سلاسل تقيد أديبة وكاتبة سورية إلى سرير معدني في منزل أسرتها، ولكمات قاسية تلاحق فتاة سورية أخرى قبل الإفطار والغداء وبعدهما، وسلاح يشهر- لا بل يستخدم في بعض الأحيان- في وجه فتيات ونساء سوريات. وكل هذه الجرائم، التي يعاقب عليها القانون، تأتي على يد أشخاص منغلقين متعصبين وكارهين للحب.
نعم.. لقد حققت النساء في سوريا مكتسبات سياسية وحقوقية كبيرة إذا ما قورن وضعها بوضع النساء في بلدان عربية واسلامية أخرى، وأخر إنجاز لها كان منصب نائب رئيس الجهورية، وهو الإنجاز الذي جاء بعد نصف قرن على السماح للمرأة السورية المشاركة في الحياة السياسية كاملة مثل الرجل..
نعم.. مهما تحدثنا عن ظلم اجتماعي يطال نساء سوريات كثيرات، ومطالبة ناشطات في مجال حقوق المرأة بتعديل بعض القوانين إنصافا للمرأة، يبقى وضع المرأة السورية سياسيا ومجتمعيا على ما يرام إذا ما قورن بدول أخرى.
لكن، وكوني صحفيا سوريا، أنا ملزم أن أتحدث عن مجتمعي قبل المجتمعات الأخرى. مؤخرا تراكمت لدي القصص والأخبار التي تتحدث عن معاناة الكثيرات في سوريا في منازل أسرهن حتى أن بعض افراد هذه الأسر يتوحشون ويوغلون في تعذيب شقيقاتهم أو بناتهم بحجة حماية الأسرة أو الترابط الاجتماعي والأسري. ولكن كيف يمكن لأب أو شقيق ينصّب نفسه حاميا للأسرة ثم يستخدم أبشع أساليب الضرب والتعذيب ضد الإنثى التي هي شقيقته أو ابنته؟ أي كيف له أن يكون أبا أو شقيقا وجلادا معا؟
لقد ذكرتني هذه القصص المؤججة بالآلام بحكاية ليلى والذئب، وكأن نساء كثيرات في سوريا قدرهن كقدر quot;ليلىquot; في مواجهة الذئب الذي لا يرحم والذي يمكن أن يلعب أي دور حتى يتمكن من افتراس ليلى.
منذ أربعة قرون جمع لنا الكاتب الفرنسي شارل بيرو مجموعة من الحكايات الشعبية التي لا تزال معروفة حتى يومنا ومنها quot;جميلة والوحشquot;، quot;ذات الرداء الأحمر والذئبquot; ( ليلى والذئب). وعن ليلى والذئب يقدم لنا شارل بيرو حكاية تنتهي نهاية محزنة عندما يلتهم الذئب ليلى. ويأتي فيما بعد الأخوان غريم (جاكوب وويلهيلم) ليقدما حكاية ليلى والذئب بقالب آخر ينتهي بموت الذئب على يد الصياد الذي أنقذ ليلى وجدّتها..
فهل قدر هؤلاء النساء السوريات، اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي يوميا، الموت على يد الذئب؟ أم سيتغير الواقع ويكون لكل quot;ليلى سوريّةquot; صيادها الذي سينقذها من الذئب؟
أديبة وكاتبة سورية من محافظة اللاذقية وقعت بحب شاب، وقررا الزواج، لكن الأهل كانوا بالمرصاد، فأقدموا على تقييدها بسلاسل معدنية من يديها ورجليها إلى سرير معدني في غرفة مظلمة تشبه السجن. وبعد فترة زمنية قصيرة تقدم لخطبتها شاب آخر فوافقت ونفذت ما يدور في رأسها من أفكار. في يوم الزفاف تم إخراجها من البيت لأول مرة ونقلها إلى حلاقة نسائية لتزيينها وتصفيف شعرها، ومن هناك تمكنت من الهرب برفقة أحد أقاربها الذي كان يعطف عليها والذي عاد فيما ليتم تقييده مكانها.. ذهبت وعاشت حياتها كما تريد ومع من تحب..
الحكاية الثانية من محافظة سورية أخرى. شاب وفتاة في حب متبادل منذ سنوات طويلة، وعندما قرر هذا الشاب مفاتحة أهل الفتاة بموضوع الزواج، ضربوا أخماسهم بأسداسهم وقرروا الضرب بالمندل بحثا عن حجة ما لرفضه، حتى فشلوا.
وإن قالت عائلة الفتاة لهذا الشاب quot; لايمكن أن نعطي ابنتنا لشاب نجهله quot;، فإنها قد أخفت عنه السبب الحقيقي لرفضه والذي لا يمكن الافصاح عنه أمام حملة الشهادات الجامعية من الأسرتين، وهو quot;التزمت والتعصب الديني العشائري quot;!
وعندما علم هذا الشاب برفض عائلة الفتاة له، أبلغهم أنه يمكن أن يتزوجها بشكل طبيعي كما يسمح له القانون السوري بذلك، وإذ بكلامه بنظر quot; المتعصبينquot; يشبه الجريمة ndash; لا بل جريمة. فما كان من أشقاء الفتاة إلا إعلان الحرب عليها وضربها ضربا مبرحا كل يوم لا بل مقاطعتها من قبل الجميع ثم سجنها وقطع خطوط الاتصال عنها، دون أن يفكروا ولو قليلا بأن quot;الإخلاصquot; من قبل هذا الشاب لابنتهم ndash; في هذا الزمن الصعب- كان كافيا للترحيب به.
قصة هذا الشاب تدفع للتساؤل : لماذا تخافون على ابنتكم من شاب quot;مجهولquot; -كما تدّعون- ثم تقومون بضربها وتعذيبها مما يؤكد أنكم تكرهون هذه الفتاة وتكرهون أحلامها.. إنها مشاعر الكراهية للحب والآخر..
كيف يمكن لأي quot;ذكرquot; في هذا الشرق أن يدعي الحرص على شقيقته ثم يقوم بصلبها مثل المسيح، وضربها ضربا قد يؤدي لوفاتها ووقوع الجريمة؟ في الوقت الذي لم ترتكب فيه هذه الفتاة فعلا منافيا للأخلاق، بينما هو هذا quot;الذكرquot; له كل الصلاحيات الأسرية والاجتماعية لأن يعشق ويحب عشرين امرأة معا دون زواج من إحداهن، ممثلا دور الديكتاتور المتسلط quot;الذئبquot; الذي لا يمكن أن يغمض عينيه قبل أن يلتهم quot;ليلىquot;.
ومقابل هذا quot;الذكر الشرقي المتسلطquot; يوجد quot;ذكرquot; آخر ينتمي لجيل من الشباب المكافح وسط حياة تزداد صعوبة كل يوم وتتطلب الكفاح والعمل ليلا نهارا لتأمين متطلبات كثيرة، وإن استطاع مقاومة هذه الحياة وقرر الزواج ينهدم كل شئ على أيدي أهل الفتاة التي أراد الزواج بها، وكأن القدر يتطلع إليه ويقول له بسخرية: اذهب وتزوج فتاة من ملاجئ الأيتام!
[email protected]