافهة من الانتحاريين ليحلوا محل الزرقاوي، ولكن الزرقاوي رغم تفاهة عقليته وفراغه الفكري، إلا إن الجانب السايكوباثي من شخصيته قد منحه القدرة في التأثير السحري على الجهلة من الرعاع التكفيريين الذين تم خدعهم وأرسل بهم إلى العراق من مختلف أنحاء البلاد العربية، والمستعجلين على دخول الجنة واللقاء بحور العين عن طريق quot;الجهادquot; ضد الصليبيين quot;الكفارquot; وعملائهم الشيعة من quot;الرافضة المشركينquot;. فشخص يجمع بين الجنون وسرعة الغضب والإجرام يعتبر من القديسين وله تأثير سحري على عقول البسطاء والسذج في المجتمعات الجاهلة مثل المجتمعات العربية. وهذا ما يسمى في الطب بـ (placebo effect). وعليه فمن الصعوبة بمكان على أي شخص آخر أن يكتسب شخصية الزرقاوي ويكون له ذات التأثير السحري على الأتباع. إن مثل الزرقاوي كمثل صدام حسين، شخصية خرافية في الرعب لها تأثير شديد على الأتباع نتج عن سلسلة طويلة من القيام بالقسوة المتناهية مثل عمليات الذبح والإذابة بأحواض الأسيد وقطع الأطراف والأعناق بالمنشار، وغيرها من الأعمال السادية الوحشية ضد الخصوم والتي لا مثيل لها في التاريخ.

دروس وعبر
إن مقتل الزرقاوي وسبعة من أعوانه هو درس من التاريخ لأولئك الذين مازالوا يراهنون في تحقيق أغراضهم السياسية على الإرهاب. لقد أثبت مقتل الزرقاوي أن الأعمال الإرهابية ستجلب البلاء ليس على الشعب فحسب، بل وعلى الإرهابيين أنفسهم. لذا فعلى الذين تبنوا الإرهاب وسيلة لتحقيق أغراضهم السياسية وعلى فقهاء الموت من رجال الدين وأدعياء الدين الذي ن يدعون بأنهم quot;هيئة علماء المسلمينquot; وجميع الذين يقفون وراء الإرهاب ويدعمونه بالفتوى والتحريض والمال والإعلام، أن يعيدوا النظر في مواقفهم. إن مصير الإرهابيين هو الهلاك والهزيمة الحتمية. فمن مصلحتهم ومصلحة شعوبهم أن يعيدوا النظر في مواقفهم الخاطئة، ويستغفروا الله على آثامهم ويعتذروا للشعب العراقي لما ارتكبوا بحقه من الجرائم البشعة.
فهل من يسمع؟