... يدفع ثمنها الإنسان الفلسطيني باهظا

عدت لتوي من حضور مؤتمرين في كندا.. كلاهما يبحث في أهمية السلام العالمي لتجنيب العالم ويلات الحروب.. والدعوة للتخلص من القوه النوويه في العالم كله.. كلاهما أدان ويدين تصرفات الحكومه الإسرائيليه اللا إنسانيه في معاملة الفلسطينيون ويؤيد حق الشعب والإنسان الفلسطيني في الحريه والعداله والمساواه.. المشاركون من اليهود والأميركيون أجمعوا على حق الشعب الفلسطيني في دوله مستقله ذات سياده في حدود 67.. ويتفهموا أسباب العنف الفلسطيني كرد فعل طبيعي للإحتلال والحصار والتجويع.. والقهر.... وكلهم أجمعوا على التندديد بحرب أميركا على العراق.. والوحشيه الإسرائيليه.... وإن كان هدف كلا المؤتمرين الدعوة إلى تبني سياسات اللا عنف في حل الصراعات الدوليه. وبالتأكيد لم يكن هناك أي وجود لأي دوله عربيه كأنما نحن من طينة أخرى ولسنا بحاجه إلى السلام......
عدت إلى لندن لأرى على شاشات التلفزه ما يحدث في الأرض المحتله.. من وحشية إسرائيليه غير مسبوقه في التاريخ المعاصر.. لدوله خرجت عن كل القوانين والأعراف الدوليه وإنتهكت كل القوانين الإنسانيه في التعامل مع شعب محتل..
السؤال يبقى... لماذا وصلت الحماقه الإسرائيليه إلى هذا التحدي المكشوف للعالم أجمع.. ولماذا وعلى مدى ستون عاما لم يستطع الفلسطينيون إقناع العالم أو إقناع إسرائيل على جديتهم في الوصول إلى سلام عادل يضمن حقوقهم الإنسانيه في حقهم في الحريه والعداله.. في دوله ذات سياده.. تريد العيش بأمن وأمان مع جيرانها.. الأسباب متعدده.. منها الفلسطينيه الداخليه..تعدد الفصائل.. وتعدد الرؤا للحل... عدم وجود إستراتيجيه واحده أو موحده لكيفية التعامل مع الإحتلال.. كلها أعطت لإسرائيل المبرر للتملص المستمر من الإلتزام بالإتفاقيات المبرمه.. ولكن.. توقيت عمليات الإنتقام الإنتحاريه.. وخروجها من دائرة الأرض المحتله والدخول إلى حدود إسرائيل برغم إعتراف منظمة التحرير ذاتها بالدوله الإسرائيليه.. لم يساعد المجتمع الدولي في أي ضغط فعال على إسرائيل... بل ساهم في الترويج الإسرائيلي لمقولة عدم وجود شريك متفق عليه فلسطينيا ويستطع الوصول بنية صادقه إلى سلام.. برغم سوء النيه الإسرائيليه المستمر.. وجاءت الفرصه لإسرائيل لإكمال مخطط شارون في الإنسحاب ألأحادي.. و تبرير بناء جدار الفصل العنصري بعد نجاح حماس في الإنتخابات.....
وبرغم رفض المجتمع الدولي للتعامل مع الحكومه الفلسطينيه المنتخبة ديمقراطيا.. إلا أن الأطماع الإسرائيليه كانت أكبر من مجرد تجويع الفلسطينيين..
مما لا شك فيه بأن الحكومتين الإسرائيليتين الأخيرتين حددا رؤيه واضحه لكيفية الحل الذي يريدونه.. وهو فرض الأمر الواقع على الفلسطينين وسرقة الجزء الشرقي (غور الأردن) من الضفه.. وسرقة 53 % من آبار المياه الإرتوازيه.. أي ولأول مره تحديد حدود إسرائيل بأكبر مساحه أرضيه وبأقل عدد سكاني ممكن... وبالتالي كان الهم الغسرائيلي هو كيفية التخلص من أي مساومات فلسطينيه لهذا الحل..
ولقد حاول أولمرت أن يقنع الطرفين الأميركي والبريطاني خلال زيارته الأخيره بهذا السيناريو.. ولكنه وبرغم التأييد الأميركي الأعمى لإسرائيل إلا أنه لم يستطيع إقناع كلا الطرفين بمباركة هذه الخطه.. وكلاهما أصرا على أن التفاوض مع الفلسطينيين هو الطريق الوحيد للحل.. وإن كانا أيضا علقا بأن إسرائيل لن تنتظر إلى ما لا نهايه...
وبالتالي عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي.. ليبكر طريقه جديده تساعده على فرض خطته الأحاديه.. وبالحدود التي يريدها... وكعادة إسرائيل المستمرة بإثارة الفلسطينيين للحصول على ردات فعل لا ترتقي إلى مستوى التدمير العسكري الإسرائيلي ولو بنسبة الواحد من الألف.... جاءت عملية عين كارم.. لتعطي إسرائيل كل الذرائع لتمرير خطتها...... فتحت ذريعة الخوف من الإرهاب الإسلامي المدعوم من ايران.. تقوم الحكومه الإسرائيليه بأكبر عملية إنتقام وإقتحام وتشريد.. الهدف منها ليس تحرير الجندي الإسرائيلي المخطوف.. ولكن الهدف الأكبر هو التخلص من الطرف الفلسطيني..للحصول على الموافقه الأميركيه على الخطه كبديل وحيد لخريطة الطريق...وإثبات للمرة الألف بأن إسرائيل هي الضحيه الأولى من الإرهاب.. وليس العكس....
فبعد نجاح الملك الأردني عبد الله في إقناع أولمرت بمقابلة أبو مازن.. ومن ثم التحضير من جديد للمفاوضات.. جاءت عملية عين كارم لتعطي أولمرت ذريعه للتملص من أي إلتزام...
وتوفر له الوقت الكافي لإستكمال بناء الجدار العازل لسرقة أكبر ما يمكن من الأرض.. والمياه الفلسطينيه.. ورسم حدود إسرائيل.. وهدم مابقي من البنيه التحتيه الفلسطينيه... متمنيا في الوقت ذاته الإنهيار التام للسلطه.. والإستمرار في حرب الفصائل لإعادة إحياء ملف التهجير الذي وضعته الحكومه الإسرائيليه على الرف إلا أنه حلم لا يزال يراود العديد من الحكومات الإسرائيليه.. ومن غير المستبعد على الدوله الإسرائيليه إحياؤه للتخلص من أكبر عدد من الفلسطينين.. فكما قد تنجح هذه العمليه في الحصول على الموافقه الأميركيه.. لربما تنجح في عملية التهجير القسري.. أو الطوعي.. بعد الإنهيار التام للسلطه..
إن إنزلاق الفصائل الفلسطينيه في عمليه مثل هذه.. لاتخدم المصلحه الوطنيه الفلسطينيه.. بل تؤكد تلاعب القوى الخارجيه بالقضيه.. وتضع الفلسطينيون بأكملهم على مفترق طريق وعر.. وهو التضحيه بأرواحهم لتحقيق أحلام ومصالح قوى خارجيه...
ما نشاهده على القنوات التلفزيونيه كارثه أخرى تضاف إلى سجل البؤس الفلسطيني.. أمام أعين الدول العربيه والمجتمع الدولي...
الشعوب العربيه.. إكتفت بالشعارات والعواطف.. والدول العربيه تكتفي بالشجب والإدانه.... ويبقى الإنسان الفلسطيني الأعزال تستغله دول لها أجندات خاصه بعيده كل البعد عن التحرير لفلسطين أو حتى الدخول في أي شكل من أشكال المناوره العسكريه مع الدوله الإسرائيليه..
دول ترهن القضيه الفلسطينيه وتستثمر بؤس وحاجة الإنسان الفلسطيني لتحقيق طموحاتها في الوصول إلى الزعامه الإقليميه ووضع قدمها على المستوى الدولي كزعيم للمنطقه يستطيع الحل والربط.. يستطيع التهدئه أو التصعيد ضد دول العالم بأجمعها....
.. ما سيفيد الإنسان الفلسطيني الآن هو الوحده الوطنيه في رؤية موحده للحل.. ماسيفيده هو إعادة الشرعيه لمنظمة التحرير الفلسطينيه فقط كشريك للتفاوض.. رفض بأن تستغله أيادي برغم وطنيتها أو نضالها السابق تعيش خارج الأرض المحتله.. فلا يعرف معنى النار سوى من يكتوي بنارها يوميا..
نعم مقاومة الغحتلال الإسرائيلي حق مشروع.. ولكن واقع الأمر يؤكد بأن جدوى هذه العمليات في مقارنتها مع الإنتقامات الفلسطينيه يؤثر سلبا على الموقف الفلسطيني.. ما يملكه الإنسان الفلسطيني الآن هو التعامل الواقعي مع هذا الإحتلال.. بأسلوب آخر ينبذ العنف ويعترف بحق كل إنسان في الحياة بأمن وأمان.. أن يتوقف كليا عن ضرب صواريخ بدائيه عمياء.... وأن يتجه لبناء نفسه كإنسان.. وعدم التبجح بقوة عسكريه لا تضاهي قوة رابع جيش في العالم.. والإرتقاء بأنفسنا من الوصول إلى مستوى الإنحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه دولة إسرائيل.....
ثم التوجه إلى منظمات السلام العالمي.. والإسرائيلي.. وكشف خطط ايهودا أولمرت في إستغلال كل هذه الأحداث لخلق واقع على الأرض.. الشعب الفلسطيني سيكون هو الخاسر الأول والوحيد سابقا وحاليا إن نفذ أولمرت هذا التخطيط.... ولن يكون بإمكان الفلسطيني ولا الدول العربيه مجتمعه تغييره أو إعادة عقارب الساعة كلها إلى الوراء إن تم تنفيذه... وسيحرم الفلسطيني من كل شيىء..ولن تستضيفه أي من الدول العربيه ولا الأجنبيه لأنه متهم بالعنف والإرهاب..

أحلام أكرم ndash; باحثه وناشطه في حقوق الإنسان