يتضح أن مسؤولي الثقافة في مصر مصرون على محاربة العراق، بل مصرون على الغاء هذا البلد من خارطة الثقافة... فرغبة الانتقام من الشعب العراقي واضحة في كل ما يصدر للمصريين من كتب شعرية (بين قوسين) وفكرية (بين اربعة أقواس) وسياسية (بين الف قوس).

عندهم حق: فجريمة الشعب العراقي جد كبيرة وهي موافقته على إزاحة نظام صدام حسين، وبالتالي مساهمته في قطع أرزاق مئات من الكذبة والشواعير والمفنكرين المصريين.. الذين هم أقرب إلى كتاب عدل من أن يكونوا كتابا بالمعنى الإنساني للكلمة... ومن بين هؤلاء الدكتور (لا اعرف بماذا) ناصر الأنصاري مؤلف quot;تاريخ الشرطة من الفراعنة إلى اليومquot;!

فها هو اليوم، وبصفته رئيسا لمعرض الاسكندرية العربي الاول للكتاب، يعلن عن جعل ثقافة السلام موضوعا للمعرض الذي سيفتتح في مدينة الاسكندرية يوم 23 أغسطس بمشاركة 12 دولة عربية... موضحا بنبرة لا لبس فيها أن الدول المشاركة: هي لبنان وسوريا وفلسطين والاردن والمغرب واليمن وليبيا وقطر والامارات والسعودية والكويت اضافة الى مصر...

أما العراق فتم اقصاؤه، أو الأصح:يجب اقصاؤه... فهو بلد فالت، ولايمكن الانتفاع منه في ذهنيةتجار quot;السلامquot; على الطريقة العربية:ارهاب العالم!

العراق ألغي من معرض الاسكندرية العربي الاول للكتاب وكأن هذا البلد لا ثقافة له، ولا يعرف معنى للكتاب، وكأنه حُكم عليه إلى الأبد ان لا يعيش في سلام... وفعلا، فليس من باب الصدف أن يتزامن صدور إعلان الأنصاري عن quot;الثقافة لغة السلامquot; موضوعا لمعرض الاسكندرية، مع يوم تمت فيه أشرس هجمات للإرهابيين (المقاومين في قاموس كتاب العدل هؤلاء) هجمات قتلت 56 مدنيا واصابت 128 جريحا... لم يعر أحد من رجال الإنشاء العرب اهتماما بما يحدث من موت يومي في العراق، فالدم العراقي لم يعد بضاعة للظهور والاتجار.. كدم قانا الذين هم شاركوا في سفكه، بخطاباتهم الظلامية.

هل سيقبل كل المدعوين من البلدان المدعوة هذا الاجحاف بحق العراق الثقافي... هل سينتفض أحد منهم على قرار الأنصاري المتعسف بعزل العراق، ويا ترى، هل هذا القرار قرار أتخذ وفق أهواء مؤلف quot;تاريخ الشرطة...quot;، أم هو قرار شرطي ثقافي أعلى رتبة من quot;مؤرخهquot;؟ وسؤال عرضي: ما هي مؤهلات الأنصاري لكي يصبح رئيسا لمعرض كتاب..؟ وأي نوع من الكتب سيتم عرضها والجميع يعلم أن الأنصاريهووراء منع أهم ما يصدر من كتب تنويرية وفكرية حقا في مصر؟ وتجدر الاشارة هنا إلى أن للدكتور ناصر الأنصاري، عندما كان مديرا لمعهد العالم العربي في باريس،قصصا لايزال عمال المعهد يتندرون بها، مثلا في إحدى المرات الح كثيرا على ضرورة دعوة الشاعر السوري بدوي الجبل ارضاء للنظام السوري، فافهموه بعد ضحكات عريضة بان البدوي ميت منذ عشرين سنة!!!

نعود إلى جوهر هذه العجالة، للآن لم نسمع اعتراضا واحدا من مثقفي البلدان المشاركة، على تغييب العراق ثقافيا وبالتالي مدنيا من مؤتمر يتعلق بثقافة السلام... ربما، غدا أو بعد غد، ستتفتح ضمائر عدد قليل لمقاطعة هذا المؤتمر الرامي قبل كل شيء إلى إقصاء العراق... بل طرده من ساحة الكتاب العربي.

في الحقيقة، إني أتمنى أن يُطرد العراق مرة وإلى الأبد منزريبة الثقافة العربية السائدة هذه المزروعة بأخبث أعشاب العدوانية والكراهية لكل ثقافة إنسانية الطابع... ولكل ما هو مضاد للمشاعر القومجية التي غالبا ما تتميز بها مؤتمرات كهذه.

نعم هذا ما أتمناه: أن يتخذ مرة وإلى الأبد المثقفون العراقيون موقفا واضحا من مواقف العرب الواضحة الاحتقارتجاههم... وأن يعلنوا قطيعة فعلية وملموسة معمنطق هذه الثقافة... وأن يفهموا:

أنهم مقبولون فقط عندما يكونون عبيدا وخدما

مقبولون عندما يحضرون هذه المؤتمرات كببغاوات تردد اسطوانة العرب المشروخة: quot;جرائم الاحتلال الأمريكيquot; وتغض النظر عن المسببين الحقيقيين لهذه الهجمات الدموية في العراق من إرهابيين غالبا ما تفرخهم هذه المؤتمرات وتباركهم..

مقبولون فقط عندما لايعود لهم كرامة وإرادة فردية.