يخطأ الكثيرون فهم قول السيد المسيح عليه السلام quot; من لطمك على خدك الأيمن.. حول له الآخر أيضاً quot;. فبينما يعتقد البعض أن الذي يستطيع تنفيذ هذه الوصية يحتاج إلى امتلاك القيمة العظمى للتسامح، يعتقد البعض الآخر أن تنفيذ هذه الوصية غير ممكن؛ إذ كيف يمكن للمرء أن يتنازل هكذا عن كرامته ولا يرد الإهانة الموجهة إليه؟. وهل نترك الجاني والشرير بدون عقاب، ونعطيه الخد الآخر ونسهل له طريق الشر والظلم؟ هل نُعلم أنفسنا التسامح على حساب ترك الظالم والشرير حتى يتمادى في الظلم أكثر وأكثر؟ أليست هذه أنانية، وعدم محبة للظالم؟ اختلطت المفاهيم وتاهت الحقيقة ولم يعد المرء يدرك الخط الفاصل بين مفهوم التسامح بمعنى قبول الآخر بكل اختلافاته والتعامل معه بدون استعلاء باعتبار أن quot;الأخر هو أناquot;، وبين مفاهيم رد الظلم ومعاقبة الظالم حتى تسود قيم العدالة في المجتمع.
في الحقيقة أن هذا الحوار.. ذو الثلاثة أبعاد يمكن تشبيهه بدالة (علاقة مشروطة) في ثلاثة متغيرات هي يد المعتدي وخدّي المعتدَى عليه. وبلغة بسيطة فإن نتيجة ومحصلة هذا الحوار سوف تعتمد على كيفية التفاعل بين هذه المتغيرات الثلاث. والمتغير الأول هو يد الإنسان المعتدي فهي التي تلطم وتأخذ الأوامر من صاحبها وبالتالي فهي تفهم لغته وتعبر عن مشاعره. أما بالنسبة إلى خدَي المعتدى عليه فنجد أن الخد الأيمن أو الأول قد أُخذ على حين غرة وهذا يعتبر خطأ يحسب علي المعتدى عليه وليس على المعتدي؛ وذلك لأن المعتدى عليه لم يكن مستعداً ويقظاً لتفادي هذه اللطمة أو لأنه لم يكن يتحلى بالشجاعة والقوة التي تردع وتمنع المعتدي من الاعتداء عليه.
لمعالجة خطأ الخد الأيمن
يبدأ على الفور الخد الأيسر في العمل مستفيداً مما حدث للخد الأيمن. فيستعد لتلقي اللطمات ليس مثل الخد الأول على حين غرة، ولكن بوعي وفهم وإدراك لطبيعة صاحب اليد المعتدية ولغته ومشاعره ودوافعه والتي اكتشفها بالطبع من آثار اللطمة الأولى. هذا الوعي الوليد للمعتدى عليه يكسبه الإحساس بأنه quot;صاحب حقquot; وهذا يمنحه القوة والشجاعة القادرة على أن ترد المعتدي فيخجل من فعلته الأولى ويعتذر وينتهي الحوار لصالح المعتدى عليه.
فإذا لم يفهم المعتدي مقدار التغير الذي حدث في موقف المعتدى عليه من جراء الضربة الأولى المباغتة. وإذا لم يفهم كيف أن المعتدى عليه قد استفاد من خطأ خده الأيمن ولن يسمح بتكراره واستعد بالشجاعة والقوة لمواجهته. وإذا لم يفهم أنه ربما لن ينجح في توجيه لطمة للخد الأيسر في هذه الحالة فإن الحوار يكون قد فشل نتيجة استخدام كل من المعتدي والمعتدى عليه لغتين مختلفتين للحوار؛ فالمعتدي يستخدم لغة لا يفهمها الطرف الثاني والمعتدى عليه يستخدم لغة لا يفهما الطرف الأول. ويجب على المعتدى عليه أن يبحث عن لغة أخرى للحوار تحقق الردع للطرف المعتدي.
أ.د./ إميل شكرالله ـ أستاذ الرياضيات بالجامعات المصرية
[email protected]
التعليقات