مهازل الوضع الداخلي في العراق قد تجاوزت كل الحدود وأضحت ظاهرة سوداء تهدد لا بتفتتيت العراق بأسره وتشظيه فقط بل أنها تؤسس لمستقبل مجهول قد يعم النظام الإقليمي بأسره، ولعل خروج النخب والطاقات والفعاليات العراقية الحرة للمنافي مرة أخرى ما هو إلا إشارة أولى وواضحة على مدى تمكن اليأس من النفوس أولا وعلى نجاح الأحزاب والتنظيمات الدينية والطائفية في فرض قوانينها وشريعتها المتوحشة في ظل الصمت والتجاهل وعدم المبالاة من الأطراف الدولية التي (حررت) العراق ذاته وسلمته على طبق من ذهب لتلك الجماعات لتمارس ساديتها المتوحشة فيه بدءا من جماعات التكفير السلفية المتوحشة والمجهزة بآلاف من بهائم التفخيخ والإنتحار الذين يرومون دخول الجنة عن طريق قتل البسطاء من الباعة والمساكين والمحرومين ومن رجال الشرطة والأمن!! وليس إنتهاءا بمجموعات التدين الطائفية المشبوهة بجرائمها وأفكارها الغيبية والغبية والتي جعلت من العراق (لطمية) كبرى وهي تؤسس اليوم لمشروعها الطائفي المدعوم من إيران وأجهزتها السرية والعلنية من (الولي الفقيه) وحتى (إطلاعات) وجعلت من جنوب العراق نسخة مشوهة أخرى لـ(أهواز) جديدة في شرق العالم العربي !.
وأزاء تدهور الأوضاع الأمنية في العراق ومعاناة المواطن العراقي في كل محاور الحياة اليومية بدءا من الأمن وحتى المعيشة والوقود والطاقة وشيوع الفساد والتردي لم تنجح التوليفة الدينية والطائفية الحاكمة في شيء إلا في تطوير الفساد والإفساد وجعله محورا حياتيا وهو ما سنكشفه عبر مقالات عديدة قادمة بعون الله، فالديمقراطية المزعومة قد شوهت بالكامل وأضحت نكتة سوداء تضاف لسلسلة المهازل العراقية، والحرية قد تحولت لحلم بعيد المنال في ظل مجانية القتل اليومي وعبثية المشهد الأمني والخطط الأمنية الفاشلة والمبادرات الوطنية الناقصة وحالة العجز الحكومي شبه الشاملة والخضوع لإرادات القوى والزعامات الشخصية والطائفية المتنفذة التي تحاول رسم وفرض أجندة خارجية واضحة المعالم والخطوط والأهداف، وينبغي على جميع الأحرار في العراق اليوم التكتل وفضح حقيقة ما يجري والتخلي عن السلبية العراقية القاتلة وحالة النفاق التاريخية العراقية المدمرة التي أنتجت كل هذا الواقع المشوه المعاش، فحرب تخليص العراق وإنقاذه من التخلف والغيبية والطغاة الجدد لا تختلف في قدسيتها عن حرب مقاومة النظام البعثي العشائري الطائفي المريض المتجبر الذي نفق وأنتهى من التاريخ أبشع نهاية وهو الذي أسس بجدارة لكل ما نراه من فوضى عارمة في العراق اليوم بعد أن أفرغ الساحة من القوى التقدمية والمتنورة وساهم في إشاعة الجهل وسيادة الأفكار الغيبية الغبية التي لا علاقة لها برؤى العقل السليمة !، والصراحة الوطنية المطلوبة تقتضي أولا وأخيرا وضع اليد على الجرح مباشرة وعدم مداراة و نفاق أي طرف، والحديث الصريح في كل الأمور مهما تصاعدت لغة وإشارات الإتهام والتخوين والتهديد، فلم يعد لدينا ما نخاف أو نخشى منه، لقد قاومنا نظام صدام وهو في أعلى مراحل تسلطه وتحالفاته العربية والدولية وليس معقولا أن نخشى قول كلمة الحق من تهديدات مجاميع من صبيان (نظام طهران) وعملاء وليها الفقيه!! لا والله لن نصمت وسنقولها عاليا وبملأ الفم مهما كانت النتائج، والأيام بيننا؟

هيمنة العصابات البدرية على الملف الأمني؟
من الواضح والمعلوم أن جماعة (المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق) وعبر ذراعها العسكري (فيلق بدر) قد هيمنت على الملف الأمني عبر سياسة التغلغل في وزارة الداخلية العراقية وأجهزتها والتي تحولت لإقطاعية خاصة لجماعة (الحكيم) ولتنظيم المجلس والذي هو في البداية والنهاية تنظيم رسمي إيراني معروف لا تنجح في (تعريقه) كل الفذلكات أو إستبدال الأسماء والعناوين، فولاء المجلس وقيادته أولا هو للولي الإيراني الفقيه، ومصاريف المجلس وخططه الستراتيجية والميدانية ترسم في طهران !، كما أن تسلله وهيمنته على المدن الشيعية وتحويلها ل (فاتيكان) شيعي خاص قد قطع خطوطا عريضة وبات من حقائق الأمور، كما أن تخطيطه البعيد المدى لخلق (جنوب شيعي خالص) يتحكم فيه رموز وزعامات ذلك المجلس قد وصل لآفاق تهدد مثلا بإفراغ مدينة كبرى مثل البصرة من سكانها من (أهل السنة) وتحويلها لمحمية شيعية خالصة خلال شهور قليلة قادمة!! وطبعا ذلك لا يعني أن المجلس وأهله ومن يقف خلفه حريصون على شيعة العراق؟ بقدر ما هم حريصين على تنفيذ مخططهم السلطوي البعيد المدى ! فحرب الجماعات السلفية ضد الشيعة في غرب ووسط العراق تلتقي في أهدافها مع مخططات الجماعات البويهية والصفوية الإيرانية في (تطهير) الجنوب من الوجود السني وهي قضية أخرى سأفرد لها مقالا خاصا قادما!، ووزارة الداخلية في العراق قد أضحت اليوم هي الهدف الستراتيجي الخالص لجماعات التسلل الإيرانية، ولعل متابعة أحداث العراق في الأسابيع الماضية تظهر مدى الفوضى التي ظهر عليها السيد نوري المالكي وهو يختار وزيره للداخلية قبل أن ترسو (المناقصة) على السيد (جواد البولاني) الذي تحول من ضابط بعثي سابق لمؤيد لجماعة أحمد الجلبي قبل أن يطلق ذقنه ويتحول لجماعة الحكيم والمجلس الإيراني الأعلى !! ويفوز بالمناقصة التي يريدها المجلس أن تكون له (حتى ظهور المهدي)!! فوزارة الداخلية بالذات هي أخطر عقدة في مسلسل التسلل للهيمنة على الدولة والمجتمع! فآلاف الإيرانيين قد تم تجنيسهم بالجنسية العراقية لأهداف واضحة!! وهنالك (بلاوي) رهيبة تكمن في أزقة ومنزلقات وكواليس تلك الوزارة الرهيبة!

لماذا أبعد (توفيق الياسري) عن حقيبة الداخلية؟
السيد اللواء الدكتور توفيق الياسري هو واحد من أبرز الكفاءات العسكرية العراقية، وهو أحد قادة إنتفاضة ربيع 1991 التي أعقبت هزيمة النظام والجيش العراقي في الكويت، كما أنه أحد الضباط العراقيين الأحرار الخالي من الشوائب العرقية والطائفية المتخلفة والمريضة ويحظى بعلاقات حب وإحترام مع مختلف الفرق والملل والنحل العراقية، وهو فوق هذا وذاك مناضل عنيد مارس العمل السياسي في المنفى مشكلا (الإئتلاف الوطني العراقي) أواخر التسعينيات في لندن وكان واحدا من أبرز وأنصع الوجوه العراقية المخلصة المقتدرة، دخل الإنتخابات الأخيرة وكانت له شعبيته الواضحة وتعرض يوم 17/11/2005 للإختطاف من بيته في بغداد على يد عناصر ترتدي ملابس وزارة الداخلية!! وحيث خطف لمدة ثلاثة أيام بهدف التخويف والإبتزاز لأن من خطفه ليس من عناصر التكفير القاعدية بل من جماعة (السيد الفلاني)!! ولم يطلق سراحه إلا بعد دفع فدية مقدارها 200 ألف دولار أمريكي فقط لا غير؟ وجاءت الإنتخابات بتائجها الهزيلة لترسم خيوطا على الرمال العراقية ولتعمق الأزمة الوطنية بدلا من أن تحلها، ولتخلق عوالما ومنطلقات جديدة، ولتفرز زعامات عاجزة إلا عن الكلام (الخرط) كما كان ديدن حكومة (الجعفري) الفاشلة والتي أعقبتها حكومة نائبه (المالكي) وحيث رشح المالكي السيد توفيق الياسري لمنصب وزير الداخلية وأكد له من أنه المرشح الوحيد وفعلا أعد الياسري خطة عمله من أجل تأمين الأمن والأمان للشعب العراقي قبل أن يفاجأ ببروز (الفيتو) من رجال النظام الإيراني في الحكم العراقي بعد إعتراض (عبد العزيز الحكيم) عليه!! وكانت أسباب الإعتراض فضائحية لم يكشف عنها النقاب سابقا ولكننا نكشفها اليوم تبعا لمنهجنا الشفاف في الكشف عن الأمور وتعرية الحقائق وتحت شعار: (ليس هنالك ما يدعو لأن نخفيه)!، لقد إعترض الحكيم على الياسري رغم أنه يعرفه ويعرف أسبقية وطنيته وجهاده ويعلم بأصله ونسبة العربي الشريف الذي لا تشوبه شائبة العجمة كما يعرف جيدا أخلاقياته العالية ودرجة تدينه وإيمانه، ويعرف تفصيليا ببعده عن الطائفية النتنة!! ولكنه إستند في رفضه وإشهاره (للفيتو المقدس) إلى تقرير من مستشارية (الأمن الوطني)!! يتهم فيه السيد توفيق الياسري بالإتهامات التالية:
شرب العرق (الخمر)...! ولم يكن ذلك صحيحا بالمطلق بل أنه إتهام مضحك يضاف لسلسلة المهازل العراقية المتوالية فصولا؟.
إتهامه بدرجة حزبية بعثية عليا سابقا!!! وليس في ذلك نصيب من الصحة فنضاله وتاريخه دليل على خطل ذلك الإتهام؟.
أما أخطر الإتهامات ذات الدلالات والمغازي الواضحة هي إتهامه بالميل (لأهل السنة)!! وتلك فرية خطيرة تتناقض وسلوكيات الياسري الوطنية المترفعة عن الصغائر وقد دخلوا لهذا الإتهام لأن كريمة السيد الياسري متزوجة من أحد القياديين الأكراد (السنة) بطبيعة الحال!.
وكما ترون فكل الإتهامات السابقة هي مجرد تبريرات واهية وسقيمة وعقيمة ولكن السبب الحقيقي يكمن في عدم الرغبة بخروج وزارة الداخلية من قبضة المجلس الأعلى للثورة الإيرانية ومن يد الحكيم شخصيا، فالياسري في حال توليه كان سينظف وزارة الداخلية من بلاويها وأمراضها المستوطنة، وكان سيفضح درجة التسلل الإيراني في كواليس الوزارة؟ وكان سيجابه فرق الموت الرسمية، وكان سيفضح ملف تعيين أكثر من 1118 عنصرا من عناصر (فيلق بدر) الإيراني كضباط في وزارة الداخلية وهؤلاء تحديدا هم من يقود فرق الموت ويتسابقون مع التكفيريين في تقسيم العراق وتحطيمه...
في الفم ماء كثير؟ وهنالك معلومات رهيبة وخطيرة وما أعلنا عنه لا يمثل إلا النزر اليسير في مسلسل خطير يهدف لإفراغ العراق من طاقاته ومن رجاله الشرفاء والغيارى ليكون محطا ومستقرا للضباع الإيرانية الطائفية المريضة وللبهائم التكفيرية المفخخة، وليكون وطنا للموت وطاردا لأهله... وسنكشف المزيد في قوادم الأيام؟.
[email protected]