لا يبدو مقال كامل النجار أكثر من كونه مجرد محاولة للدخول في مشاجرة كلامية مع المؤمنين بالأديان على غرار مناظرات متكلمي العصور الوسطى مع فارق أساسي حيث تميز متكلمي هذه العصور ndash; التي ربما يصفها البعض انطلاقاً من عجرفتهم الحضارية والعلمية بأنها متخلفة ndash; باعتماد مناظراتهم على ثقافة حقيقية بالآخر، فيما يلاحظ أن كامل النجار لا يتكلف حتى محاولة التظاهر بالاعتماد على أي ثقافة خاصة بالأديان التي تناولها في مقالة، متجاوزاً هذه المشكلة باستخدام بعض مواقف اختارها بشكل انتقائي ملحوظ، وحتى دون الإشارة إلى ارتباطها بخلفيات وواقع اجتماعي ضاغط لم يلتفت هو إليه.
مع بدايات المقاليعلن كامل النجار بشكل صريح أن مشكلته هي (دين أو لا دين) وهو في هذا الإطار يرغب في أن تشمل ضرباته الأديان المصطلح عليها بكونها سماوية(1) فلا يجد غضاضة في جمعها داخل إطار واحد بغض النظر عن اختلاف خلفيات النشأة الاجتماعية والحضارية والبيئية وحتى التطور التاريخي والعقائدي لها، ويتحدث عنها كشيء واحد يجب أن يكون متشابهاً حتى في تفاصيل حياة مؤسسيه، وهنا يبدو مخلصاً جداً لعنوان مقاله quot; طبيعة الأديان quot; الذي يستطيع أي شخص أن يفهم منذ سطوره الأولى أن الغرض ليس البحث عن طبيعة الأديان كقواعد النشأة والتطور أو حالات التأثير المتبادل بينها. في الجزء الأول من مقاله يطلق كامل النجار قاعدتين حتميتين، الأولى: أن التفسير الحقيقي لكل دين يكمن في الآراء والتصرفات التي يقوم بها المتشددون من أتباعه ولا شيء آخر.
الثانية : أن الأديان لا تنتشر إلا في الأوساط الجاهلة أو غير المثقفة.ومع ما في هاتين الحتميتين من استعلاء ومحاولة لاحتكار مفاهيم كالثقافة في نطاق الرافضين للأديان، فإن كامل النجار لم يسع لتوضيح أي خلفيات لهذه الأحكام التي أطلقها بشكل دعائي وساخط.
في حتميته الأولى يتساءل كامل النجار عن الكيفية التي يمكن بها تبرير الفتاوى المتشددة لرجال دين مسلمين ومسيحيين ويهود قضوا كل عمرهم في الدراسات الدينية بما لا يمكن معه اتهامهم بالقصور في فهم النص المقدس، ومع وجاهة سؤاله فإنه لم يطرح تساؤل مقابل حول الفتاوى غير المتشددة والتي يطرحها علماء قضوا أعمارهم في الدراسات الدينية بما لا يمكن معه اتهامهم بالقصور في فهم النص المقدس!!
إن كامل النجار لم يضع في اعتباره محاولات الاستغلال الاجتماعي والسياسي للنصوص المقدسة والتي كان يقوم بها على الدوام رجال دين خاضعين لسيطرة سلطة علمانية لا تقيم وزن حقيقي للدين، و لا يمكن هنا لكامل النجار أن ينعت الحكومة الصهيونية بكونها يهودية بالمعنى الإيماني للديانة اليهودية حتى لو كان رئيس وزرائها أولمرت يظهر أحياناً وهو يغطي رأسه بالكيبا ويقرأ نصوص التوراة التي لم يستطع إخفاء حقيقة اعتقاده بكونها مجرد نصوص تراث.
ويبدو من المثير للغرابة فعلاً أن يضع كامل النجار فتوى حاخامات الضفة الغربية بمشروعية قتل الأطفال في لبنان في نفس مستوى فتوى الشيخ القرضاوي بحلية العمليات الاستشهادية في فلسطين والتي صاغها هو على أنها فتوى بحلية قتل اليهود في فلسطين بحيث يبدو اليهود كأقلية مستضعفة وليس كمجموعة بشرية مُستَعمرة لأراض تم طرد سكانها وقتلهم، وعلى الرغم من أنني لست من المعجبين بالشيخ القرضاوي، فإنني مضطر بكل أسف للانحياز إليه حيث أجد للمرة الأولى أن هناك موقفاً سلفياً أكثر عدلاً ومعقولية من مواقف أخرى، واتساءل بالنسبة لكامل النجار عن الكيفية التي يقترحها على الفلسطينيين كي يتمكنوا من استعادة حقوقهم الإنسانية مع حصار العالم العلماني الغربي لهم وتأييده المطلق للكيان الصهيوني، وأرجو فعلاً ألا تكون أفكار كدعوات الحوار والسلام هي ما يشير إليها كامل النجار كما يبدو من مقاله حيث لا يصبح الأمر مثيراً للاستغراب فقط وإنما مثير للسخرية كذلك.
لقد حاول كامل النجار أن يبدو بصورة أكثر علمية في تحليله النفسي لأسباب صدور هذه الفتاوى، حيث اعتبر أن هذه الفتاوى تشابه إلى حد كبير ما كان يفعله موسى (ع) وحاخاماته، وبالتالي فالعقل البشري لم يتقدم كثيراً من وجهة نظره، واعتبر كامل النجار أن الأديان التي بدأت مع نمو الجنس البشري عندما كنا أقرب إلى الحيوان من الإنسان مازالت تسكن وتتحكم في العقل الغريزي وتجعل منه قوة تتغلب على العقل الواعي في أغلب الأحيان.
وعلى الرغم من أن هذه الجزئية هي الفقرة الوحيدة التي ناقشها كامل النجار بشكل جيد، رغم الخلاف معه فيها، فإن استعلائه المبالغ فيه يوقعه في أخطاء ساذجة، إن الأديان التي ينتقدها وهي المعروفة بـ (السماوية) لم تظهر في مرحلة التوحش والتي شهدت عدم التزام بأي سلوكيات اجتماعية محددة، في حين تقوم الأديان على سلوكيات وانضباطات معينة الغرض منها تنظيم حالة التناقضات الموجودة في المجتمع، وبالتالي فقد ظهرت هذه الديانات التوحيدية في مراحل التقدم الإنساني والحضاري سواء في الحضارة المصرية حيث ظهرت اليهودية في طورها الأول وتأثرت فيما بعد بحضارات أخرى كالبابلية والكنعانية، أو في مرحلة سيطرة الحضارة الرومانية حيث ظهرت المسيحية، أو في مرحلة التنافس بين الحضارتين البيزنطية المسيحية والفارسية الزرادشتية حيث ظهر الإسلام.
إن ما يسعى كامل النجار للتأكيد عليه بشكل غير مباشر هو أن الحضارة الغربية العلمانية هما فقط ما يمكن أن يطلق عليهما مصطلح حضارة وثقافة بالمعنى الحقيقي مستدلاً على العنف الذي اتسمت به حركة تطور وصعود كل دين وما يشهده العالم الآن من عنف في الشرق الأوسط باسم الدين الإسلامي، وهنا يجب أن نشير إلى أنه لا فارق جوهري بين القتل باسم الدين على يد جماعات مسلحة وبين القتل باسم الديمقراطية والعلمانية على يد دولة كبرى تستغل هذه التعبيرات لفرض مشروع احتكارها للنفوذ والثروات على العالم بالقوة، وهنا لابد من توضيح أن هذه الجماعات المسلحة شهدت رعاية وتصفيقاً ضخماً من نفس هذه الدول العلمانية والديمقراطية أثناء مواجهتها للسوفييت في أفغانستان حيث كان يطلق عليها في تلك الفترة لقباً مخالفاً (المجاهدين الأفغان) وأنا لا أجد تسمية لهذا التحول في التعاطي الغربي العلماني مع هذه الجماعات سوى اسم الانتهازية السياسية.
على الدكتور كامل النجار إذن أن يبحث عن مبرر آخر أكثر مصداقية لمثل هذه الفتاوى، فالقتل لا يتخذ ذريعته من الأديان فقط وإنما من العلمانية والديمقراطية كذلك، وهنا لا أعتقد أن كامل النجار يرى بأن العلمانية هي كذلك عودة للعقل الغريزي، وبعيداً عن أن لهجة كامل النجار والذي يسعى فيها للإمساك بميزان يقوم فيه بقياس عقول الآخرين وتقسيمها لعقول واعية وعقول غريزية، فإن هذا التفريق ذاته الذي بدأه كارل يونج في نظريته عن الإنسان البدائي يتجاهل تماماً حقيقة تراكم الخبرة والتجربة الإنسانية والتي تضع الغريزة في إطار الأحكام الاجتماعية، ويفترض عدم وجود وعي لدى الإنسان البدائي ذاته ينسجم مع بيئته وتجربته وخبراته فهو إذن يعتبر أن الإنسان البدائي هو كائن مختلف بعقلية مختلفة عن الإنسان المتحضر، إن التساؤل الأساسي لكامل النجار هو متى اختفت مثل هذه الآراء التي لا ترى مشكلة في القضاء على الآخر مقابل مصالح مادية أو اجتماعية حتى لدى الغرب العلماني ؟ وبمعنى أوضح متى ظهر مسمى العقل الواعي بشكل واقعي حتى يتم عقد مقارنة بينه وبين مسمى العقل الغريزي كنموذجين مختلفين ؟.
في حتميته الثانية استخدم كامل النجار بعض الشخصيات من مؤسسي الفرق الدينية الحديثة المنشقة عن الكنيسة البروتستانتية في الولايات المتحدة الأمريكية كأمثلة يسقطها بشكل متعسف على غيرهم من الطوائف في العالم، وبديهي أن مشكلته الأولى تمثلت في حكمه المتعسف بأن مناطق ظهور هذه الطوائف كالمورمون وطائفة ديفيد كيرش (الداوديين) بعيدة عن الثقافة حيث وصف عقلية سكانها بـ (عقلية مزارع القطن) مما يبرر بالنسبة له ظهور الطوائف الدينية على أرضها.
إذن فمن غير المتوقع بالنسبة لكامل النجار أن تظهر أي ثقافة اعتماداً على عقلية مزارع القطن الذي ينظر لها كامل النجار باحتقار ظاهر، ومع ذلك فإن كامل النجار لم يجب عن سر انتشار طوائف عقلية مزارع القطن في أوساط مدن أخرى تعيش على عقلية الرأسمالي الأنيق بهذا الشكل الواسع، وإن كان من المقبول الحديث عن عقلية مزارع القطن في القرن الـ 19 أثناء الحديث عن المورمون، فما تأثير هذه العقلية على سكان الولايات الجنوبية في أواخر القرن العشرين حينما ظهرت طائفة الداوديين بقيادة ديفيد كيرش سنة 1986 ؟ وذلك بغض النظر عن أن معلوماته عن نشأة المورمون خاطئة ndash; سهواً أو عمداً ndash; فمؤسس هذه الطائفة ولد في أقصى الشمال الأمريكي في فيرمونت سنة 1805 م، ثم رحل مع عائلته إلى نيويورك، ثم بدأت دعوته في سنة 1829 م في نيويورك وعموماً فكلتا الولايتين لا علاقة لهما بعقلية مزارع القطن.
لم يشر كامل النجار إلى السر في اعتباره هاتين الطائفتين على وجه الخصوص معياراً لغيرهما من الطوائف، فبديهي أن ظهور مثل هذه القراءات للكتاب المقدس خاضع لطبيعة الكنيسة البروتستانتية ذاتها وكذلك للتناقضات التي تفرض نفسها على الواقع الأمريكي ذاته والتي تفرز مثل هذه القراءات، وبالتالي فهي تعد بقدر كبير خاصة بالفكر الأمريكي.
في مناقشته لقدرة الأديان على غسل الأدمغة استدل كامل النجار ببعض الممارسات التي يقوم بها بعض المسلمين الشيعة والتي تسمى (التطبير) كنوع من التعبير عن الحزن في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (رض) ورغم أنني أوافقه على رفض هذه الممارسات، كما يوافقه كذلك العديد من علماء الدين الشيعة كالسيد محمد حسين فضل الله، وحتى مرشد الثورة في إيران السيد الخامنئي، فإن كامل النجار لم ينتبه إلى حقيقة أن بداية ظهور هذه الممارسات كانت في القرن الـ 16 الميلادي حيث استعارها الصفويون (شاهات إيران في تلك الفترة) من بعض مشاهداتهم لممارسات شبيهة كانت تحدث في أوروبا كتعبير للحزن على المسيح (ع)، وبالتالي فإن الادعاء بأن هذه الممارسات هي ممارسات دينية كما يرغب كامل النجار رغم أنها ظهرت بعد قرون من استشهاد الحسين (رض) يعد ضرب من الدجل، وهنا لا يبدو أن للأديان قدرة على غسيل الأدمغة بقدر ما تتجلى قدرة السلطة على استغلال الأديان بما يخدم مصالحها.
ومع إصرار كامل النجار على أن يكون نمط تفكيره الغربي هو معيار وميزان العقلاني بمثل هذا الشكل المتعجرف فإن أحد المستشرقين المنتمين لهذه النوعية من نمط التفكير أبدى استياؤه لتوقف هذا الطقس الجليل (التطبير) في مصر مع بدايات القرن الـ 20، وأمل أن تؤدي المصاهرة بين البيتين المالكين في مصر وإيران إلى عودته مرة أخرى(2)، والواقع أن هناك تساؤلات حول مدى عقلانية قيام المسئولين الأمريكيين العلمانيين في الحرب العالمية الثانية باتخاذ قرار إبادة مدينتين يابانيتين عن طريق قصفهما بالقنابل الذرية، كما نتساءل عن مدى عقلانية تهديد الرئيس الفرنسي العلماني جاك شيراك للدول التي تهدد أمن فرنسا ndash; حسب تصوره ndash; بقصفها بالقنابل النووية بما قد يؤدي لإبادة شعوبها، في مقابل فتوى الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية بتحريم استخدام هذه الأسلحة من الأساس، وبالتأكيد فإن المسئولين العلمانيين في أمريكا أو فرنسا لم ينظرا إلى الكتاب المقدس قبل اتخاذ مثل هذه القرارات، في حين أن الإمام الخميني نظر إلى القرآن وهو يقوم بصياغة هذه الفتوى.
في الجزء الثاني من مقاله يلجأ كامل النجار لعقد مقارنة بين الأديان ربما تبرر هذا الجمع المتعسف لها في إطار واحد.
- فكل دين أو طائفة أسسه رجل يتيم أو غير معروف الأب، ومن الغريب جدا أن يوقع كامل النجار نفسه في مثل هذه الأحكام غير العقلانية والمثيرة للسخرية في حين يجد في نفسه الجرأة على احتكار تعريف العقلانية والثقافة، وبقدر ما يعد الرد نوع من المجاراة لهذا السخف فإنه يبدو ضرورياً للاستدلال على نقاط الضعف في هذا الحكم، فلم يكن موسى(ع) يتيماً أو حتى غير معروف الأب مع الاعتراف بأن حياته اتخذت مساراً غريباً بسبب الظروف التي رافقتها، كما أن مؤسس طائفة المورمون يوسف سميث (1805 - 1844) والتي أشار إليها كامل النجار لم ينتمي إلى أي من النوعيتين.
- المتشابهة الثانية بين الأديان هي الثراء الملحوظ لرجالات الدين عموماً المسلمين والمسيحيين واليهود، وربما أتفق بالفعل معه في هذه الملحوظة التي تضع رجالات الدين في صدام حقيقي مع الأديان التي يدعون إليها، والتي تبدي ريبة واضحة من الثراء المالي، ومع ذلك فإنه كان من العدل أن يعترف كامل النجار بأن هذه المؤسسات الدينية والتي يتهمها بالثراء تقدم العديد من الخدمات المجانية للفقراء سواء الكنيسة الكاثوليكية أو رجال الدين الشيعة خاصة أن هذه الأموال التي تتوفر لمرجعيات الدينية (مسيحية أو مسلمة) ليس بناء على نهب أو استغلال إمبريالي وإنما بناء على قناعة من يملكون الأموال من الأتباع بجدارة هذه المرجعيات في القيام بمسئولية الإشراف على توزيع الحقوق الشرعية، وهنا نلفت نظر كامل النجار إلى أن أحمدي نجاد ليس رجل دين وإن كان على رأس نظام يعتمد على الشرعية الدينية والشعبية.
إن كامل النجار لم ينتبه إلى أن النهب المالي لا يستغل الأديان فقط، فالإدارات الأمريكية تستخدم الضرائب التي يدفعها الأمريكيين لممارسة القتل في أنحاء العالم منذ الحرب العالمية الثانية بحجة نشر الديمقراطية وهي تجيد استخدام الإعلام لتبرير ما ترتكبه من جرائم، وهنا نتساءل عن مصدر الأموال الضخمة لبعض المؤسسات العلمانية في أوروبا والتي تستخدم عامة في اختراق المجتمعات الشرقية لصالح بسط النفوذ الأمريكي والصهيوني وهي بالتأكيد نوع آخر من الاستغلال المالي لا علاقة له بالدين.
- المتشابهة الثالثة وهي حسب نص كامل النجار : quot; كل دين أو طائفة لا بد لها كي تنجح أن تجد لنفسها أعداء تحاربهم باسم الله. فإذا لم يحاربوا في سبيل الله فلن يُقنعوا العامة بأنهم يمثلون الله في الأرض quot;، وهي متشابهة حقيقية بالفعل وإن كان كامل النجار لم يفرق بين الطوائف التي أُستغل عوامها للاعتداء على الآخر وبين الطوائف المعتدى عليها، وفي كل الأحوال كان على كامل النجار التساؤل حول الغرض من هذا الاستغلال الذي يقوم به زعامات بعض الطوائف ضد الطوائف الأخرى سواء المخالفة للدين أو التي تنتمي لذات الدين، وهنا نشير أن هذه الملحوظة ليست خاصة بالدين وإنما تستغل كذلك في الإطار القومي، والوطني وهما ينتميان إلى الخط العلماني أكثر من انتمائهما للطائفية أو الدين، فقوانين هذا الاستغلال ليست خاضعة لطبيعة دين أو طائفة أو حتى القومية وإنما لطبيعة طبقة مسيطرة تسعى لإحكام نفوذها سواء عن طريق استغلال الدين أو الطائفة أو القومية.
- المتشابهة الرابعة حول اتخاذ مؤسسي كل دين أو طائفة عدد كبير من الزوجات، وقد استخدم كامل النجار وضع النبي سليمان(ع) التي تذكر له التوراة عدد ضخم من الزوجات والجواري، وهنا فإن كامل النجار يحاول محاسبة النبي سليمان الذي عاش في مرحلة تاريخية وحضارية معينة بحسب الأفكار الغربية حالياً، وبديهي أن هذه المحاولة غير منطقية وتفترض أن الأفكار السائدة حالياً هي الأصلح والأفضل على الرغم من أنها لم تحقق أي نتائج غير معتادة بالنسبة للمجتمعات الأوروبية التي تتبناها، فمازالت هناك جرائم وبطالة وفساد وخيانات زوجية... الخ، وهي نفس الأمراض الاجتماعية التي شهدتها المجتمعات القديمة، ومع أن التوراة لا تصلح كسند تاريخي في الواقع ولا يوجد دليل واقعي على مصداقيتها ndash; مع احترامنا لها كنص ديني ndash; فإنه من الضروري ذكر أن هذا العدد من الزوجات بالنسبة لملك في تلك الفترة لم يكن سوى دليل على نفوذه الذي تذكر التوراة أنه شمل مناطق عديدة من الشرق، ولم يكن الزواج سوى مظهر من مظاهر التحالف السياسي والقبلي.
أما اعتداء بعض القساوسة على الصبيان فهو يشير إلى ما فعله بعض القساوسة الأمريكيين الكاثوليك في الولايات المتحدة، ومن الغريب أن التفكير المنطقي يرفض تعميم الأحكام لكن كامل النجار يعتمد تماماً على هذا الأسلوب التعميمي وفي هذه النقطة فإنه يتحدث كما لو أن كل القساوسة المسيحيين أو الكاثوليك يمارسون اغتصاب الأطفال، أو أن كل مغتصب للأطفال يجب أن يكون رجل دين ما في حين أنه يوجد مغتصبون للأطفال وحتى للنساء لا يؤمنون بأي ديانات أو لا يقيمون وزن للشعائر الدينية.
- المتشابهة الخامسة حول الشعائر الخاصة بكل دين، يقول كامل النجار : quot; كل دين أو طائفة أدخل بعض الشعائر الدينية التي تختلف قليلاً عن غيره من الأديان رغم أن الجوهر هو نفسه. كل ذلك ليوهموا الجهلاء أن دينهم أو طائفتهم جاءت بجديد quot;، إن الشعائر الخاصة بكل دين ترتبط بجوهر دعوته والبيئة التي نشأ بها وأيضاً بالمؤثرات الحضارية التي دخلت عليه أثناء تطوره التاريخي والعقائدي، ومؤسسي الأديان عموما لا يضعون الشعائر بمثل هذا الشكل التآمري الذي توحي به كلمات كامل النجار المغرقة في السطحية، وهي عموماً ليست الجديد الذي يأتي به الدين وإنما مظهر له، وهناك اختلاف جوهري بين المسيحية واليهودية في تركيز المسيحية على الروحانيات، وذلك رغم الشعائر التي استعيرت فيما بعد من التقاليد الوثنية الرومانية السائدة، كما أن هناك اختلاف جوهري بين الإسلام واليهودية ففي حين تبدو اليهودية متعصبة لمجموعة بشرية معينة (بنو إسرائيل) وتنظر ببعض العداء إلى المجموعات البشرية الأخرى، فإن القرآن لا يعترف بأي تمايز بشري قومي أو لوني أو طبقي.
- المتشابهة السادسة والأخيرة حول موقف الأديان من المرأة، وقد شاء كامل النجار أن يصيغ رأيه في هذا الموضوع بشكل تاريخي: quot;كل دين أو طائفة منذ أن جاء موسى أصبح إلهه رجل ويقوده أو يقودها رجالٌ لا يهمهم من المرأة غير أعضاءها التناسلية. وحتى يستحوذوا على هذه الأعضاء التناسلية فلا بد لهم من إظهار الشجاعة الوهمية العنترية كما يفعل الطاؤوس عندما يقترب من أنثاه. ولذلك نرى ونسمع الخطب الرنانة التي تمجد القتال والدفاع عن دين الله. فعندما كانت الآلهة امرأة كانت آلهة الحب مثل quot;أفردايتيquot; وquot;فينوسquot; وآلهة الخصب والمياه العذبة، والآلهة التي تحرس القوافل. وآلهة الحب لم ترسل رجلاً رسولاً وإنما أرسلت الطفل البرئ quot;كيوبيدquot; ليصيب قلوب النساء والرجال بسهمه ليزرع الحب فيها. وجاء الإله الرجل الحاقد فأرسل رسله الرجال بالسيوف والسهام ليدمروا بعضهم بعضا ًquot;، لقد كنت أتمنى حقيقة أن يبتعد كامل النجار عن هذه الإسقاطات التاريخية التي يبدو أنه يعاني من ضعف فيها، فكل من أفروديت وفينوس هما من منتجات المؤسسات الدينية الوثنية الخاضعة لسيطرة كهنة رجال، كما أن هذه الإلهات لم يكونا آلهة للحب العفيف بقدر ما كانتا تمثلان الإغراء الجسدي، وذلك بعيداً عن حقيقة أن آلهة الحرب في معظم الحضارات كانت آلهة مؤنثة منذ أن اكتشف البشر أن أنثى الأسد أكثر شراسة، ولم ير الجنس البشري حتى الآن أي ديانة ترسل امرأة كمندوبة عنها يمكننا الرجوع إليها، ولا أعتقد في الواقع مع هذه الزيادة الضخمة في نسبة ارتكاب النساء للجريمة في العالم أن الوضع سيكون وردياً في هذه الحالة.
والواقع أن كامل النجار رغم انتقاده إلى اقتصار رؤية بعض رجال الأديان للمرأة على أعضائها الجنسية، مع عدم صحة هذا الاتهام في الواقع، فهو لم يطرح في المقابل الرؤية البديلة التي يقترحها، كما أرجو أن يجيب عن تساؤل حقيقي إذا كانت المرأة كذلك تتجاوز الأعضاء التناسلية للرجل في رؤيتها له؟
أخيراً وبناء على هذه الأسباب يعلن كامل النجار مقولته quot; سحقاً للأديان quot; وذلك رغم أنه طوال المقال لم يتحدث عن هذا الشيء الذي لا يقال له سحقاً، ودعوته في الأسطر الأخيرة للعودة إلى الوثنية لا تعدو أن تكون مزاحاً، وإن كان كامل النجار لا يملك بديلاً يتحدث عنه فمن غير الصحيح أن يقول سحقاً لأي شيء أو أن يتحدث بمثل هذا التعالي عما هو عقلاني حتماً وما هو غير عقلاني حتماً والذي يشبه إلى حد التطابق أسلوب السلفيين في تناول أفكار مخالفيهم على أرضية أفكارهم الشخصية، وذلك خطأ آخر وقع فيه كامل النجار.

هوامش:

1-ترجع كل الديانات المعروفة حتى الوثنية منها عقائدها لأصول سماوية إلا أن هذا المصطلح أصبح خاصاً بالديانات الثلاث الكبرى الإسلام والمسيحية واليهودية مع اعتراف الإسلام بسماوية ديانات أخرى مثل الصابئة والزرادشتية.
(2- ج. و. مكفرسون. الموالد في مصر. ترجمة وتحقيق : عبد الوهاب بكر. القاهرة 1998. ص 265.

[email protected]