التيّار الوطني الحرّ الذي يتزعّمه الجنرال ميشال عون ذاته في عين العاصفة منذ ما قبل عدوان تنفيذ القرار 1559 (بتوصيف الجنرال المتقاعد والخبير العسكري الشهير أمين حطيط) وإبّانه وإلى الآن حيث يتعرّض لهجمات سافرة لم يعد خافياً دور سفارات أجنبيّة في رسم خطوطها العريضة ولذلك خاضتْ وتخوض قياداته الشابّة بمعظمها معارك ضارية في كلّ اتّجاه وعلى مستويات مختلفة حتى ليبدو بحقّ لكلّ مراقب حصيف أسطوريّاً بلبنانيّته المفتوحة على إستقلاليّة فدائيّة في اتّخاذ القرارات ومنعةٍ لا تقلّ فدائيّةً بسبيل وحدة لبنان أرضاً وشعباً فيما الفتنة من أجل عرقنة الوطن دينيّاً ومذهبيّاً ونفسيّاً واجتماعيّاً قائمة على قدم وساق برعاية دوليّة أميركيّة تحديداً وللأسف الشديد برعاية من بعض عرب (الرئيس المصري حسني مبارك والملك الأردني عبدالله الثاني) وبعض لبنانيين (فارس سعيد، دوري شمعون، عاطف مجدلاني، جو سركيس، شبلي الملاط ... ووائل أبو فاعور).
والواضح أنّ هذا التيّار يبني تفاهماته وتحالفاته على أساس مِن اقتراب الآخرين منه وليس العكس، والوقائع تثبت ذلك، ففي المرحلة الباريسيّة مثالاً لا حصراً كان تقارب بين التيّار العوني وكلّ مِنْ فرنسا والولايات المتّحدة الأميركيّة (الكونغرس) أثار مخاوف مشروعة، وبغضّ النظر عن الآراء الكثيرة في هذا التقارب، فالموضوعيّة تحثّ على الجزم، وكما تبيّن لاحقاً، أن التيّار العوني لم يكن تبعيّاً. ومع انتقال قيادته من منفاها الباريسي إلى لبنان حيث ساحة العمل الرئيسيّة انقطع الشكّ باليقين فناصبته القوى التي عُرِفَتْ في ما بعد باسم قوى 14 شباط (سعد الحريري، وليد جنبلاط ... وسمير جعجع) العداء المكشوف وهي ذاتها القوى التي تلقى رعاية مميّزة من الإدارة الأميركيّة اليمينيّة المحافظة التي مِنْ رموزها كلّ مِنْ ديك تشايني وبول وولفيتز وجون بولتن، وأكثر مِنْ ذلك فقوى 14 شباط خاضت الإنتخابات ضدّه بالتحالف مع رموز قوى 8 آذار وتحديداً حزب الله (حسن نصرالله) وحركة أمل (نبيه برّي) حليفي سوريا على أساس من قانون إنتخابات عام ألفين السوري بامتياز! مرفقة بالفتاوى والرشاوى (المال السياسي) والخروقات الإنتخابيّة المفضوحة في أكثر من 13 مقعداً إنتخابيّاً.
ومسلسل الأحداث كشف ليس عن مبدئيّة التيّار الوطني الحرّ بتوافقه مع الذي اقترب ويقترب منه وحسب (سليمان فرنجيّة، طلال إرسلان، رشيد كرامي ... وميشال المرّ) بل كشف أيضاً عن فداحة خطأ حزب الله وأمل ذاتهما في ذلك الحلف الإنتخابي غير المحترم الذي أنتجَ حكومة يكثر الهمس والجهر حول دور بعض أركانها في إذكاء العدوان الإسرائيلي الهمجي الأخير على لبنان (يمكن العودة إلى معلومات نجاح واكيم حول الدور الخفي الذي اضطلع به الوزير مروان حمادة ...) مثلما يكثر الهمس والجهر حول دور الوزيرة نائلة معوّض الشرس في إعاقة وصول الإعانات ـ أدوية وأغذية إلى المنكوبين (كتب زياد الرحباني مبكّراً معرضاً بها وأطلق عليها إسم quot;نائلة على الغصون معوّضquot; وquot;كونداليسا معوّضquot;) ومع تفكّك عُرى التحالف الرباعي المشؤوم اقترب حزب الله ذاته من التيّار الوطني الحرّ وليس العكس لينتجا معاً وثيقة التفاهم الشهيرة (مع التشديد على كلمة تفاهم) التي أشاعتْ مناخاً طيّباً بين طائفتين لبنانيّتين متباعدتين منذ حرب السنتين فشل في توفيره رأس الكنيسة الأكبر في لبنان مار نصرالله بطرس صفير، مثلما أربكتْ قوى أدمنت الإستقواء على الداخل اللبناني سابقاً (تيّار المستقبل والحزب التقدّمي الإشتراكي تحديداً) بعنجر واليوم بعوكر.
أمّا ذروة إستقلاليّة التيّار الوطني الحرّ (يمثّل 70 بالمائة من موارنة لبنان وأغلبيّة مسيحييه) فهذه الشهامة لدى أركانه (إبراهيم كنعان، ماريو عون، بيار رفّول ... وجبران باسيل) برفض المتاجرة بدماء اللبنانيين في سوق نخّاسة قوى لبنانيّة وأنظمة عربيّة ومجلس الأمن الدولي وبالتأكيد على أنّ لبنان هو المُعتدى عليه (كشف الكاتب الشهير سيمون هيرش تفاصيل خطيرة ...) وبالمسارعة في بلسمة جراح النازحين أكثر من غيرها قولاً وعملاً من دون منّة وبأصالة حقّ معها ما تسرّب إلى وسائل الإعلام أنّ حزب الله سيتّسع صدره ولو هاجمه رئيس التيّار الجنرال عون ولن ينسى له ولتيّاره وللمسيحيين صنيعهم النبيل إبّان المحنة.
[email protected]