فور صدور القرار الدولي رقم 1701 القاضي بوقف الحرب التي دارت طوال شهر كامل، والذي انتظره طرفا النزاع اللبناني و الإسرائيلي، أصدرت الحكومة الإيرانية تحفظها على القرار الدولي بحجة أنه غير منصف، وعلى الفور باشر وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي جولة في المنطقة، بدأها بزيارة إلى مصر حيث اجتمع في مدينة الإسكندرية بالرئيس المصري حسني مبارك، ليناقش حسب تصريحاته ( استمرار القتال بين حزب الله اللبناني وإسرائيل رغم صدور قرار مجلس الأمن الدولي الداعي لوقف العمليات الحربية )، وقالت صحيفة الجمهورية المصرية شبه الرسمية ( أن متقي جاء إلى مصر ليطلب تشكيل موثق مصري إيراني داعم لحزب الله في المرحلة القادمة وفي الوقت ذاته اتخاذ مواقف قوية ضد إسرائيل وسياستها العدوانية في المنطقة ). وفي الوقت ذاته قال مصدر مصري مسؤول ( أن مصر ستبلغ الوزير الإيراني أن المنطقة لم تعد تتحمل المزيد من التوترات وأن مصر ترى أنه من الحكمة والحرص العمل على تهدئة الأمور في الوقت الراهن حتى لا تتصاعد مرة أخرى وتهدد وجود لبنان كدولة عربية وتؤثر على سيادته واستقلاله )، وهذا الرأي المصري يؤشر ضمنا على القلق من السياسة الإيرانية التي سبق أن أعلن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة عن امتعاضه العلني منها، مستعملا القول أن تدخل الحكومة الإيرانية في الشأن اللبناني فاق التحمل!!. ومع دخول القرار الدولي حيز التنفيذ وتوقف العمليات العسكرية بين طرفي النزاع، إلا أن السياسة الإيرانية لن تكف عن استعمال ورقة الأوضاع في الشرق الأوسط العربي ذريعة وغطاءا للتوتير ليس من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة ولكن من أجل غرضين:

الأول: استمرار حرف أنظار الدول الكبرى عن قضية ملفها النووي الذي من الممكن أن يحال نهاية هذا الشهر إلى مجلس الأمن الدولي عند انتهاء المهلة المعطاة للحكومة الإيرانية.

الثاني: الرغبة الإيرانية في إثبات وجودها كقوة رئيسية في المنطقة، وذلك لا يمكن تحقيقه إلا بالاستقواء على الدول العربية، لأنه رغم الجعجعة الإيرانية بمحو إسرائيل من الوجود، إلا أنها تعرف قبل غيرها أنها مجرد هراء كلامي ليس باستطاعة إيران تنفيذه، وهي تلجأ لهذا الهراء فقط لأنها دولة ليست حدودية مع إسرائيل، ولو كانت لها حدود مشتركة لما تجرأت على هذه الخطابات العاطفية التي تصفق لها الجماهير دون التدقيق في مدى القدرة على تنفيذها، فالجماهير العربية في غالبيتها تركض وراء الأقوال ولا يهمها مدى دخولها عالم الأفعال. وهذا تماما كما طالب الرئيس اليمني حتى الموت المناضل على عبد الله صالح، عندما طالب أثناء الحرب الحالية بفتح حدود الدول العربية المجاورة لإسرائيل أمام المقاتلين العرب والمسلمين ليصلوا إلى لبنان وإسرائيل لقتال العدو، وهو يعرف أن هذا مجرد كلام لا ضريبة عليه، وما كان سيجرأ على قوله لو كان ليمنه اللا سعيد بوجوده حدود مشتركة مع إسرائيل!!.

و استقواء إيران على الدول العربية يتخذ منذ سنوات مظهرين لا يمكن التغاضي عنهما وهما الدور التخريبي لإيران في العراق الجديد ، واستمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية العربية الثلاث المحتلة منذ حوالي أربعين عاما. والموقف العربي من هذا الاحتلال غامض ومريب، ففي أغلب العلاقات والاتصالات العربية مع إيران يتم القفز عن هذه المسألة وكأن هناك فرق بين احتلال واحتلال، فتتم إدانة الاحتلال الإسرائيلي والسكوت على الاحتلال الإيراني والتضامن مع احتلال صدام للكويت! وهذه الازدواجية العربية ليست في هذا المجال فقط، فالانتخابات العراقية بوجود الاحتلال مرفوضة، بينما الانتخابات الفلسطينية تحت الاحتلال الإسرائيلي مقبولة وشرعية ويتم خوضها من قوى إسلامية تقاتل الاحتلال، والعمال العراقيون العاملون في مؤسسات تقدم خدمات للاحتلال تصدر فتاوي بقتلهم، وما لا يقل عن مائة وثلاثين ألف عامل فلسطيني في داخل دولة لإسرائيل، لا يتم نقدهم أو التحريض عليهم رغم أن نسبة منهم يعملون في بناء المستوطنات الإسرائيلية التي يطالب المفاوض الفلسطيني بإزالتها.

وبالنسبة للملف النووي الإيراني تعرف إيران قبل غيرها أنه لا يهدد إسرائيل مطلقا، لأنه في ظل امتلاك إسرائيل لقدرات نووية أعلى وأكبر منذ عشرات السنين، يصبح إصرار دولة الملالي في إيران على امتلاك السلاح النووي مجرد أحلام لقوة لن تستعمل ضد أحد من دول العالم الكبرى، لكنه تهديد وتخويف للمحيط العربي الذي لا يخفي الملالي رغبتهم في التوسع فيه والتحكم في مقدراته. وضمن السياق جاءت موافقة حزب الله على القرار الدولي رقم 1701 الذي ينص على نشر الجيش اللبناني في كامل الأراضي اللبنانية، ورقة لصالح هذا الحزب الذي قاتل وتصدى للاحتلال بعناد وكرامة، لأنه يعني أن حزب الله مع الإجماع الوطني اللبناني وليس أداة لأجندة خارجية سورية أم إيرانية كما يروج في وسائل الإعلام . ليس من الحكمة معاداة إيران عربيا، ولكن من المنطق والعدل أن تكف عن تدخلها في الشؤون العربية وأن تنهي احتلالها للجزر العربية الثلاث،كي نستطيع تمييز ممارساتها عن احتلال إسرائيل!!.
[email protected]