نشر الدكتور رياض عبد منذ يومين مقالا مؤثرا ونافذا عن النفاق العربي الشامل في معالجة شؤون العراق. كان الدكتور على كل الحق حين أشار إلى أن دم العراقي غير غال عند العرب بدليل أنه تجري يوميا عمليات تفخيخ واغتيال وقتل وخطف وتعذيب يروح ضحاياها العشرات بل المئات، في حين تصمت الدول والمثقفون العرب [إلا القلة الشجاعة] ووسائل الإعلام العربية ورجال الدين في هذه البلدان ويتخذون مواقف التفرج، أو التبرير المبطن باسم المقاومة أو الحث على المزيد لدى فضائية مفضوحة لدينا جميعا وعند رجال دين اعتادوا إصدار فتاوى الموت والدم!.
إن بكاء العرب [أو تباكيهم لا نعرف!!] على ضحايا قانا مبرر ألف مرة لكون الضحايا كانوا مدنيين وخصوصا من الأطفال الأبرياء. أما حين يفجر إرهابي إسلامي عربي أو صدامي نفسه وسط عشرات الأطفال في ملعب الكرة ببغداد فالحدث يمر عابرا وبلا اكتراث عربي.
هنا أود أن أضيف أنه، إذا كان النفاق العربي في القضية العراقية مكثفا واستثنائيا، فإن هناك نفاقا دوليا أيضا، وخصوصا لدى شرائح وجماعات اليسار الغربي، والأقصى منه خاصة. لاحظوا أن تشومسكي وشركاء له يصدرون بيانا عن لبنان ولم نرهم أدانوا جرائم الصداميين والإسلاميين العرب في العراق، بل وإن أمثال تشومسكي ما فتئوا يدينون حرب إسقاط صدام، وذلك من منطلق وسواس العداء المرضي لما يعتبرونه quot;إمبرياليةquot; أمريكية والعداء لشخص بوش. لا هؤلاء ولا اليسار الغربي عموما، ومنهم الديمقراطيون الأمريكان وخصوم بلير في حزب العمال، أبدوا ذرة تعاطف مع المئات من الضحايا العراقيين، ولاسيما من الشيعة، الذين تراق دماؤهم كل يوم على أرض الرافدين. لم نقرأ عن احتجاج دولي واحد على مذبحة أطفالنا في ملاعب الكرة بينما تتالت الاحتجاجات الصاخبة على مذبحة قانا. فهل ثمة معايير مزدوجة؟!
الواقع أن المجتمع الدولي، ولاسيما اليسار والدول التي يسيرها اليسار الغربي، يسلك سلوكا في منتهى الخطر في مواجهة الإرهاب ودول الإرهاب والمذابح الجماعية. ففي التسعينيات صمتت الأمم المتحدة وسكرتيرها العام عن عمليات الإبادة في البوسنة وكوسوفو، في حين وجه الأوربيون انتقادات حادة للصمت الأمريكي وحثوا واشنطن على التدخل. غير أنه عندما تدخلت عسكريا لوحدها في البداية راحوا يرددون تهمة quot;وحدانيةquot; القرار الأمريكي. ثم جاءت الأزمة مع نظام صدام بعد 11 سبتمبر حيث وقف كوفي أنان والأوروبيون بغالبيتهم مواقف التسكين والمطالبة بإعطاء وقت إضافي للنظام لتنفيذ العشرة قرارات أو أكثر من القرارات الدولية الملزمة عن برامج التسلح العراقي. أما بعد تحرر العراق، فقد وضع اليسار خاصة كل ثقل دعايته لمهاجمة القرار الأمريكي والتشكيك في الوضع العراقي الجديد. إن سياسة مماثلة تتبع اليوم مع المشروع النووي الإيراني رغم بعض القرارات الحازمة؛ ولكن لا تبدو هناك جدية حقيقة في الوقت الحاضر لا عند الاتحاد الأوروبي ولا عند وكالة البرادعي لوضع النظام الإيراني أمام حزم دولي جماعي. الملالي يتعاملون بمنتهى الشطارة والدهاء الجامعين بين شطارة الملالي وتجار السوق الإيرانيين ودهائهم! إنهم في كل مرة يطلبون مزيدا من الوقت باسم quot;دراسةquot; العرض المقدم والمطلب الدولي، بينما هم ماضون بسرعة متصاعدة في مشروعهم مستخدمين، وعدا البلف والدهاء، ورقتي العراق ولبنان.
أجل، إن النفاق العربي هو نهاية نهايات النفاق السياسي والأخلاقي، ولكن لا ينبغي نسيان نفاق المجتمع الدولي.
- آخر تحديث :
التعليقات