من أخطر العيوب فى الذهنية المصرية الأساسية ألا يتم الانتباه إلى المتغيرات فى معالجة المسائل الجديدة.. أو أن يتم تجاهلها عن عمد.. وأن يكون الخيال محدودا.. ويفتقر إلى الانطلاق.. وأن يظل كل سياسى أسير صورة نمطية معينة لا يحيد عنها.. أو أن يطبق على كل الحالات السياسية، مهما كانت متباينة، سيناريو سياسى واحد.. إن هذا هو بعينه ما نسميه: laquo;التبلد السياسىraquo;.. حتى لو كان أصحابه هم أكثر الناس انتقادا لما يسمونه بالجمود السياسى.
وعادة ما تكشف هذه الحالة عن laquo;تكلساتهاraquo; فى مثل تلك الظروف السياسية التى تعيشها مصر الآن.. ظروف تعبر عن تطور سياسى نوعى وجوهرى، وتحولات خطيرة، ويتجسد فيها الإيقاع المتسارع رغم أن هذا التطور تحيط به laquo;هالة رصانةraquo; مؤكدة.. غير أنها، رغم ذلك، تقابل بمفردات قديمة.. وأفكار سابقة التجهيز.. ورؤى تم استدعاؤها من الـ laquo;ديب فريزرraquo;.. وهو ما يعود على الحياة السياسية بمشكلات متنوعة.. وأمراض خطيرة.. إذ يكون التفاعل ناقصا.. والحوار قاصرا.. والتقدم معاقا.. لأن المتغير أقوى ممن يواجهونه.. وبينما يحاول التحدى أن يقطر الأعباء ويقودها إلى الأمام.. وينقل الأمة إلى مرحلة مختلفة.. إلا أن هناك دائما من يكبحه.. لا لشىء سوى لأن من فرض عليهم التحدى لا يستطيعون أن يواجهوه.. ولا يقوون على مسايرته.
أقول هذا بمناسبة ما نعيشه الآن من جدل حول مقترحات الرئيس للتعديلات الدستورية.. وهى مقترحات سبق الإعلان عن الاتجاه إليها.. ولم تكن مفاجأة لأحد.. وجرى نقاش حولها منذ نحو العام.. لكن ردود الأفعال عليها من بعض التيارات السياسية ظلت عند حدود المربع رقم واحد.. لم تتقدم قيد أنملة.. ولم تخرج عن سياق ما تقوله تلك التيارات منذ أعوام طويلة.. فى حين أنها تواجه الآن متغيرا مختلفا تماما.. يقتضى منها تطويرا فى الأساليب وتنمية الأفكار.. بل مبادلة الهجوم بهجوم.. إذا جاز التعبير laquo;!raquo;
دعنا نسلم بداية بأنه رغم الإعلان من قبل عن الاتجاه إلى هذه المقترحات، إلا أن حجم الدفقة التى ضخها الرئيس فى شرايين الحيوية السياسية كانت أكبر من قدرة بعض الكيانات السياسية والأشخاص المحسوبين على الحياة السياسية.. فرغم أنهم طالبوا بصياغة دستور جديد.. ولفظ دستور 1971 برمته.. إلا أن قيام الرئيس بطلب تعديل 34 مادة على نحو ما فعل فاق توقعاتهم.. ومن ثم أحدث صدمة ضمنية.. هذا مفهوم.. لكنه يقتضى أن يقوم بعض المعارضين باختيار من اثنين. إما الموافقة على المقترحات صراحة ومن موقع التوافق الوطنى الذى لا ينفى الاختلاف.. أو إجراء مناقشة حقيقية وجادة تستفيد من المطروح وتحقق من خلاله فوائد ومكاسب سياسية.
الذى يغيب عن الكثيرين فى هذا الإطار هو أن هناك laquo;مقترحا متكاملاraquo; على المائدة.. ينبغى التعامل معه.. من منطلق أن الرئيس هو فى حد ذاته مؤسسة سياسية.. طرح بمقتضى صلاحياته الدستورية رؤية يراها.. ويوقن أنه إنما يحقق من خلالها مفردات مسئوليته الوطنية والتاريخية.. ولا يمكن لأحد أن يواجه هذا الأمر - لو كان يرفضه - إلا إذا كان يملك ثلثى التمثيل فى مجلس الشعب.. وبما يؤدى إلى التفاف فريق سياسى آخر حول مقترحات أخرى أو موازية أو فى نفس الاتجاه.
هذه هى قواعد الدستور والشرعية.. وأساس الديمقراطية.. ومن ثم فإن أى خروج عن الأجندة التى حددتها مقترحات الرئيس هى مضيعة للوقت.. وتعبير عن عجز.
سوف يقول البعض إن ما تم طرحه لا يعبر عن الطموحات المنتظرة laquo;!raquo;.. وسيكون من حقه أن يقول هذا.. على سبيل الطنطنة والمزايدة غير المثمرة.. ولكن من الذى أعطاه - أى هذا البعض - الحق فى أن يحدد ما هو الطموح العام المنتظر.. مادام لا يملك القدرة الدستورية والأغلبية البرلمانية على ذلك؟
وسوف يقول البعض: كان يجب.. وكان ينبغى.. وهذا أيضا من حق من يشاء.. ولكن السؤال الأهم هو: هل لديك القدرة السياسية على أن تفرض على النقاش العام ما ينبغى؟
نحن أمام مقترحات.. قدمها رئيس منتخب.. جاء إلى السلطة عبر صندوق اقتراع حر.. ولديه صلاحيات دستورية.. وخبرة سياسية هائلة.. وعنده برنامج انتخابى جاء على أساسه إلى موقعه.. ومن إجمالى متحصلات شرعيته يقول ما لديه من مقترحات.. ويقدمها لمجلس الشعب بالطريق الدستورى.. وأى كلام خارج هذا السياق هو laquo;سفسطةraquo;.
؟ حول المادة 77
إن ذلك التمهيد يقودنا إلى هذا الجدل الدائر حول أمرين فى موضوع التعديلات الدستورية. خارج سياق أجندة المقترحات.. وهما:
- مسألة المادة 77 الخاصة بعدد مرات ولاية الرئيس.
- مسألة نائب الرئيس.
فى الأمرين يتجاهل الذين يتجادلون، من حيث الشكل، أن ذلك لم يرد فى مقترحات الرئيس.. ومادام لم يرد فلا يوجد محل للنقاش حول هذا.. إلا إذا نجح فريق سياسى فى إقناع الثلثين فى مجلس الشعب باقتراح تعديل بشأنهما.. ولا أظن أن هذا الفريق موجود.. فالأغلبية قررت أن تقف وراء مشروع التعديلات المقترح من الرئيس.. بدليل بيان التأييد الذى أصدره الحزب الوطنى.. وهو صاحب الأغلبية البرلمانية.
وفى الأمرين يتعمد المجادلون أن يناقشوا الأوضاع الدستورية الجديدة بعقلية عصر الاستفتاء.. دون أن يدركوا أو ربما يتجاهلون أن هذا الوضع قد تبدل.. وصار هناك رئيس منتخب من بين أكثر من مرشح فى اقتراع حر مباشر.. إن هذا هو ما أسميه عدم الانتباه إلى المتغيرات فى التفاعل مع المسائل الجديدة.
لو أن الرئيس ظل يأتى إلى الحكم من خلال استفتاء كان ينبغى طرح موضوع المادة 77 على نطاق واسع.. لكن القرار الآن للناخب.. وهو الذى يمكن أن ينهى ولاية أى رئيس.. ولو بعد مدة رئاسية واحدة.. وليس اثنتين.. وهو أيضا الذى يمكن أن يبقيه أكثر من ولايتين.
ثم ما هو معيار الولايتين، أو أقل، إذا كان يمكن لأى رئيس فى ولاية واحدة أن يقلب الدنيا رأسا على عقب.. وأن يتعامل بطريقة غير مناسبة مع حيثيات وصلاحيات مهامه.. إن من يتحدثون عن عدد مرات الولاية ويطالبون بأن تكون اثنتين هم عمليا يريدون من أى رئيس قادم أن يبقى فى الحكم 12 عاما متواصلة.. ولا يضعون أى افتراض لأن يبقى لمدة ست سنوات فقط.
وفى هذا، لا يمكن تجاهل المبررات السياسية الأخرى التى تحسم ذلك الجدل برمته.. ومنها:
1- لا توجد مصلحة حقيقية للرئيس مبارك فى ذلك، لأنه ببساطة لم يكن هو الذى عدل الدستور لكى يتم إطلاق عدد مدد الولاية.. وإنما الذى فعل ذلك هو الرئيس الراحل أنور السادات.. وبالمناسبة لم يعلن أحد ممن يتكلمون الآن بالرفض وقتها.
2- هذه القاعدة laquo;الولايتينraquo;.. غير مطبقة إلا فى عدد قليل جدا من الدول.. خاصة تلك التى تتبع النظام الرئاسى الكامل بحذافيره.. ومنها بالطبع الولايات المتحدة.
3- يتجاهل من يطالبون بمدة الولايتين أن عليهم أن يبذلوا جهدا فى اتجاه تطوير الثقافة السياسية والديمقراطية لدى الناخبين.. بمعنى أن قرار الناخب لا ينبغى أن يكون مرتبطا بتوجه دستورى فوقى.. وإنما نابع من رؤيته هو.. تماما كما هو حادث فى فرنسا.. حيث لا يوجد نص يحدد عدد مدد الولاية.. لكن الناخب يميل إلى اتخاذ قرار بألا تزيد على مرتين مع أى رئيس.
؟ منصب النائب
واقع الأمر أن ما نقوله بشأن تنمية وتطوير الثقافة السياسية والديمقراطية بين عموم الناس.. ينبغى أن نطالب به أيضا فيما بين عموم النخبة.. التى تبدو قطاعات عريضة منها غير قارئة.. أو خالطة للأوراق .. أو تتخلى عن الموضوعية حتى تثبت صواب رؤيتها.. وفى هذا أشير إلى مسألة تعمد التعامل مع النظام الدستورى المصرى على أنه نظام رئاسى.. يشبه أو يماثل النظام الأمريكى.. وهذا غير صحيح.
فى إطار دستور 1971 - قيد التعديل - وفى إطار مقترحات التعديلات الدستورية المطروحة من الرئيس الآن.. لا يمكن القول - من الناحية العلمية - أن النظام المصرى هو نظام رئاسى بالمعنى الحرفى للكلمة.. هو نظام أقرب إلى أن يكون برلمانيا.. وشبه رئاسى.. يقوم على علاقة توازن دقيقة بين السلطات.. وبدور وصلاحيات واسعة للرئيس.. وهو ما اصطلحت على تسميته فى مقال العدد الماضى بـ laquo;النموذج السياسى المصرىraquo;.
بمعنى أوضح، لو أن النظام المصرى رئاسى كامل، مثل الولايات المتحدة، كان ينبغى أن يتم النص بوضوح على موضوع نائب الرئيس.. لأن الرئيس فى النظام الأمريكى له وضعية مختلفة.. وحيث لا يوجد رئيس للوزراء.. وفى المقابل فلو أن النظام المصرى يماثل النظام البرلمانى البريطانى. لا يوجد مبرر إذن لوجود نائب لرأس السلطة التنفيذية.. لأن الأغلبية البرلمانية تستطيع فى لحظة أن تختار رئيسا آخر للوزراء.
وفى حالة النظام الفرنسى، وهو الأقرب للنموذج المصرى، لا يوجد فى الدستور الفرنسى أى نص يتعلق بموضوع نائب الرئيس.. كما أن ذلك غير موجود فى روسيا.. وهذه حقائق يتم تجاوزها بصورة أو أخرى فى الجدل الدائر فى مصر.
وفضلا عن ذلك، فلو أن النظام المصرى يقوم على طريقة الاستفتاء فى اختيار الرئيس كما كان من قبل لكان علينا أن نقبل الجدل حول موضوع نائب الرئيس.. لكن الوضع تغير.. سواء فيما يخص طريقة انتخاب الرئيس.. أو فيما يتعلق بصلاحيات رؤوس السلطات الأخرى.. خاصة فى التعديلات الدستورية الحالية.. وبما يدفعنى إلى أن أقول إن منصب نائب الرئيس فقد عمليا الضرورة الدستورية لوجوده بشكل حتمى، وفقد كذلك الصلاحية السياسية التى توجب وجوده.
منصب نائب الرئيس فى الذهنية السياسية المصرية النمطية، مرتبط ببعض الأمور التى كان عليها الوضع قبل أن يتطور نظام الحكم.. وهى فى رأيى ما يلى:
1- الشعور بالقلق الطبيعى فى حالة غياب أى رئيس، حول طريقة إدارة الدولة، وحول طريقة انتقال السلطة.
2- الوضعية السياسية، وليست الدستورية، التى تمتع بها الرئيس أنور السادات حين كان نائبا للرئيس.. مع مراعاة أنه لم يكن النائب الوحيد.
3- الوضعية التاريخية التى تمتع بها زكريا محيى الدين، لحظة تنحى الرئيس عبدالناصر عام 1967، مع ملاحظة أنه لم يكن نائبا وحيدا للرئيس.
4- الوضعية المميزة للرئيس مبارك حين كان نائبا للرئيس السادات، وكيف حمت مكانته السياسية، ووضعه القانونى، مصر. من سيناريوهات خطرة لحظة غياب الرئيس السادات.
كل هذا تغير الآن، ونظام الحكم صار مختلفا، وطبيعته تغيرت، وليس علينا أن نطبق فى العصر الجديد - أمد الله فى عمر الرئيس وحفظه لمصر - أية سيناريوهات قديمة.. إذ لا يوجد نص دستورى يقول أن أى رئيس يجب أن يتلوه فى الحكم فى حالة غيابه نائب الرئيس.
؟ الفائدة الوحيدة
لكن المفيد، فى هذا الجدل الدائر حول موضوع نائب الرئيس، أنه يتيح الفرصة لكى نعيد فهم أوضاعنا الجديدة.. من الناحيتين الدستورية والسياسية. . وبالتالى لكى نعرف هل من الواجب أن يملأ الرئيس فى أية لحظة المنصب الشاغر لنائب الرئيس.. أم أنه لا توجد لا ضرورة سياسية.. ولا دستورية لذلك؟!
فى هذا السياق.. أسجل عدة نقاط:
1- من الناحية الدستورية هناك نص مفتوح، حول مسألة تعيين النائب.. وأعنى بذلك المادة رقم 139، والتى تقول: laquo;لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا له أو أكثر، ويحدد اختصاصاتهم، ويعفيهم من مناصبهم، وتسرى القواعد المنظمة لمساءلة رئيس الجمهورية على نواب رئيس الجمهوريةraquo;.
وهذا النص واضح..
- حين قال لرئيس الجمهورية، فإنه أعطى للرئيس الحق الجوازى، غير الوجوبى، أى أنه يمكن للرئيس ألا يعين أى نائب.
- شرعية النائب هنا نابعة من الرئيس، وليس من أية شرعية أخرى، laquo;هو الذى يعينهraquo;، laquo;هو الذى يحدد له اختصاصهraquo;، laquo;هو الذى يعفيهraquo;. وبالتالى هو معاون.. تزيد درجته أو تقل حسب رغبة الرئيس.. ومن ثم فإن عدم تعيين نائب حتى الآن هو تعبير عن عدم حاجة الرئيس إلى ذلك.. مادامت كل المناصب التنفيذية الأخرى تقوم بأدوارها.
- الرئيس هو الذى يمنح النائب وضعيته، فإذا ما فعل الرئيس ودفع بشخص ما إلى أن ينال صلاحيات واسعة من خلال منصب النائب.. فإنه يفرض على الناس خيارا غير ديمقراطى.
3- ينبغى أن ندرك أن الدستور المصرى لم يعط أية صلاحية من أى نوع لنائب الرئيس، وحتى صلاحيته فى حالة وجود laquo;مانع مؤقتraquo; يعوق الرئيس عن أداء أعماله، هى صلاحية نابعة من الرئيس نفسه.. الذى يعطيه هذه الصلاحية.. إذ تقول المادة رقم 82: laquo;إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة الرئيس لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهوريةraquo;.
4- هنا ينبغى توضيح الفرق بين المانع المؤقت، والمانع الدائم.. خاصة أن التعديلات المقترحة من الرئيس عالجت نقيصة واضحة فى الدستور الحالى فى هذا الخصوص.
والمانع المؤقت هو المرض، أو عدم القدرة المؤقتة، وفى هذه الحالة يكون للرئيس أن ينيب نائبه.. وفى التعديلات الجديدة هناك نص واضح منح هذه الصلاحية إلى رئيس الوزراء.
ويقول الرئيس مبارك حول ذلك فى خطابه إلى مجلس الشعب بشأن التعديلات: laquo;تحدد المواد 82، 84، الفقرة الأولى، و85 الفقرة الثانية، من يحل محل رئيس الجمهورية عند قيام مانع مؤقت، أو دائم، أو عند اتهامه، وقد لا تتيسر هذه الحلول من الناحية العملية فى بعض الأحيان لسبب أو لآخر.. لذلك أطالب بتعديل هذه المواد بما يسمح بحلول رئيس مجلس الوزراء عند تعذر حلول نائب الرئيس فى تلك الحالات.. دون أن يباشر من يحل محل الرئيس السلطات بالغة الأثر فى الحياة السياسية.. كإقالة الحكومة.. وحل مجلس الشعب.. وطلب تعديل الدستور.. فهذه السلطات يجدر عدم استخدامها خلال الفترة العرضية التى تنظمها هذه الموادraquo;.
الملاحظ هنا عدة أمور:
- إذا لم يكن هناك نائب رئيس هناك رئيس الوزراء.
- أن رئيس الوزراء يتولى مهامه فى حالة المانع المؤقت للرئيس لمن تولى أعماله، بمقتضى الدستور، وليس بقرار من الرئيس.. أو لنقل إن هذه المسألة لم تتضح بعد فى الصياغة.
- أن مطالبة الرئيس بالتعديل هنا عالجت laquo;عوارا دستورياraquo;.. فى حالة ما إذا اتهم الرئيس بالخيانة العظمى مثلا.. إذ كيف يحاكم رئيس - أى رئيس - ويتولى مهامه نائب هو الذى عينه وأعطاه صلاحياته.. حسبما يأتى فى الدستور الحالى قيد التعديل.
- أن رئيس الوزراء يقوم بهذه المهام، فى حالة المانع المؤقت، وهو الآن صاحب وضعية دستورية أوسع نطاقا مما كان عليه الوضع من قبل.. فالتعديلات الدستورية تعطيه صلاحيات أوسع.. وبالتالى هو أقوى دستوريا من نائب الرئيس.
- أن رئيس الوزراء رغم ذلك، ليس من حقه أن يقوم بأية أعمال جوهرية تتعارض مع وضعه المؤقت laquo;كإقالة الحكومة، أو حل مجلس الشعب، أو طلب تعديل الدستورraquo;.. وهى قيود لم تكن موجودة على نائب الرئيس فى الدستور الحالى.. بمعنى آخر: كيف يمكن أن يحاكم رئيس، بينما نائبه فى الحكم، فيقوم - مثلا - بتعديل الدستور لصالحه.. ولا يعنى ذلك أن هناك ضمانات جديدة قد وضعها الرئيس بنفسه لضمان محاسبة الرئيس فى مناخ شفاف وعادل دون تدخل من نائبه لصالحه.
- تراعى هذه التعديلات أن شرعية رئيس الوزراء فى موقعه هذا هى شرعية مؤقتة ومقيدة، على اعتبار أنه فى نهاية الأمر غير منتخب، وأن شرعيته نابعة من البرلمان الذى منحه الثقة.. وهى ثقة لم يكن يحصل عليها نائب الرئيس إذ يقسم القسم أمام الرئيس ولا يحتاج إلى أن ينال ثقة البرلمان.. كما سوف يحدث مع رئيس الوزراء.
5- فى حالة وجود المانع الدائم لتولى الرئيس لمهامه، مازال النص الدستورى حول ذلك قائما، وغير خاضع للتعديل.. وأعنى بذلك نص المادة 84 من الدستور، والتى تقول: laquo;فى حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولى الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، وإذا كان لمجلس منحلا.. حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا.. وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسةraquo;.
والمعنى الأكيد أن الدستور الحالى، وتعديلاته، قد أكد تماما أنه لا مجال لأى قلق من أى نوع بشأن حدوث أى فراغ فى السلطة.. مؤقت أو دائم.. وحتى لو لم يكن هناك نائب أو أكثر للرئيس.
6- النقطة الأخيرة والأهم.. هى أن وجود شخص ما فى منصب نائب الرئيس لا يعنى أنه سوف يصبح الرئيس إذا ما جرى ظرف ما من أى نوع.. أتوماتيكيا.. كما كان يفترض فى عصر الاستفتاء على المرشح للرئاسة.. إذ إن على نائب الرئيس أن يخضع لشروط المادة 76 من الدستور، أى أن يكون حزبيا، تنطبق عليه المواصفات الدستورية، أو مستقلا.. يملك ما يؤهله دستوريا للترشيح.
هل هذا كله يكفى لتوضيح أن الهالة السياسية التى كانت تصاحب منصب نائب الرئيس لم يعد لها وجود حقيقى.. أم أننا سوف نظل أسرى أفكار قديمة.. وسيناريوهات لا أظن أنها سوف تتكرر! ؟
كاتب المقال رئيس تحرير روزاليوسف
التعليقات