منذ أكثر من ثلث قرن أكتب فى السياسة العربية والسياسيين العرب، وفلسطين والفلسطينيين والقضية التى لم تسمح لعربى بعد أن ينام قرير العين مرتاح البال. ولست أدرك سببا واحدا يجعل نومنا عاصيا علينا الا تقصيرنا فى المعالجة، بل فهم أسباب الارق السياسى الذى نعانى منه كى نشترى، أو نخترع له الدواء الشافى، ونحن معروفون بعلم الطب والمعالجة.
والاسباب أصبحت معروفة، وهى : الجهل والطائفية والعصبية القبلية، كنا لا نخرج من حرب الاّ وندخل فى حرب. ولا نتخلص من قضية الا لندخل فى قضية أصعب.
دخلنا مع الانكليز فى مفاوضات ضد العثمانيين، فلما ربح الانكليز الحرب على ظهورنا وعلى جثث عشرات الألاف منا، لعبوا لعبتهم وقسموا أرضنا الى ست دول بعد أن وعدونا أن يجعلوها مملكة واحدة.
ثم قسموا فلسطين فرفضنا التقسيم ولكننا لم نعرف كيف نعالجه فأصبح واقعا وتراجعنا الى الوراء.
دخلنا خمس حروب طاحنة مع الاسرائليين الذين كانوا حفنة من العصابات المسلحة (سنة 1948 وما قبلها) فخسرناها جميعا. وتراجعت مطالبنا من التحرير الكامل الى التقسيم الى ثلاثة أرباع بربع.. الى عشرين بالمئة ولا ندرى الى أين ستقودنا هذه التراجعات.
تنفسنا قليلا بعد انتهاء، حرب الخليج الاولى ثم الثانية، فما لبثنا ان سقطنا فى حرب العراق الحالية التى هى بحق الشعرة التى ستكسر ظهرنا الى عصور طويلة مقبله. فقد كان الامل العربى بالعراق الغنى بثرواته الطبيعية والغنى بتراثه وعلمائه وقدراته المالية والاقتصادية والصناعية والعسكرية، فاذا بنا نشاهده اليوم، وتشهد عليه، شوارع تغص بالقتلى والمسلحين من كل حدب ولون وصوب. فنأسف على الذى كان، ونبكى على الذى سيكون ولا حول لنا ولا طول.
كنا خير أمة أخرجت للناس. ونسأل الله أن نبقى كذلك. خيراتنا تملاء خزائن الغرب والشرق. وثرواتنا ساهمت فى هذه النهضة الصناعية والعلمية والغربية الهائلة. وملايينا لا تعدّ ولا تحصى ولا تاكلها نار. وعددنا وفير، وقدرتنا على الانجاب مذهله. وصحتنا جيده، وشمسنا ساطعة وصحية ومياهنا كافية ونقية، ومساحة أراضينا تفوق مرة ونصف المره مساحة الولايات المتحدة، فنحن نتربع على أكثر من أربعة عشر مليون كيلو متر مربع من الاراضى فى حين أن مساحة الولايات المتحدة هى اقل من تسعة ملايين ونصف المليون كيلو متر مربع. ونحن أكبر من اوروبا كلها من أقصاها الى أقصاها بمره ونصف المرة، وأكبرمن من قارة أستراليا بمرتين تقريبا. واكبر من الصين بمره ونصف المرة. ونحن فى الواقع نشكل عشرة بالمئة من مساحة الكرة الارضية كلها.. ومع ذلك، وفوق ذلك، فنحن أغنى امم الارض. واول الحضارات واغزرها عطاء أنسانيا وثقافيا. نحن أبو الهول والاهرامات، ونحن الفنيقيون والابجدية، ونحن أحفاد وأبناء عم موسى وعيسى ومحمد، ونحن أميه والعباس، وغرناطة وأشبليا. ونحن البحر الابيض والبحر الاحمر، وبحر العرب، والخليج العربى. ونحن قناة السويس التى اذا فتحت أبوابها يدخل العالم كله الى صراع الحضارات النبيل والشريف، واذا أغلقت أبوابها يدخل العالم الى الفاقة والحاجة والاستعداد للجوع. ونحن باب المندب الذى اذا أغلقت أبوابه تصبح غرف العالم من دون كهرباء والمدارس من دون تدفئة الاّ للقلة الثرية النادرة.
ومع ذلك، ورغم ذلك، نئن تحت وطأة الفقر والجهل وقلة الحيلة.
اعترفنا أمام الدنيا كلها بأن اسرائيل أقوى منا عسكريا لانها مستعدة بالسلاح الاميركى. واعترفنا بعجزنا عن الصعود الى القمر، أو صناعة السفن الفضائية والبحرية. وقبلنا أن نكون عالما ثالثا أو حتى رابع عشر، ولكننا كنا نأمل ولا نزال نأمل أن نفلح فى أمر ما.. او فى سباق ما.. أو فى مهنة ما، أو فى رياضة من الرياضات على الاقل.
وكم حزنى عظيما، وأملى خائبا عندما شعرت بميل عصبى عربى الى مشاهدة مسابقات كرة القدم العالمية ndash; المونديال ndash; الجارية حاليا فى ألمانيا. فمن الدول العربية الاثنتين والعشرين، لم يصعد الى المونديال سوى أثنتين. وقلنا : عال والحمد لله، فعسى خيرا. وبدأت الالعاب وبدأت قلوبنا تدق صعودا وهبوطا حتى كدنا نسقط بالسكته.
الكروات لعبوا وأظهروا مهارة فائقة. وغانا فعلت المستحيل. وطوغو والتشيك وايران، والغجر العجم، والبيض والاقل بياضا، والصفر والحمر والسود.. جميعهم لعبو وبرعوا وقدموا للعالم مهارات واسعة الا نحن. فقد لعبنا مع الخصم أما بعصبية زائدة وصراخ ومقاهرة.. أو من دون عناية ودراسة وخبرة لازمة. فخسرنا طبعا.
ومثلما فعلنا أمام الانكليز والعثمانيين. وأما التقسيم الدولى لفلسطين.. وأمام الحروب الخمسة.. وأمام القرارات الدولية التى يفوق عددها الالفى قرار.. فعلنا فى مونديال العام .2..6 نخسر فنقول أنها نكسة. وننتكس فنقول أنها حظ..
وأننى أتساءل : هل السبب فى هذه الهزائم المتتالية هو نحن شخصيا.. ام هى الظروف الطبيعية؟ أم هو عجزنا عن فعل أى شىء.
والجواب المنطقى هو أننا نخسر بسبب عدم وجود النية الصادقة فقط. فتاريخنا حافل بأننا شعب مميز وعظيم وذو صفات عزّ نظيرها.
فهل يجوز أن تكون ملايننا من الشباب والعاطلين عن العمل والضعفاء والبؤساء أرقاما فقط تهلل فقط للبرازيل وتبكى لخسارة تونس مثلما بكت على أطلال الاندلس؟
أنه مخجل فعلا أن نكتشف أخيرا أن العرب جربوا رؤوسهم وعقولهم فلم تعمل كما يجب أو كما نشتهى. وجربوا أيديهم وسواعدهم الممشوقة فعجزت السواعد عن حمل السلاح وعن أستعماله وعن أصابة الهدف به.
وها نحن اليوم نرى بأم العين كيف أن مونديال المانيا للعام 2..6 أثبت أن أقدامنا هى الاخرى عاجزة مثل سواعدنا.. ومثل رؤوسنا.
فلا نحن أستطعنا ان نجد لرأسنا مكانا بين الرؤوس، ولا وجدنا لسواعدنا مكانا بين السواعد، ولا نجد لاقدامنا اليوم مكانا بين الاقدام.. فيا للعار.