من الصعب التكهن عنما ستسفر عنه مشاريع المصالحة التي قدمها رئيس الوزراء نوري المالكي في تموز الماضي للبرلمان العراقي. وعلى الرغم من اجتهاد السيد المالكي وحرصه على انجاح هذا المشروع وكذلك الرغبة لدي الاغلبية العراقية في الانخراط فيه ودعمه تبقى هناك معوقات مبنية اساس على عوامل كثيرة. وقبل الخوض فيها لا بد من الأشارة إلى فقدان الكثير من العراقيين الذين ساهموا او دعموا او باركوا عملية تحرير العراق من الامل في تغير الاوضاع إلى الاحسن سريعا بالنظر إلى الصورة الداكنة لتصرف قوى سياسية وجماعات وتنظيمات استفادت من التحرير، ليس فقط من تحررها من استبداد السلطة البعثفاشية فحسب، وانما الوصل إلى السلطة وبمساعدة القوات المحررهquot; المحتلةquot; كما يحلو الان لهم بتسميتها. ففي الوقت الذي تعلن لاول فيه وزارة المالية العراقية عن ميزانية العام القادم والبالغة اكثر من 30 مليار دولار يمكن للمواطن العراقي منذ عقود ان يعرف عن نفقات الميزانية ومصادرها في الوقت الذي كان النظام الساقط يعتبر الميزانية الوطنية ملك عائلي وحزبي، لا زال موضوع حرب اهلية في العراق لا زالت من الكوابيس المرعبة لوطني العراق. ان الخوف من الانزلاق إلى صورة ما من صور الحرب الأهلية اخذت تثير ايظا اهتمام قوات التحالف. فقد رفع البنتاغون تقريرا من 63 صفحة عن الاوضاع العراقية للكونغرس وصف بانه الأخطر لاشارة قوات التحالف ألى ان من مهماتها الجديدة العمل على quot; منع انفجار حرب أهليةquot;، في الوقت الذى زادت فيه قوات التحالف عدد الجنود خمسة آلاف للقوات الامريكية ليصبح تعدادها 140 الف شخص وسعت الاحزاب والجماعات الاخرى مليشياتها ليصبح عددها 20، في الوقت الذي تطورت عمليات الامن الخاصة للسياسيين الجدد لتصبح مليشيات مصغرة تطلق النار في الهواء مثيرة الرعب من اجل ان يمر دون اعاقة موكب quot; صاحب الفخامةquot; رئيس الحزب، وهذا ما قام به حراس السيد عدنان الدليمي. ان معوقات مشروع المصالحة، ليس فقط من حساسية القول في رفض التدخل الخارجي من قبل دول الجوار العراقي السوري والإيراني كل حسب اجندة خاصة وصورة مختلفة وانما ايضا في:

- رغبة بعض الاطراف السياسية في استمرار حالة الفراغ الامني والتخبط السياسي لاهداف حزبية ومكاسب قومية على حساب الوحدة الوطنية العراقية وكذلك العراق الجديد وقد اختير قرار السيد مسعود البرزاني بانزال العلم العراقي الحالي ووضع بدل عنه علم الرابع عشر من تموز، ذريعة لاثارة الغبار عن قضايا مهمة اساسية كحل المليشيات ودعم الارهاب والتستر عليه والمكاسب اوحزبية والعائلية. فالعلم الحالي خط عليه صدام حسين ايام الحملة الإيمانية كلمات quot; الله واكبرquot; هي للاستهلاك الداخلي والضحك على المغفلين وكسب الجماعات الإسلاموية. وقد قال عن ذلك الكاتب الصديق حميد الكفائي في مقالته في عراق الغد : quot;كيف نقبل بعلم قُتل وأُضطهد في ظله العراقيون من كل الأعراق والأديان والمذاهب والمناطق؟ كيف نقبل بعلم ارتكبت تحت لوائه المجازر الشنيعة من حلبجة إلى الأنفال إلى المقابر الجماعية إلى انتفاضات الجنوب والموصل والرمادي والنجف كربلاء والفرات الأوسط؟ كيف نقبل بعلم لم نره مرفوعا إلا وبجانبه صدام وعدي وقصي وعلي كيمياوي وحسين كامل وعزت الدوري وطه الجزراوي؟؟ كيف نقبل بعلم دولة أخرى فرضه علينا صدام حسين الذي نحاكمه الآن على جرائمه بحقنا؟ كيف نقبل بعلم لم يكن لأي منا رأي في اختياره؟ ألا يذكرنا هذا العلم بنظام سلب منا كل شيء ابتداءا من الكرامة وانتهاء بالإنسانية؟quot; مثال واحد جدير بالاهتمام. يعرف اغلب العراقيين بان تحت ذلك العلم جرت مذابح ضد ابناء الشعب العراقي ولكننا نعرف ايضا بان على الارض العراقية وباسم العراق اقترفت ايضا مذابح بحق كافة مكونات الشعب العراقي فلماذا لا يطالبوا بنغير اسم العراق او ارضه ؟ مع العلم لم تجري اعتراضات ومثيري الغبار الان عندما اسقط انقلابيو الثامن من شباط عام 1963 من البعثين والقومين ومن دعمهم من اعداء الثورة علم 14 تموز 1958، العلم الذي خرج من رحم الوحدة العراقية وصور العراق الجديد والعراق ذاته بعد العهد الملكي ووضع محله علما عنصريا شوفونيا. ان السيد البرزاني قال بان خطوته تمت بموافقة الرئيسين الطالباني والمالكي، ولكنها اعتبرت من قبل البعض لم تكن موفقة ومثيرة للريبة، ولكن المصلحة الوطنية والممارسة الديمقراطية والتقيد بمفردات الدستور كان من المفروض الانتهاء من العلم والنشيد الوطنين لكي يكونا رمزا لوحدة العراقيين ارضا وشعبا قبل ان يضطر السيد البرزاني إلى هذه الخطوة جهارا والمنطقة الكردية ترفع العلم الكردي ولا ترفع العلم العراقي الحالي منذ الانتفاضة الشعبانية عام 1991 ونشاء المنطقة الآمنة بمساعدة قوات التحالف. لا بد لوطني العراق من انجاح التجربة الديمقراطية العراقية ومشروع تحرير العراق لارتباط مفرداته الواحدة مع الاخرى كسلسلة مرتبطة. ولسوء الحظ القت هذه الخطوة الزيت على نار الحقد القومي وكره العراق الجديد قرار سابق اجبار العراقيين من مناطق اخرى الحصول على كفيل كردي للعمل والاقامة في quot; الاقليم الكرديquot; شمال العراق، هذا بالاضافة إلى انفراد المنطقة بالقضايا الامنية والعسكرية بعيدا عن المركز التي التي ضخمت وزادت الخوف اكثر تصريحات السيد البرزاني قبل شهر بان في العراق لا تقوم حكومة مركزية مستقبلا.

-فقدان الثقة في التحالفات السياسية وعدم وجود خط واضح بالنسبة للمصالحة واسسها ومقومات نجاحها ويمكن اخذ سياسة قائمة الاتلاف العراقي مثالا وطرح برامج تعمق الاختلاف حول المصالحة عنه في تقريبها كما هو الحال في فيدرالية الوسط والجنوب التي روعي فيها مصالح دول الجوار على حساب الوطنية العراقية. ان المصلحة الوطنية العراقية مع الفدرالية ولكن على اسس جغرافية وليس على اسس قومية او طائفية. كما انها تفهم تاسيس دولة اتحادية قوية موحدة التراب العراقي والشعب العراقي في جميع صور الادارة من جيش إلى قوى امنية، علم واحد ونشيد وطني واحد بعيدا عن التسلط القومي والطائفي والمناطقي....الخ.

-كثرة التظيمات والجماعات التي وقفت بشكل من الاشكال من عملية تحرير العراق والمساهمة في تعزيز العملية الديمقراطية ومنها الوقوف ضدها بطرق مختلفة أسوئها العمل المسلح او دعم الجماعات الارهابية قائدة الارهاب الذي اصاب العراق والعراقيين بالحيف اكثر منهquot; قوات الاحتلالquot; حسب فهمها للقوات التي حررت العراقيين من النظام الاستبدادي بعد ان فشلت كل القوى داخل العراق في ذلك.

-النظرة المختلفة لكل اطياف العمل السياسي العراقي حول دور المليشيات وبقائها ومن ثم الالتفاف على الفقرة 91 في الدستور العراقي في تكوين فرق حماية وهي في الحقيقة والواقع صورة ثانية للمليشيات.

-تبرير التدخل الخارجي لدول الجوار كايران إنطلاقا من الانتماء الطائفي على حساب الوطنية العراقية. ان التقارير القادمة من البصرة ومن الجنوب العراقي التي تشير إلى استعدادات عصابات مقتدى التي تسمى ب quot; جيش المهديquot; لاشعال حرب ضد الجيش العراقي وقوات التحالف بعد استلامها تعزيزات واسلحة من إيران لاعادة سيناريو حزب الله في حربه الاخيرة في اشعال حرب أهلية في العراق ستنفذها مليشيات عراقية حسب اجندة إيرانية لكي تصب في كسب الوقت لمصلحة المشروع النووي الإيراني وكذلك تفتيت العراق وتهديمه على رؤوس ابنائه ومن ثم وئد مشروع المصالحة في المهد، على الرغم من التصريحات بعكس ذلك. وان كان هناك نصر يعطى لحزب الله في الحرب الاخيرة فيمكن حسابه نقطه لمصلحة السياسية الايرانية في المنطقة لاشغال العالم وإبعاده عن خططها النووية. فنصر حزب الله ايضا الذي تريد إعادة سينارياته بعض المليشيات الطائفية العراقية التي جمهرت له مظاهرة رنانة لم تنظم مثلها ضد الارهاب مع العلم ابناء طائفتها هم اول ضحاياه، راح ضحية نصر حزب الله اكثر من الف قتيل وتشريد مليون مواطن لبناني وتهديم البنى التحتية التي تحتاج إلى عدة عقود لعودتها إلى ما كانت عليه قبل الحرب، وعلى الرغم من الاعتراف بخطأ حساباتها حسب قول السيد حسن نصر الله نفسه، لكنها تبقى انتصارا لدي البعض الذين اصابهم مرض عمى الالوان من العراقيين الذين يريدون إعادة صوره. فحرب الله كان قبل الحرب سيداً مطلقاً على منطقة الجنوب التي تحولت إلى منطقة تعج بجيوش العالم، فضلاً عن عودة الاحتلال البري في بضعة مواقع من الجنوب والاحتلال الجوي والبحري الذي تضرب الاقتصاد والامن اللبنانيين وتهدد البلد برمته. ولم تفلح جهود عنان ولا الامم المتحدة من فكه إلا ليلة الخميس السابع من ايلول.

-الاختلاف حول دور الدين والمرجعيات الدينية في صنع القرار او توجيه الحكومة في عملها السياسي ويمكن اخذ زيارة رئيس الوزراء للسيد السستاني والتشاور معه حول امور دنيوية وقضايا سياسية بحتة لا تخص السيد السستاني، على الرغم من اهمية دوره الديني والروحي والذي يؤديه بكفائة عالية. وهذا ما دفع اكثر من سياسي وفعالية سياسية انتقاد ذلك على اعتبار انه خطوة لاقامة حكم ولاية الفقية على النمط الإيراني في العراق. لا زالت القوى الوطنية العراقية تعتقد بان الارضية الصحيحة للمصالحة الوطنية تبدأ بابعاد الدين ورجاله بكافة الوانهم عن المسرح السياسي العراقي لكي يتفرغوا لجانب الوعظ واصلاح النفوس والاخلاق والتي هي من واجباتهم الدينية وترك السياسة للمختصين فيها من اجل الخروج من الحالة الصعبة للواقع العراقي. ان تجربة اكثر من ثلاثة سنوات، رغم جميع الفرص التي اعطيت للرجال الدين المسيسين اوصلت الوطن إلى ما هو عليه ابتداءا من المذبحة التي دبرها مقتدى الصدر بحق السيد عبد المجيد الخوئي ورفاقه بعد التحرير مباشرة مرورا بفرق الموت الطائفية. لقد حولت ابداعات رجال الدين المسيس العراق وابنائه لمهزلة العالم عبر الصور التي تتناقلها وكالات الانباء وليس آخرها صور النساء العراقيات المسجونات في خيمة سوداء تعيد منظر مظاهرات طهران او كابول في عهد عصابات طالبان. لقد استفاد رجال الدين من امراض المجتمع العراقي التي خلفها النظام المقبور او التي زرعها في نفوس شبابنا من صبيان اميون ولدوا في الحروب والحصارات ليتحولوا كالبهائم يركضون خلفهم لكي تدفعهم على العنف والتسليب والسرقة وحتى القتل بحجج واسانيد دينية مخترعة، حتى اصبح لبس العمامة جواز سفر للحصول على امتيازات في العمل او العيش والكثير من هؤلاء لا يفقه في الدين و لا ابجديات السياسة كما هو الحال مع مقتدى الصدر ومن شابهه.

-استمرار عمليات التصفيات الجسدية حسب الهوية الطائفية بلباس القوى الامنية العراقية او انتحالها بشكل من الاشكال حتى وصل عدد ضحاياها في شهر تموز لوحده 3500 عراقي، او التغطية على العمليات الارهابية ودعمها من قبل احزاب وسياسين في قمة السلطة العراقية وتحت قبة البرلمان العراقي. ان الاستطلاع الذي خرجت به عراق الغد حول الخطة الامنية اظهرت بان الاعمال الارهابية لا يمكن ان تجير لتنظيمها حيث لم تتعدى النتيجة 15.2% بينما عزي عدم تعاون العراقيين في فضحهم إلى اكثر من 25% من المشاركين في الاستفتاء. ان ذلك يشير إلى بداية فقدان الثقة بالساسة العراقيين وبرامجهم على الرغم من بعض النجاحات في قتل واعتقال الارهابين والتي تتم بالدرجة الاولى بمساعدة قوات التحالف.

- الاختلاف حول مفهوم الفدرالية وتوقيت تنفيذها وكذلك الانفراد بصنع القرار السياسي بعيدا عن الوطنية العراقية ومبني على المصلحة القومية والطائفية ومحاولة صنع حلف كردي -شيعي بعيدا عن المصلحة الوطنية العراقية.
وهناك الكثير من المعوقات التي هي جميعها او بمفردها الغرض منها عدم استقرار العراق وانجاح تجربته في بناء عراق جديد خال من الدكاتورية والتسلط وكره الآخر. ان موضوع المصالحة الوطنية موضوع مهم يحتاج إليه العراق لطوي صفحة سوداء من تاريخه انتهت في التاسع من نيسان 2003. ومن اجل ان يكون مشروع المصالحة وطنيا عراقيا لا بد :

- ابعاد التدخل الخارجي بالشان العراقي مهما كانت صفته ونوعه;

- حل كافة المليشيات وتحويل السلاح إلى يد الاجهزة الامنية العراقية الوطنية دون سواها;
ابعاد الدين ورجاله عن السياسة واعتبار السياسة شأن دينوي والدين لله؛

-رفض العمل السياسي المرافق للعنف والتخلي عن دعم الارهاب وما يسمى بquot; المقاومةquot;، لان ليس هناك مقاومة وانما ارهاب موجه ضد العراقيين ومستقبلهم;

-توسيع قاعدة المشاركين في مشروع المصالحة الوطنية إلى اكبر قدر ممكن باشراك منظمات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية العراقية ;

-الاسراع في بناء البنى التحية واجاد كافة السبل لحمايتها من يد الارهاب والرهابيين;

- المباشرة بمشاريع تنموية لإيستيعاب الشباب العاطلين عن العمل;

-تعزيز دور الاعلام الوطني العراقي وابعاده عن المحاصصة الحزبية او التحزب ودعمه لكي يكون ندا مدافعا عن العراق الجديد ضد الاصوات التي تحث على الارهاب وميدان لنقل صوتهم وافعالهم الاجرامية بحق ابناء شعبنا;

-الاستفادة القصوى من الكفاءات العراقية في المهجر وايجاد الحوافز لكي تشارك ليس فقط في العملية السياسية وصنع القرار وانما للعودة والمشاركة في عملية التنمية;

-ايقاف نزيف هروب العراقيين من وطنهم إنجاح الخطة الامنية وازالة العقبات التي تعثر نجاحها السريع;

-ابعاد قوى الجيش والامن العراقيين من التحزب وان يكون ولائها للعراق الوطن دون سواه