يخطي من يعتقد أو يتصور أو يظن أن المليشيات سوف تستجيب سلما لمشروع نزع السلاح، المليشيات سوف تُبقي على سلاحها، وتقاوم كل محاولة لنزع هذا السلاح، سواء كانت مليشيات تدعي السنية أو مليشيات تدعي الشيعية، دينية أو علمانية، قومية أو ضد القومية، سوف تقاتل بسلاحها دون سلاحها بالدرجة الأولى، قبل أن تقاتل عن وطن، أو تقاتل عن حق مهضوم، أو تقاتل عن طائفة معتدى عليها، أو تقاتل عن أقلية عانت من الظلم وما تزال.
هذه المليشيات وجدت حواضنها كما قلت آنفا، وحتى لو أن الحكومة نجحت في دق الأسافين بين المليشيات وهذه الحواضن كما قلت في إيلاف فيما أذا نجحت أن تكون البديل الفعلي عنها، حتى في هذه الحالة سوف تناضل وتجاهد هذه المليشيات ضد نزع سلاحها، السلاح بالنسبة لهذه المليشيات تحول إلى سحر، إلى مهنة، إلى هواية، إلى عشق، إلى ثقافة، وهذه مشكلة كبيرة.
لا أبالغ أذا قلت أنها سوف تتحد، أو تتعاون بدرجة ما للوقوف بوجه السلطة فيما شرعت السلطة لنزع سلاحها، لقد أصبح مصدر رزق، ومصدر قوة،ومصدر هيبة،ومصدر تخويف، فكيف تقبل أن تخسر كل هذه المكاسب الحيوية الفائقة؟
هذه المليشيات تحولت إلى دول داخل الدولة الكسيحة الهشة، رواتب مغرية ومراتب عسكرية و أمنية ووظيفية تطرب لها أذان الناس في العالم الثالث، عالم التفاهة والخوف والاضطهاد والممارسات المشينة السرية وتحت الخفاء، والتعصب، والسلاح في هذا العالم تعويض رهيب عن الشعور بالنقص والحرمان والموت السري.
كل مليشيا من هذه المليشيات تحس أنها تملك العالم كله، ولا أبالغ أن بعض منتسبيها يعتقدون أن بمقدورهم أن يغزو البيت الأبيض والاليزية والكرملن في العمق!!
لقد كان السيد وزير الحوار الوطني العراقي قد قال مرة أن الحوار مع هذه المليشيات مفتوح!! وقت كتبت مقالا في إيلاف سخرت فيه من هذه الوعد المثالي الساذج، ولكن الرجل قبل يومين أشترط أن يكون هناك سقف زمني لهذا الحوار!!
يبدو أن السيد وزير الحوار عاجز عن فهم لغة المليشيات، ولم يكن له إطلاع على ثقافة السلاح في العالم الثالث، فهو والوصال الجنسي أكثر من أربع مرات في الليلة الواحدة فخر الرجولة وعلامة أبن أمه!
هذه المليشيات تريد سلاما تحت أسنة الرماح، تحت ظلال السيوف، لان السلام الاجتماعي الصحيح يلغي امتيازاتها، يقضي على حكوماتها السرية، يفوت عليها فرص فرض الضرائب والمكوس، ويغلق محاكمها الشرعية، ويردم سجونها الخفية.
هذه المليشيات لا تلتزم بأمر مرجع ديني، ولا بنداء حكومة، ولا بقرار مجلس أمن،ولا... ولا.... ولا... بل هي تريد من هذه المؤسسات أن تسمع لها، وأن تطيعها، وأن تأخذ منها الوعي السياسي والقانوني والحضاري وأسلوب الحكم والإدارة.
هذه المليشيات لا تعرف غير لغة القوة، ولذا مرحبا بلغة القوة معها، فيما إذا فشلت كل الجهود العقلية والروحية والمعنوية مع هذه المليشيات.
ليس من شك أن حكومة المالكي حكومة سلام، وحكومة تدرك أن لغة القوة مرفوضة في الوهلة الأولى، ولكن ما الذي سيكون موقفها إذا استعصت هذه المليشيات على الاستجابة لنداء الحكومة بنزع السلاح؟ ماذا لو تعنتت في الموقف رغم الإغراءات المالية والمعنوية التي سوف تقدمها لها الحكومة، حكومة السيد نوري المالكي؟
أخر الدواء الكي، تلك مقولة على بساطتها فهي حكمة، حكمة صدقها الواقع، بعد أن صاغها العقل العملي البسيط، فهل وضعت حكومة السيد المالكي خطتها مواجهة قد تكون محتومة مع هذه المليشيات لا سامح الله ولا قدر؟
لا ننسى!
هذه المليشيات لن تنزع سلاحها، فهناك دول جوار تمدها بالسلاح والمال والذخيرة، وفي كل مليشيا مئات ممن يقبض من هذه الدولة الجارة أو تلك...
لن تنزع سلاحها...
هذه هي النقطة التي يجب أن تضعها حكومة المالكي في الحسبان وهي تريد أن تعالج مشكلة المليشيات المسلحة.
أليس ذلك صحيحا؟