من يدافع عن الزرقاوي يدافع عن الأرهاب ويبرره.لا يمكن أن يكون المرء مع أرهابي مثل quot;أبومصعب الزرقاويquot;، الذي قتله الأميركيون في العراق قبل أيّام، وضدّه في الوقت ذاته. الأرهاب هو الأرهاب ولا شيء آخر غير الأرهاب. والزرقاوي أرهابي ومجرم لم يواجه الأميركيين كما يدّعي الذين يدافعون عنه ويعتبرونه quot;شهيداًquot;، لكنه حرّض على أرتكاب مذابح قي حق مواطنين عراقيين ذنبهم الوحيد أنهم من الطائفة الشيعية الكريمة. أكثر من ذلك، تولّى الزرقاوي ذو الثقافة المحدودة التي لا علاقة لها بالدين الأسلامي وهو دين السماحة أوّلاً، تنفيذعمليات أنتحارية ذهب ضحيتها أبرياء من العراقيين بينهم نساء وأطفال. كيف يمكن أن يكون هناك من يبرر قتل نساء وأطفال وأن يعتبر القاتل quot;شهيداًquot;؟
لم يكتف الزرقاوي بذلك، بل تباهى بأنه وراء تفجيرات الفنادق في عمّان الذي ذهب ضحيتها نحو ستين شخصاً من الأردنيين والمواطنين العرب وغير العرب من زوّار الأردن أضافة الى ما يزيد على ثلاثمئة جريح. كيف يمكن أن يوجد نائب أردني يدافع عن شخص مثل الزرقاوي همّه الوحيد قتل الأبرياء والأساءة الى العروبة والأسلام والى البلد الذي رعاه وتربّى في كنفه والى العراق والعراقيين خدمة لكلّ من يستهدف وحدة العراق ويسعى الى تأجيج الحرب الأهلية في هذا البلد الذي كان عربياً الى ما قبل سنوات قليلة.
يتوجّب على من يريد الدفاع عن الزرقاوي وعن الثقافة التي ينادي بها، كشف وجهه من دون مواربة وعدم التلطي خلف الخزعبلات التي عفا عنها الزمن لتبرير الأرهاب بأبشع صوره تحت شعار أن الرجل كان يقاوم الأحتلال. كلاّ، لم يكن الزرقاوي يقاوم الأحتلال، بل كان حليفاً له وخادماً لديه من حيث يدري أو لا يدري. كان جزءاً من مشروع لا هدف له سوى أشعال حرب أهلية في العراق في خدمة أطراف أقليمية همّها الأوّل والأخير تقسيم العراق ووضع قسم منه تحت رعايتها المباشرة. هذه هي حقيقة الزرقاوي الذي هو أداة في مشروع أكبر منه... وكلّ الباقي تفاصيل لا قيمة لها من النوع الذي يستخدم في تغطية فكر أرهابي لم يأت على العرب والمسلمين سوى بالويلات.
من هذا المنطلق، يفترض في حزب أردني مثل quot;جبهة العمل الأسلاميquot; أتخاذ موقف في غاية الوضوح من عملية أغتيال الزرقاوي. على الحزب الذي ذهب نوّاب منه للتعزية بالأرهابي في مسقط رأسه أن يختار بين الأرهاب وأدانة الأرهاب، ذلك أن لا مكان لأنصاف الحلول في هذا المجال. وبكلام أوضح، على الحزب أن يختار بين الوقوف مع الأردن وبين الوقوف مع من فجّر الفنادق في تشرين الثاني- نوفمبر الماضي، فقتل من قتل بما في ذلك المخرج العالمي السوري مصطفى العقّاد الذي بذل كلّ جهوده وحتى حياته من أجل تقديم صورة حضارية عن الأسلام الى العالم، صورة عن حقيقة الأسلام ليس الاّ...
في الوقوف في وجه الأرهاب وفي وجه الذين يبررون الأرهاب، دفاع عن الأردن وعن الأسلام الحقيقي والعروبة الصادقة. وعندما تتخذ السلطات الأردنية أجراءات في حقّ من تسولّ له نفسه تبرير الأرهاب، فأنّها تعمل واجبها القاضي بحماية مواطنيها ومصالح البلد. فما ليس طبيعياً أن يكون هناك أردني يستغلّ الديموقراطية والحصانة النيابية للوقوف مع أرهابيين وأعطاء تفسيرات أو مبررات للأسباب التي تدفع بالزرقاوي ومن هم على شاكلته لقتل الأبرياء في الأردن أو العراق أو أيّ مكان آخر في العالم على غرار ما فعله أسامة بن لادن.
من حسن حظ الأردن ان هناك ملكاً أسمه عبدالله بن الحسين يمتلك ما يكفي من الشجاعة لرفض الرضوخ للغوغاء والغوغائيين ولما يسمّى الشارع. أنه قادر على الحسم متى تعلّق الأمر بمصالح الأردن وبأبناء الأردن. أنّه بكلّ بساطة على أستعداد لتقديم مصلحة الأردن والأردنيين على كلّ ما عداها. لذلك لم تترك الحكومة الأردنية أيّ مجال لأخذ وردّ عندما تعلّق الأمر بأتخاذ موقف من الأرهاب. ولا شكّ أن quot;جبهة العمل الأسلاميquot; ستدرك عاجلاً أم آجلاً أن العودة عن الخطأ فضيلة وأن الأجراء الحكومي الذي أتُخذ كان في مصلحة الجبهة التي كانت تدرك في الماضي أن من مصلحتها الدفاع عن الأردن بدل تبرير الأرهاب. أنها مصلحة تاريخية للجبهة ولحركة الأخوان المسلمين عموماً التي لم تجد مكاناً تلجأ أليه أفضل من الأردن عندما كانت الحركة تقف ضد الأرهاب والتسلط وكانت ضحيّة الأضطهاد. لم تكن الحركة وقتذاك تحت تأثير التكفيريين من جماعة بن لادن وما شابهه من جهلة لا علاقة لهم بالأسلام الحقيقي وبكلّ ما هوحضاري.
يفترض في حركة الأخوان المسلمين أن تستوعب قبل كلّ شيء أنّ ليس في مصلحة الأردن الظهور في مظهر من يؤيد الأرهاب أو أن يكون هناك أيّ سبب للقول أن في الأردن من يدعم الأرهاب خصوصاً في العراق. أن للأردن دوراً على الصعيد الأقليمي يتلخّص بالعمل على تشجيع ثقافة التسامح والوسطية والأعتدال والعمل على نشرها وعلى تلاقي المسلمين عند كلّ المبادئ التي تبشّر بالتسامح والحوار. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كانت quot;رسالة عمانquot; التي تشكلّ دعوة الى التلاقي بين كلّ المذاهب الأسلامية التي ليس هناك في الأصل ما يفرّق بينها. أنّها رسالة الهاشميين بأمتياز منذ وُجدت الأسرة التي بذلت الرخيص والغالي من أجل الدفاع عن الأسلام وسماحته وعن العروبة الحقيقية بعيداً عن المزايدات. الم يردّ الملك حسين، طيّب الله ثراه، على الذين كانوا يدعون الى العودة الى الأسلام بأن quot;الأسلام أمامناquot;؟ أي أن علينا اللحاق بالأسلام الذي يدعو الى التقدّم والتقدمية الحقيقية بدل التعلّق بقشور الماضي وأوهامه.
ليس هناك من يستطيع أعطاء دروس للأردن، خصوصاً عندما يتعلّق الأمر بالأرهاب ومكافحة الأرهاب. هناك شيء وحيد تستطيع quot;جبهة العمل الأسلاميquot; عمله هو الأقتداء بما فعلته quot;حماسquot;. كان الميل واضحاً لدى بعض الجهلة من المنتمين الى quot;حركة المقاومة الأسلاميةquot; التي شكّلت الحكومة الفلسطينية الى نعي الزرقاوي. وثمة من يقول أن ذلك لم يكن وارداً في أي حال من الأحوال. لكنّ المهم أن quot;حماسquot; لم تنبس في النهاية ببنت شفة بعدما أدركت معنى أن تنعي مجرماً وأرهابياً مثل الزرقاوي والأنعكاسات السياسية التي ستترتب على مثل هذا التصرف الأرعن. لماذا لا تستفيد quot;جبهة العمل الأسلامي في الأردنquot; من تفادي quot;حماسquot; الأقدام على أمل أرعن... أم أن تحميل الأردن ما لا يستطيع تحملّه وما لا يفترض عليه تحمّله يفيد جهات أقليمية معينة باتت تعتبر الأرهاب قوتها اليومي حتى لو كان ذلك على حساب الشعب الأردني؟
في النهاية، يفترض في الأخوان المسلمين في الأردن أن يستوعبوا أن عليهم أن يتذكّروا دائماً أن الأردن عانى ما فيه الكفاية من المزايدات والمزايدين ومن رافعي الشعارات الطنّانة والفارغة التي أدّت الى خسارة القدس والضفة الغربية. وألأهمّ من ذلك، عليهم أن يتذكّروا في كل لحظة أنّ لا بديل لديهم من الأردن الذي يجب عليهم المحافظة عليه بدل أتباع المثل الفرنسي القائل:quot; أن هناك خدمات كبيرة لا يمكن الردّعليها سوى بنكران الجميلquot;. هل بتهديد الأمن الأردني في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ فيها المنطقة يكون الرد على الجميل؟