لا أدري ما هي مقاييس ومعايير النصر والهزيمة عند نصر الله، وحزبه، وأولئك (المطبلين) وراءه، و وراء مغامراته، عندما يؤكدون، ويتفاخرون أن ما يجري على الأرض اللبنانية هو نصر كبير للمقاومة؟.
حرب حزب الله في لبنان، هي حرب إيران مع إسرائيل، وليست حرب لبنان، ولا علاقة للبنانيين بها.

كلنا ضد إسرائيل، وكلنا ضد العربدة، وتلك الأعمال التي هي وصمة عار في وجه الإنسانية بكل المقاييس، التي تمارسها إسرائيل. هذه قضية أرجو ألا يأتي من يزايد عليها.
غير أن الواقع الذي نراه بأعيننا يقول : أن لبنان في ورطة، وحزب الله أيضاً في ورطة، ومستقبل لبنان تكتنفه احتمالات سوداء قاتمة، لا يعلم إلا الله ماذا تحمله من شرور؛ كل ذلك بسبب حزب الله، وتنفيذه (لأجندة) إيران وحلفائها في المنطقة. ودعك من كل الادعاءات السخيفة التي (تدعي) نصر المقاومة، في حين أن ثمة أكثر من أربعة آلاف من مواطنيه بين قتيل وجريح، ومئات الآلاف من (المشردين) يلتحفون العراء والذل والعوز والجوع شردوا من مدنهم وقراهم، ومنشآت كلف بناؤها المليارات، تحولت إلى ركام في ثلاثة أسابيع، هذا إضافة إلى الخسائر على كافة المستويات، وأهمها الخسائر النفسية التي ستفرزها الحرب، وستنعكس سلباً على الإنسان اللبناني !
بالله عليكم أي نصر هذا الذي يدّعون، وما هي مقاييس النصر و الهزيمة إذا كان هذا الكم الهائل والمخيف من الخسائر في البشر والحجر ليس له قيمة ولا اعتبار في موازين الحرب؟

وأرجو ألا يأتي أحد (الحالمين) ويقول: هذا هو الفكر (الانهزامي)، وهذا ما تريده إسرائيل وأمريكا من ورائها.. مثل هذا الكلام ndash; أيها السادة ndash; ردده قبلكم أولئك (الحالمون) منذ هزيمة 67، وبقي القوم يرددونه والهزائم تتلو الهزائم، حتى أصبحت (هزيمة إسرائيل وتحرير فلسطين) ذريعة اللصوص والانتهازيين وقطاع الطرق.
رفع صدام حسين نفس الشعار، عندما ادعى أن ( تحرير القدس يمر بتدمير الكويت وتشريد أهلها)، ثم أتى حسن نصر الله، وقال: (تحرير القدس يمر بتدمير لبنان وتشريد أهلها).. قذف صدام بعدد من الصواريخ على المدن الإسرائيلية، فظن الحالمون أنه النصر المؤزر. وقذف نصر الله بكمية أكبر من الصواريخ، فمارس نفس (الوهم) الحالمون مرة أخرى، ورددوا ذات المنطق: هاهو الجيش الذي لا يقهر، ترتعد مدنه أمام (رعب) العرب. والنتيجة بارحة صدام تساوي في المعادلة ليلة نصر الله، لا فرق. وسيكتشفون، كما اكتشفوا من قبل، أن (التكرار) لا يُعلم ndash; للأسف - من كانت تركيبته (الذهنية) تقوم على (اجترار) الأخطاء المرة تلو الأخرى!
المهم أن يقرأ (البعض) تجربتهم (المريرة) بعد انتصار ثورة الخميني جيداً؛ سواء من أولئك الذين يؤمنون بذات المذهب، أو الآخرين الذين مازالوا يطمحون إلى (تثوير) مذاهب أهل السنة والجماعة، من خلال لي أعناق النصوص، وتفسيرها، وتسخيرها لخدمة طموحاتهم السياسية. أولئك و أولئك كانوا قد راهنوا على (إشعال) المنطقة على الطريقة الخمينية قبل (ربع قرن)، فما حصدوا إلا الخيبة والخسارة، والتشكيك في ولائهم لأوطانهم، وعمالتهم لإيران. وكل ما أرجوه ألا يعيد التاريخ نفسه، ويعتقدون أن (حزب الله)، وأسلوب حزب الله، و(عمالة) حزب الله لإيران، والسير في ركابه، تجربة يجب أن تحتذى. لأولئك أقول : من لم يتعلم من أخطائه، فالتاريخ سيعيد نفسه لا محالة، لا فرق في ذلك ndash; أبداَ - بين شيعي أو سني.

حزب الله، يتعرض إلى أكبر تحد يتعرض له في تاريخه؛ حتى وقف إطلاق النار الذي (يستجديه) ليلاً ونهاراً، تتعامل معه أمريكا، وتتعامل معه دول الاتحاد الأوربي، ودول الشرق،و كذلك مجلس الأمن، بموقف شبه واحد. الفرق أن الأوربيين، وعلى رأسهم فرنسا، يعتقدون أن ثمة ( إفراط) في استعمال القوة، بينما أن أمريكا وإسرائيل ترى أن هذا الإفراط (شرٌ) لا بد منه. وهذا يعني أن الجميع متفقون على (ضرورة) استخدام القوة، أما الاختلاف فهو فقط في هل هي (قوة مفرطة) أم لا.
حزب الله دخل في لعبة لم يحسبها بعناية. وإيران لن تفرط بمصالحها في النهاية، وعندما تجد أن (الوسيلة / حزب الله) قد فقد فاعليته، كورقة ضغط، فلن تتردد من التخلي عن طفلها المدلل. وهذا بالمناسبة أسلوب مارسته إيران في تكتيكاتها كثيراً في المنطقة. أما (النصر) الذي يؤمل فيه قادته، و(الحالمون) معهم، فدونه خرط القتاد، والعالم من أقصاه إلى أقصاه.