أثار قرارالسيد مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان العراقي الخاص بالتوقف عن رفع العلم العراقي في زمن صدام حسين على مباني إدارات ومؤسسات الإقليم والاكتفاء برفع العلم الكردستاني، ردود فعل متباينة:
الجانب العراقي الكردي
أيدّ هذه الخطوة بالإجماع بما فيهم السيد جلال الطالباني رئيس الجمهورية العراقية، على أساس أن العلم الحالي ليس هو علم العراق بقدر ما هو علم صدام حسين الملطخ بدماء مئات ألاف العراقيين عربا وكردا، وهناك اتفاق على ضرورة تصميم علم عراقي جديد، لكن التلكؤ في إقرار ذلك أنتج ما أسماه الرئيس الطالباني (فراغا دستوريا حول العلم الرسمي الذي ينبغي اعتماده، إذ لم يحدد ولم يقر بعد وهو ما دفع البرلمان الكردستاني إلى معالجة هذا الخلل والفراغ الدستوري بتبني علم الجمهورية العراقية، جمهورية 14 تموز لرفعه في إقليم كردستان لحين إقرار علم جديد للبلاد وفقا للدستور العراقي).
الجانب العراقي العربي
رفض في غالبيته هذه الخطوة معتبرا أنها مقدمة لإعلان انفصال إقليم كردستان، وبدأت العديد من الأقلام والجهات للتذكير بمؤتمرات وخطوات كردية سابقة لدعم وجهة نظرهم هذه، ووصل الغضب مداه إلى حد أن بعض الكتاب ناشدوا السلطات التركية بمزيد من الدعم للقومية التركمانية في كركوك لضمان عدم ضمها لإقليم كردستان، حتى لو أدى الأمر بإعلان الكرد دولتهم المستقلة ويرحلوا بأذاهم وشرورهم عن العراق!.
أعتقد كمراقب ومهتم بالشأن العراقي أن مسالة العلم هذه، أعطيت أكثر مما تستحق من الجانب العراقي العربي لعدة أسباب:
أولا: إن العلم الذي توقف الأكراد عن رفعه لا يمكن الدفاع والمحاججة بأنه علم العراق ورمزها الوطني، فهذا العلم هو من تلفيقات الطاغية البائد صدام حسين عام 1991 ، بعد جريمته النكراء المتمثلة في احتلال دولة الكويت العربية، حيث أضاف عليه كلمتا (الله أكبر) معتقدا أن الجماهير العربية والإسلامية ستنسى جريمته بسبب سحر وتأثير هاتين الكلمتين المغروستين في وجدان وعقل العرب والمسلمين، متناسيا أن الله تعالى لا يمكن أن يقبل الظلم، واحتلاله دولة الكويت وتخريبها وسرق منشآتها وحرق أبار نفطها هو الظلم بعينه. وهذا التلفيق الصدامي يذكرنا بما أعلنه عن استعداده للانسحاب من دولة الكويت إذا انسحبت إسرائيل من فلسطين... فهل هناك دجل ونفاق أكثر من هذا؟. ويذكرنا كذلك بنصيحة البعثي عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي نصحه بأن ينهي أي خطاب له بجملة (عاشت فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر) وأن ذلك من شأنه أن يلهب مشاعر الجماهير العربية وينسيهم كافة أخطائه الداخلية والخارجية، وقد انطلت هذه الخدعة على الأغلبية الغفورة لدرجة أن كاتبا فلسطينيا مشهورا، كتب يقول: يكفيني كفلسطيني أن صدام كان ينهي خطاباته بتلك الجملة!.
ثانيا: رسميا وحسب تداعيات المواقف لا يوجد علم الآن يمكن تسميته (علم العراق)، فهناك فعلا كمال قال الرئيس الطالباني (فراغ دستوري) فيما يخص العلم. المعروف أنه بعد أكثر من عام على سقوط نظام الطاغية صدام في التاسع من أبريل 2003 ، قرر مجلس الحكم المحلي اختيار التصميم الذي وضعه الفنان العراقي رفعت الجادرجي ليكون العلم الخامس في تاريخ العراق الحديث، لكن القرار والعلم الجديد تم تجميدهما بسبب بعض الاعتراضات على التصميم الجديد، وهذا يعني عمليا لا يوجد علم رسمي معتمد للعراق منذ ذلك التاريخ وحتى الآن.
ثالثا: إن الرفض الكردستاني ليس لعلم العراق بشكل مطلق، ولكن للعلم الصدامي الحالي فقط بمعنى أنه في حالة التوافق على علم عراقي جديد، أو العودة للعلم العراقي الذي كان في زمن عبد الكريم قاسم، فلن يكون هناك اعتراض كردي عليه وسيتم رفعه في أراضي إقليم كردستان .
رابعا: إن التلكؤ في إقرار علم جديد للعراق غير مفهوم خاصة أنه ليست المرة الأولى التي تتغير أعلام العراق ودول عربية أخرى. فقد تضمن الدستور العراقي الصادر في 21 مارس من عام 1925 وصف العلم في العهد الملكي الذي تكون من ألوان: الأسود و الأحمر و الابيض وعليهما نجمتان سباعيتان ترمزان للمحافظات الأربعة عشرة التي تكونت منها الدولة آنذاك، وكان ذلك العلم الأول في العراق الحديث، وظلّ مستعملا حتى الإطاحة بالملكية وإعلان الجمهورية في انقلاب عبد الكريم قاسم في الرابع من تموز عام 1958، حيث استبدل العلم ليصبح من ألوان: الأبيض والأسود والأحمر تتوسطه نجمة ثمانية في وسطها لون قيل أنه يرمز للزراعة العراقية. والمرة الثالثة عندما استولى البعثيون على السلطة في انقلاب عام 1963 حيث اختاروا ألوان الأبيض والأسود والأحمر تتوسطهما ثلاثة نجوم، إلى أن أضاف الطاغية صدام في المرة الرابعة عام 1991 كلمتا الله أكبر على العلم، وحتى هاتان الكلمتان اللتان يشكلان لفظ الجلالة حصل خلاف حول كتابتهما، ففي بعض المناطق كتبتا بالخط الكوفي وفي أخرى بالرقعة وفي منطقة بغداد وما حولها بخط الطاغية صدام.
وهذا يعني أنه ليس هناك علم مقدس لأية دولة في العالم، ومن النادر وجود دولة لم تغير علمها حسب المستجدات السياسية، ومن حق الشعب الكردي رفض العلم الذي بصحبته ارتكبت بحقهم أبشع الجرائم، ورغم حقهم هذا فهم ليسوا البادئون فهناك قرار بتغيير ذلك العلم، وتم اعتماد العلم الجديد بمرسوم من مجلس الحكم المحلي ويستمر التلكؤ بعد تجميد المرسوم والعلم الجديد. لذلك اعتبرت أن هذه الزوابع التي واجهت قرار الرئيس مسعود البرازاني لا تستند إلى خلفية منطقية محقة، بقدر ما هي تعبر عن الاحتقان الذي يسود الشارع و الأوساط العراقية، وهي حالة ينطبق عليها المثل العربي (المسألة مو رمانة. المسألة قلوب مليانة) . فالرمانة التي هنا هي العلم ، مجرد تعبير عن القلوب المليانة. وهنا لا تستطيع الدفاع عن أية تنظيم أو حزب، فالكل مدانون لأنهم يتلهون بتصفية حسابات خاصة وتحقيق مصالح شخصية، ولا يقدرون نعمة تخلصهم من الطاغية ونظامه، ووسط لهثهم وراء مصالح شخصية عشائرية تنظيمية خاصة، تملأ الرمانات(القنابل) شوارع بغداد وغالبية أرض العراق، وتباع علنا الرمانة بدولار واحد، وسط صراخ علني للبائع (حل مشكلتك برمانة!!).
[email protected]
التعليقات