الروايات والأساطير وأساليب النصب والتدجيل الخارجة من العراق هذه الأيام أكثر من أن تعد أو تحصى أو أن تستطيع أية أجهزة قياس وتقصي تتبعها ومعرفة المداخل والمخارج لسياسة الفساد والإفساد التي عمت البلاد والعباد مترافقة مع تصاعد الشحن الطائفي والإرهاب التكفيري السلفي المجرم المبرمج وفق قواعد عمل قوية ومؤسسة وتخضع لتنسيق عملي واضح وتعاون وثيق بين الخارج والداخل، وليس مصادفة أن يأتي حادث تفجير مدينة الثورة الإرهابي المجرم بعد سويعات قليلة على بث خطاب زعيم القاعدة (أسامة بن لادن)!! وبعد ساعات كذلك على تصريحات الرفيق مثنى حارث الضاري الناطق بإسم (هيئة العلماء المسلمين) والرافضة لمبادرة المصالحة الوطنية وحل الأمور العالقة بالطرق السلمية والتعاون مع قوات متعددة الجنسيات من أجل تأمين الحالة الأمنية و تكوين خلايا عمل لبرنامج زمني محدد ومعروف للإنسحاب و تنظيم الوجود الأجنبي على أقل تقدير، والإسراع في عمليات البناء للدولة وللمجتمع!، ولكن يبدو أن حسابات المخلصين في وادي وحسابات لصوص السياسة وأباطرة الحقد والطائفية والتوتر في واد آخر، فمن الواضح أن الإرهاب في العراق قد زادت وتيرته وهو أمر معروف منذ أن نفق المجرم الأردني (أبو مجرم الزرقاوي) وردود الأفعال التي نشأت بعد ذلك وبينت أن للإرهاب جذور ومواقع وتحصينات متغللة للأسف في عقول وتصورات وأذهان قطاعات عديدة من الإعلاميين العرب أو رجال السياسة والفكر ! وهي مسألة مؤسفة وتدلل على خطل وخلل قيمي كبير ومأساوي، ولكن بعيدا عن ملف الإرهاب وتداعياته ومصائبه وبلاويه، فإن هنالك ظاهرة عراقية قد تزايدت وتيرتها مؤخرا بشكل واضح تتمثل في زيادة تدفق موجات الباحثين عن اللجوء في دول الغرب والشرق ووفق أساليب مستحدثة في الوصول للمطارات الغربية وعن طريق (فيزات) سياحية عادية بموجب معاهدة شينغن ومن السفارات الغربية في بغداد!! وبعد التقصي والتحري عن سر الأعداد الكبيرة المتدفقة من اللاجئين العراقيين رغم أن العراق قد تحرر من نظامه الفاشي نظريا منذ ربيع 2003 وما عادت مبررات الإضطهاد والملاحقة السياسية قائمة فعليا كأحد الأسباب المؤيدة لطلبات اللجوء كما كان الحال في الماضي؟ إلا أن الحقيقة التي تقصيناها ولاحظناها هي أن الموجات الجديدة من اللاجئين العراقيين قد تحركوا من العراق بعد دفعهم لمبالغ كبيرة من أجل الحصول على (التأشيرة) وتذكرة السفر والمبلغ المدفوع هو في حدود 12 ألف دولار أميركي للشخص الواحد ! وتكون قصة التأشيرة على الشاكلة التالية
يتقدم وسيط له علاقة بأحد البرلمانيين أو المسؤوليين العراقيين الجدد ويقدم له حوالي 7آلاف دولار للرأس الواحد من أجل الحصول على فيزا (مرافقة وحماية) من سفارتي فرنسا أو ألمانيا أو إيطاليا ويأخذ الوسيط أتعابه من الطرف الثاني (طالب اللجوء) وهي 4 آلاف دولار زائدا تذكرة السفر ألف دولار للوصول لأي بلد أوروبي (إسكندنافي) في الغالب ومن هناك يتقدم بطلب اللجوء والحماية تحت ذريعة أنه مواطن عراقي (سني) ملاحق من قبل الميليشيات الشيعية التي تريد قتله وعائلته!!!! رغم أن القضية ملفقة من أساسها فالمواطن في حقيقته (شيعي) ولا توجد ميليشيات لا شيعية ولا سيخية تركض وراءه!! وإنما هي سياسة (الهمبكة) والنصب الجديدة وتجارة تصدير البشر واللاجئين من أجل الحصول على الأموال ولو عبر تشويه سمعة البلد والطائفة والدين، ويبدو أن أساليب النصب والدجل والمتاجرة بمآسي العراقيين ومصائبهم ستظل هي التجارة الرابحة في عراق يتسابق الجميع على ذبحه ومصه وتفتيته والإمعان في الإساءة إليه، ولا أدري عن طبيعة ذمة أولئك البرلمانيون أو المسؤولون الذين يتاجرون بسمعة البلد والوطن من أجل مصالح مادية سخيفة وزائلة، ومن هنا تتجذر المعضلة العراقية الصعبة والتي هي في الأساس تتمثل في النقص الفظيع في الولاء الوطني، وهي قضية أثارها شاعرنا الراحل معروف الرصافي قبل سبعة عقود حينما قال
لا خير في وطن يكون السيف عند جبانه والمال عند بخيله والرأي عند عديمه !
إنها الكارثة العراقية متجسدة في الفئات والجماعات الطفيلية التي سادت ولا أدري متى ستباد والتي جعلت من العراق بأسره مجرد حنفية للمص والنهب والتشويه... فما ترانا فاعلون؟.
[email protected]