رحم الله ياسر عرفات الذي كان يعرف كيف يسوس الداخل الفلسطيني ورحم كافة أطراف العمل الفلسطيني لا كانت لا تجرأ على مس الدم الفلسطيني بسبب قدسيته التي ألزمتها التعاهد على أن لا تلوث يدها به، أما اليوم فقد زالت كافة الحواجز وسقط كل مقدس ولم يعد في الساحة من يحرصون على الصالح العام..

لم يصمت العرب كما تدعي بعض الأقلام هنا وهناك فبين المبادرة القطرية لتشكيل حكومة وحدة وطنية والدعوة السعودية للقاء بين محمود عباس وخالد مشعل مرت محاولات التوفيق تحت جسور مصرية وأردنية وسورية ومغربية، لكن التطور نحو الأسوأ من جانب quot; مناضلي فتح وحماس quot; والإصرار على التمسك بما يدعم quot; سلطة كل طرف quot; على المستويين الرئاسي والتنفيذي ومحاولات كل منهما المستميتة لفرض وجهة نظره الأحادية على الساحة، أغرقت هذه المبادرات فى خضم مطالب ورؤية قاصرة وقادتها جميعاً إلى فشل ليس سببه قصور فيها ولكن لأنهما غير راغبين في التصالح مع نفسيهما ومع الآخر وفق برنامج سياسي ينظر فقط إلى مصلحة الشعب الفلسطيني المرتبطة بالخلاص أولا من أسوء إحتلال عنصري عرفه التاريخ البشري..

محاولة التهدئة الحالية لن تصمد لفترة طويلة ولقاء مكة المرتقب لن يؤتي ثماره وستتكرر تجربة الاعتداء على الأخ والشقيق ما لم يتوصل quot; راسي الحكم quot; الفاعلان في الشارع الفلسطيني إلي برنامج سياسي موحد يجمع بين وجهتي نظريهما كمسئولين معاً عن إدارة شئون الشعب الفلسطيني الآنية والمستقبلية، ويأخذ في الاعتبار :
1 ndash; أن كلاهما جاء إلى موقعه عبر صناديق اقتراع أضاعت قيمتها طلقات الرصاص التي أودت بحياة أكثر من أربعين مناضل وحوالي 300 مصاب، نزلت عليهم لعنة أنصار الاشتباك الفلسطيني / الفلسطيني الذين نسوا أنهم محتلون ومغتصبون..
2 ndash; أن كلاهما مسئول عن حتمية إيجاد صيغة للتوافق معا كفريق واحد مطلوب منه التفاوض مع العدو ومع الرباعية الدولية ومع الشرعية الدولية حول مستقبل الدولة التي بدأ الصراع على تقسيمها من قبل أن تولد..
3 ndash; أنهما فقدا ndash; في المرحلة الحالية على الأقل - الكثير من مصوغات شرعية وجودهما السياسي الوطني النضالي الوطني التحرري، لأنهما بدلاً من الالتفات إلى العدو المشترك جعلا من مؤسستيهما عدواً للشعب الفلسطيني..
لا يوجد في ساحة النضال الوطني الفلسطيني بكل وسائلها من يملك كل الحقيقة وصواب الرؤية ومقومات العمل منفرداً على المستويين الداخلي والإقليمي والدولي :
-لا يمكن لحماس أن تشطب بجرة قلم العمل الوطني الذي جرى قبلها بكل ما فيه من مساوئ ولا يمكن لها أن تقول للعالم أنها غير ملزمة بما سبق التوصل إليه مهما كان فيه من جور وظلم، لكن من حقها أن تتعامل مع الواقع الذي ورثته بمنهجية مختلفة ورؤية قابلة للتطبيق..
-في نفس الوقت لا يمكن لفتح أن تملي شروطها على حكومة حماس التي تختلف معها في النظرية والتطبيق ولا يمكن أن تحكم على منهجيتها بالفشل قبل أن تنزل إلى الميدان، لكن من حقها أن تتعاون معها على ما يترجم مصالح الشعب الفلسطيني إلي واقع ملموس ويحقق له حريته واستقلاله الذي هو أوسع من حدود رؤيتهما المؤسسة على مبادئ فيها الكثير من التضارب والخلاف..

كلنا يعرف أن غالبية ما نصت عليه اتفاقات أوسلو لم ير النور بسبب تعنت الجانب الإسرائيلي المدعوم بتأييد ومناصرة واشنطن، لذلك يصبح من حق حكومة حماس التي فازت في الانتخابات التشريعية وفق برنامج غير متوافق مع أوسلو أن ترفض منهجية التعامل معها وليس إلغائها.. وكلنا يعرف أن إسرائيل والولايات المتحدة تخططان منذ زمن بعيد لخلق بيئة قتالية متواصلة بين الفصائل الفلسطينية تكفيانهما مئونة تأجيل ما يتم الاتفاق عليه إقليمياً وعالمياً، من هنا جاء حرص الجميع في الماضي القريب على وحدة الصف الفلسطيني مهما كان حجم الخلافات الداخلية، ولكننا لا نعرف لماذا لم يتعلم رأسي الحكم من تجاب نضال فتح السياسي والعسكري وكفاح حماس النضالي والخدمي ما يدفعهما إلى وضع أسس للاتفاق على وسائل محدده وعملية للتعامل مع المستعمر العنصري بالقول والفعل في السر والعلن، بدلا من الاقتتال على كراسي الحكم وكيفية توزيعها..

كلنا يعرف أن دعاوى الديموقراطية التي تتشدق بها واشنطن ما هي إلا مكيال ذو وزنين يستخدم وفق مقاييس تخدم مصالحها، وها هي تتعامل مع الرئيس الفلسطيني وتتعاون معه لدعم موقفه وتعقد معه اتفاقات أمنية خاصة باعتباره منتخباً وفق الأسس الديوقراطية بينما ترفض الإعتراف بحكومة حماس التي تولت المسئولية وفق نفس الأسس لأنها قررت منذ اليوم الأول ان تمارس مسئوليتها وفق منهجية ضمنتها برنامجها الانتخابي الذي أتي بها إلى الحكم.. لذلك نستغرب كيف فات على مؤسسة الرئاسة الفلسطينية حنكة أن لا تبدو على هذه الدرجة من التوافق مع واشنطن على حساب الشارع الفلسطيني، ونستغرب كيف وقعت حماس في خديعة أمكانية الوقوف في الساحة تحت مظلة قوى إقليمية ليست قادرة على حماية مصالحها
ولينظر الجميع ماذا تفعل إسرائيل بينما القتال دائر في غزة بالإضافة إلي إنتهاكاتها اليومية في الضفة : تروج لشفافيتها بإختيار غالب المجادلة من أبناء 48 وزيراً في حكومتها، وتوفر الحماية الدعائية اللازمة للأعمال التي تقوم بها جمعية ألعاد الإسرائيلية لبناء مدينة سياحية على حساب حرم المسجد الأقصى.. على الجانب الآخر نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع الرباعية الدولية التي اجتمع أعضاؤها في واشنطن مساء الجمعة لماضي بحتمية الربط بين قيام الدولة الفلسطينية وبين quot; اعتراف حماس بإسرائيل وبالاتفاقات التي سبق إبرمها معها وبنبذ العنف quot;..
لذلك لم يلتفت العالم إلى نداء محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطينية حين دعا الرباعية إلى quot; حوار جاد مع حكومته بهدف التوصل إلى سبل لاستتباب الأمن في المنطقة quot; وأصغت إلى قول كونوليزا رايس quot; أن الحاجة أصبحت ملحة لإعادة النظر في قدرة الفلسطينيين على حفظ السلام والأمن فى المنطقة بعد قيام دولتهم quot;..

ليس هناك مفر من التوافق بين رأسي الإدارة على المستوى الفلسطيني إذا أرادت فتح وحماس البقاء في خدمة قضية تحرير الشعب الفلسطيني من نير الاحتلال، أما إذا أرادتا مواصلة نحر أبنائه من الأذن إلى الأذن فعليهما أن يُكملا طريق الدم الذي شقته كل منهما ليسيل انهارا على جانبي شارع النضال الفلسطيني التحرري..


استشاري إعلامي مقيم فى بريطانيا

[email protected]